فلسطين

رسالة من دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الى الاحزاب والاطر السياسية والإعلامية ومؤسسات الرأي العام في العالم

مستقبل قطاع غزه شأن فلسطيني داخلي

تطرح بين الحين والآخر مواقف سياسية من مسؤوليين غربيين حول رؤيتهم لمستقبل قطاع غزه بعد العدوان. وعبرت اسرائيل عن موقفها بأنها تريد تنصيب “نظام امني جديد في قطاع غزه” الى جانب ما تصفه بـ “تصفية البنى التحية للمقاومة الفلسطينية”، وفي مكان آخر قال رئيس وزراء العدو الاسرائيلي: “بعد الحرب لن تكون في غزه سلطة مدنية تعلم الاطفال كراهية اسرائيل”. هذه المواقف تنسجم مع مواقف الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية الذين تحدثوا عن واقع مختلف لمستقبل قطاع غزه.
بغض النظر عن تفاصيل المشاريع التي يدور النقاش بشأنها، فمن الواضح انها تتجاوز أصحاب الشأن المعنيين بالامر وهم الشعب الفلسطيني، في تكرار لاخطاء سابقة ارتكبها المجتمع الدولي منذ عقود وساهمت في التأسيس لصراع ما زال متواصلا حتى الآن، حين تجاهلت الاسرة الدولية الشعب الفلسطيني ورغبته بالاستقلال، وتواطأ بعضها من الدول الاستعمارية مع الحركة الصهيونية، منذ ما قبل وعد بلفور عام 1917 وحتى صدور القرار 181 الذي صدر عن الامم المتحدة عام 1947 دون الوقوف على رأي اصحاب الارض واهلها، ليأتي القرار متعاكسا مع ارادة الشعب الفلسطيني ومتناقضا حتى مع ميثاق الامم المتحدة الذي يعطي الحق للشعوب بتقرير مصيرها بدون تدخل خارجي..
اتفاقيات أوسلو التي عول عليها البعض من الفلسطينيين والعرب الآمال والاوهام بإمكانية تحقيقها انجاز ولو محدود أصبحت دون جدوى، فالسيطرة الأمنية في الضفة، ورغم وجود السلطة الفلسطينية، ما زالت بيد إسرائيل التي ازدادت قبضتها، ووقائع الاستيطان وسرقة الأراضي تتسع اكثر، وممارسات المستوطنين واجرامهم لم تعد لها حدود، وأوضاع الفلسطينيين من النواحي الأمنية والاقتصادية أصبحت أسوأ مما كانت عليه حتى قبل العام 1993، والقوانين التي سنّها الكنيست الإسرائيلي منذ سنوات كرست حقيقة استحالة التعايش مع الاحتلال، نتيجة حالة التطرف الآخذة في الازدياد داخل المجتمع الإسرائيلي والتي تترجمها وصول قوى فاشية وعنصرية الى السلطة..
وبالرغم من كل ذلك، فما زالت الغالبية من دول العالم تتحدث عن مصطلح “حل الدولتين”، دون ان يكلف احد نفسه عناء شرح معنى هذا المصطلح او ان تتخذ إجراءات ومواقف وسياسات يمكن ان تقرب الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية، خاصة الدولة المستقلة السيدة والحرة وعاصمتها القدس على ارضها المحتلة بعدوان عام 1967. بل على العكس كل المؤشرات تقول ان إسرائيل باتت غير معنية بأي حل سياسي، مهما كان هزيلا ومتواضعا، وان المشروع الراهن لحكومة التطرف والفاشية في إسرائيل هو ضم الضفة الغربية، او أجزاء منها، وتحسينات اقتصادية للفلسطينيين، ومن لا يعجبه هذا الامر فهناك ثلاثة خيارات: فاما الاعتقال واما القتل او التهجير والترحيل..
من يتابع المواقف الرسمية الإسرائيلية والغربية بشأن “مستقبل قطاع غزه”، يخيل له ان إسرائيل قد فرضت سيطرتها على القطاع وامتلكت الميدان كي تعطي نفسها الحق في ان تطرح وتشترط وتفرض، لكن ما يحصل هو عكس ذلك. فالمقاومة الفلسطينية ما زالت متواجدة في ارضها وميدانها، وليس مؤكدا ان جيش الاحتلال قادر على التحكم بمسار المعركة، رغم توغلاته في بعض احياء القطاع، لأن من يتحدث بمشاريع سياسية يجب ان يمتلك الحد الأدنى من القدرة على فرض مشروعه، وهذا لم يحصل ولا يتوقع حصوله خلال فترة قريبة، بل ان إسرائيل وجيشها ذاهبون الى الغرق في رمال غزه نتيجة المجهول الذي ينتظرهم.
ان اي مشروع سياسي لا يراعي الاسباب الحقيقية للصراع، ولا يستجيب للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني من الطبيعي ان يكون مرفوضا من كل قوى الشعب الفلسطيني، وسببا اضافيا في انتاج المزيد من التصعيد والتوترات. وتجارب العقود الماضية تؤكد هذه الحقيقة.. لذلك فان اي حديث عن مشاريع انتقالية وعن تصورات ترسم من وراء ظهر الشعب الفلسطيني لن يتم النظر اليها الا كونها تغطية على جرائم الاحتلال وجزء لا يتجزأ من مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، ولن تجد من كافة التيارات الفلسطينية السياسية والشعبية الا الرفض والمقاومة..
لذلك وانطلاقا من رفض أي مشروع سياسي لا يلحظ وقف العدوان ووضع قادة العدو وداعميه امام المحاكم الدولية، فاننا نؤكد على التالي:
اولا) حق الشعب الفلسطيني في المقاومة طالما ان الاحتلال والاستيطان جاثمين فوق الارض الفلسطينية التي تعتبر، وفقا للقرارات الدولية اراض فلسطينية محتلة، والواجب القانوني والسياسي والانساني والاخلاقي يفرض على كل دول العالم دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقوقه الوطنية وتقرير مصيره فوق ارضه بحرية بعيدا عن كل اشكال القهر والاستعمار.
ثانيا) ان قطاع غزه هو جزء لا يتجزأ من الارض الفلسطينية الواحدة الموحدة التي لا تقبل اي شكل من اشكال التقسيم تحت اي مسمى سياسي او جغرافي او اداري او قانوني، ومستقبل القطاع هو شأن وطني فلسطيني، وهذا يعني رفض كل مشاريع الإنتداب أياً كانت جنسيته أو خلفيته او مراحله الانتقالية، التي يكون فيها للاحتلال الإسرائيلي دور مباشر أو غير مباشر. والقوى الوطنية الفلسطينية هي المعنية برسم مستقبل قطاع غزة بالاشكال التي تراها مناسبة. وهذا ما يجب ان يسقط ذريعة وضع القطاع تحت سقف مرجعيات خارجية، لن تكون سوى الإسم المستعار لوضع القضية الوطنية تحت الوصاية الاستعمارية الخارجية، التي هي بمثابة الطريق الأقصر لتصفية الحقوقنا الوطنية الفلسطينية.
ثالثا) ان منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، هي التي تمثل دولة فلسطين في اي نقاش يتعلق بحاضر ومستقبل قضيتنا الوطنية، وهي معنية بالعمل على تأكيد وتكريس مكانتها التمثيلية لقطاع غزه، ارضا وسكانا، وهي المعنية أيضا برفض كل مشروع ينتقص من حقها كونها المرجعية السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني، بغض النظر عن الملاحظات والتباينات في نظرة البعض الى المنظمة وواقعها الراهن.
رابعا) ان النقاشات الدائرة حول مستقبل قطاع غزه تتناقض مع ابسط قيم وقواعد الديمقراطية التي تتشدق فيها الولايات المتحدة والدول الغربية. وطالما ان الاحتلال هو الركن الاساسي في المشكلة، فلا يمكن طرح اية مقاربة واقعية وقابلة للتطبيق الا انطلاقا من الاعتراف بأن الجذر الاساسي للصراع الذي يجرجر نفسه منذ العام 1948 هو الاحتلال واجرامه وعدوانه ومشاريعه السياسية التي لا تستند الى اي مسوغ قانوني او تاريخي، بل ان كافة مشاريعه كان وما زال منشأها الاساسي مصالح الدول الامبريالية أولا والاساطير والخرافات التاريخية للحركة الصهيونية ثانيا، والتي يشكل وجودها خطرا ليس على فلسطين ومنطقة الشرق الاوسط فقط بل وعلى السلام العالمي..
خامسا) ليس صدفة ان تكون رغبة نتن ياهو بـ “سلطة مدنية لا تعلم الاطفال الفلسطينيين كراهية اسرائيل” منسجمة مع ما حملته صفقة القرن قبل خمسة اعوام لجهة التحريض على وكالة الغوث ومناهج التعليم في مدارسها بزعم انها تحرض على العنف والكراهية، وانسياق بعض الدول الغربية وراء دعايات كاذبة تقودها مؤسسات وجمعيات صهيونية. رغم ان المناهج الاسرائيلية تحفل بمئات النصوص التي لا تحرض على الكراهية فقط، بل تدعو الى قتل العرب بشكل صريح.
ان المحاكمات والمعتقلات الدولية لقادة الاحتلال الصهيوني وداعميه يجب ان تكون النتيجة الطبيعية للعدوان والقتل وحملات الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وليس منحهم مكافأة بتقرير مصير قطاع غزه، الذي كان وسيبقى جزءا لا يتجزءا من الارض الفلسطينية، وابناؤه سيظلون جزءا اصيلا من الشعب.. وبالتالي فان الاستجابة لرغبة الاحتلال الاسرائيلي في نقاش مشاريع سياسية تتعلق بمستقبل قطاع غزه من شأنها ان تكرر ذات الاخطاء التي ارتكبها المجتمع الدولي منذ اليوم الاول لتوقيع اتفاقية اوسلو لجهة ترك الاحتلال يفعل ما يريد في الضفة الغربية، غير آبه بصراخ الشعب الفلسطيني الذي لم يجد سوى التجاهل والعجز والتواطؤ من المجتمع الدولي ومن النظام الرسمي العربي.. فكان 7 تشرين الأول (اكتوبر) ردة فعل على كل ما فعله الاحتلال من ممارسات وسياسات كانت تقود بشكل تدريجي الى تصفية القضية الفلسطينية..
لقد اتسعت القناعات لدى كثيرين على المستوى الدولي بفشل كل الحلول الجزئية والأمنية للقضية الفلسطينية، وبأن الحل الجذري لحالة عدم الاستقرار في الشرق الاوسط نتيجة الاحتلال الإسرائيلي هو في حل القضية الفلسطينية، بموجب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي تضمن للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره بحرية وقيام دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على ارضها المحتلة بعدوان عام 1967 وعاصمتها القدس، بديلا للحلول الفاشلة بما في ذلك “إتفاق أوسلو” وما نتج عنه من مسارات كانت سببا في تفجر الاوضاع الراهنة..
لكل ذلك، نتوجه من الاحزاب السياسية العالمية ومن صانعي القرار على مستوى النخب السياسية والفكرية والاجتماعية ومؤسسات الرأي العام بتحمل مسؤولياتهم الانسانية والقانونية والانسانية والاخلاقية في الضغط على الحكومات الغربية للعمل من اجل:
1) وقف العدوان الاسرائيلي ورفع الحصار المفروض على القطاع منذ نحو 17 عاما، واعتبار مخططات التهجير الجماعي جريمة حرب يجب ان تتوقف بكافة اشكالها.
2) تغيير نمط التعاطي مع القضية الفلسطينية لجهة دعم الشعب الفلسطيني وحقه في العيش بكرامة بعيدا عن الاحتلال والعدوان وضمان تقرير مصيره بحرية فوق ارضه، ومده بكل ما يحتاجه من مستلزمات الحياة التي دمرت من قبل جنود الاحتلال الاسرائيلي، سواء بالعدوان الحالي على قطع غزه او بكل ما اقترفه الاحتلال من جرائم في الضفة الغربية..

30 تشرين الثاني 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى