المقالات

كي لا نغرق… مازن عبّود \ المصدر جريدة النهار

في ميونخ لوحة زيتية لجوزيف أنتون كوخ(1803) لنوح يقدم قرابين الشكر لله لنجاته من الطوفان. حبّذا لو عايش كوخ مواسم امطارنا لكان حتما أبدع اكثر. الا انّ الموضوع ليس مرتبطا مباشرة بالله بل ببشره واقتصاداتهم وغازاتهم وتلوثهم. المفارقة بأننا استسلمنا للاحتباس الحراري ونبحث عن كيفية التأقلم مع التغيّر المناخي.
الا انّ التأقلم مكلف وصعب في دول كلبنان. نسيبة لي عائدة من دبي مؤخرا عامت في مطار بيروت ولولا السائق لكانت بلغت شاطئ السان سيمون. Giudice et al. (2023) في “البنى التحتية الخضراء” تكلموا عن استجابة الدول شبه المعدومة لظواهر الاحتباس الحراري المتطرفة. يتوجب تطويع اقتصاداتنا وحياتنا. الانتقال من الربحية القصيرة الى استدامة الربحية ضرورة. طرق نمو مدننا يعرضنا لأمطار نوح والطوفان. الأمم المتحدة تتوقع بحلول 2050 ان يقيم 65٪ من سكان العالم (حوالي 6 مليارات) في ثلاثين مدينة تستهلك 75٪ من موارد الكوكب.
مدننا تتوسع وتخسر التوازن البيئي والكوكب يتحوّل الى مكب. يتكلمون في الغرب عن بُنى تحتية خضراء وزرقاء (GBI) للتكيّف مع تغير المناخ وعن استراتيجيات جديدة لتصميم المدن. فثمة حاجة لتعديل البنى التحتية لضمان استدامة وامان وجودة الحياة. ثمة تحديات جديدة لعصر الاحتباس تفرض نفسها على المهندسين وتتطلب تصميم البنى التحتية والمنازل بشكل مختلف. ما عاد مسموحا ان تخلو المدن من المساحات الخضراء القابلة على امتصاص كميات المياه المتزايدة شتاء بفعل الخرسانة. كما اضحى غير مقبول اهمال إدارة مياه الامطار والسيول. ثمة ضرورة وحاجة لإرساء مفاهيم الفرز المنزلي وإعادة التدوير في المدن المكتظة والا نفايات وازمات ومحارق ومكبات لا تنتهي. ميلتون كينز (1967) صمم وأشرف على بناء مدينة في إنجلترا وهي مازالت تشكل نموذجا. لا مدن مستدامة بدون مساحات خضراء. في بلدنا لا بنى تحتية واقعية بنية كانت ام خضراء. ومن اين نأتي بالبنى التحتية الخضراء في مدينة كبيروت تطوف بالمياه؟ بنى تضمن إدارة مياه الامطار والإجهاد الحراري، وجودة الهواء. الأشجار والأسطح والواجهات الخضراء والمستنقعات المصنعة هي بعض الأمثلة الشائعة وفقًا لتعريف جونسون (2019). ننظر في خضم ازمة والمساحات الخضراء ضاعت في مدننا الساحلية. نسر بالبلد يكبر بفعل المكبات البحرية. من يضمن الحفاظ على ما تبقى من مساحات؟ كيف السبيل الى ذلك في وسط ازمة حكم وسياسة واقتصاد؟ الا طوّل الله بعمري حرش بيروت وحرم الجامعة الامريكية! الا يتوجب الإضاءة على مفاعيل التغيّر المناخي عندنا؟
المطلوب خفض معدلات عوامل استثمار الأراضي لحفظ جودة الحياة في ما تبقى من مدننا وبلداتنا ووقف العمران العشوائي وإعادة النظر في اقنية تصريف مياه الامطار ونظام الطرق. من يوقف محو ما تبقى من احراش وغابات وهوية ومناظر، أمعدلات الفقر المتزايد ام الحوكمة؟ الازمة في البنية المؤسسية المفقودة وفي الالتفاف على القوانين. نظام الحكم غير ملاءم لضمان بقاء ميزات الارض التفاضلية وجودة الحياة. المطلوب التفكير بصيغة بديلة. فالأنظمة وحتى الدول تفقد معناها اذ لم تؤدي الى رفاهية وسعادة البشر والحفاظ على الارض. الدول وانظمتها وحتى حدودها وصيغها هي وسائل ليس الا وليست غاية.
نطوف ونصحو على تربة في الطرقات في طريقها الى البحار. الحرائق والقطع والعمران يغتالون لبنان الاخضر. بيوتنا والحقول تغرق شتاء وتحترق صيفا. يتوجب مواجهة عدونا الصامت الذي يغرقنا، فما ينتج عنه ابلغ حتى من عدوان إسرائيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى