التحقيقات

ما يحدث في الواقع هو نتيجة اختلال التوازن – أسامة اسماعيل

غياب النخبوي المستقل عن الواقع والاعلام يشجع الاختلال
ان الجهل والسطحية والفوضى والتسلط والظلم هي نتيجة اختلال التوازن بين قوى العقل والارادة والنفس والحواس.وما يحدث في هذا البلد دليل على ما ذكر أعلاه،بدءا”من طريقة سواقة السيارات على الطرقات ورفع أصوات المسجلات أوCD للأناشيد واللطميات والأغاني والسلوك المزعج والمؤذي والاستفزازي والمهين مرورا”بافتعال الأزمات المالية والنقدية والاقتصادية لأجل لعبة السياسة الانية والمحاور الدولية الاقليمية والانتخابات والأرباح وصولا”الى النظام الديموقراطي الطائفي الحزبي الشعبوي الذي يربي الأفراد ويعودهم على أن يكونوا تابعين وخاضعين للمذهب والطائفة والعشيرة والحزب والحالة الشعبية، في مقابل تهميش النخبوي المستقل الناقد واستبعاده اجتماعيا”ومعنويا”واقتصاديا”واعلاميا”.
المعتقدات والمفاهيم والعادات السائدة والنظام الديموقراطي الانتخابي الطائفي الحزبي ترسخ اختلال التوازن بين العقل والارادة والعاطفة والغريزة والحاجات المادية وتجعل هذه الأمور جماعية طائفية أوعشائرية أو حزبية أو شعبية،وتسمح للاخرين بالتدخل فيها ومضايقة الفرد ومزاحمته عليها،حتى قيل ان “السياسة هي فن منع الفرد من التدخل في ما يعنيه”فما يعنيه يعني الاخرين ويباح لهم التدخل فيه لأجل السيطرة والتفوق المادي والمعنوي والسلطة والانتخابات.والقول بأن الديموقراطية الانتخابية
مؤسسة على قيمة الفرد والحرية والمساواة والعدالة وهم وسراب،فهي الوجه الاخر للديكتاتورية عبر حكم الأكثرية الشعبية لاحكم النخبة،ويتأمن ذلك بالانتخابات والتظاهرات الشعبية والأحزاب الطائفية والايديولوجية الشعبوية والانتخابية،فيما يهمش العقل الفردي والارادة الفردية والحقوق الفردية ويستهان بالكرامة الفردية لمصلحة الأكثرية أو الجماعة الطائفية أو الحزبية أو الشعبية.وقبل أكثر من 2300 عام قال أفلاطون ان الديموقراطية تشجع صفات الوقاحة والفوضى والغرور والتبذير. وهذا ما يشهده لبنان على صعد السياسة والادارة والمجتمع والاقتصاد حيث الوقاحة واللؤم والفوضى والتسلط بلغت حدودا”لاتطاق،ان على صعيد التعدي على الحرية والكرامة والحقوق الفردية والازعاج والمراقبة والتجسس،وان على صعيد الطريقة السيئة لسواقة السيارات واطلاق أصوات المسجلات فيها على الطرقات،وان على صعيد رفع أسعار السلع والمواد الأساسية والمحروقات والخدمات الى حدود تفوق بكثير قدرة ذي الدخل المحدود والمتدني بذريعة ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية،والتقنين القاسي للكهرباء،وتولية المناصب والوظائف غير النخبويين والمؤهلين وهدر المال العام على مشاريع غير مجدية والانتخابات النيابية والدعايات الانتخابية دون تغيير للأفضل ودون تحسين للأوضاع بل تفتعل الأزمات بعد كل انتخابات ويزداد الضغط الاقتصادي والنفسي على ذي الدخل المتدني والمحدود من جراء كلفة الانتخابات النيابية والأزمات التي تفتعل بعدها والمشاريع غير المجدية.فلو كانت المعتقدات والمفاهيم والأنظمة السائدة مؤسسة على التوازن بين العقل والارادة والعاطفة والغريزة والحاجات المادية،وعلى اشراف العقل والارادة على سائر قوى النفس والجسد لكان المجتمع والسياسة والدين والاقتصاد والاعلام عوامل مساعدة على تحقيق السعادة للفرد،ولكن الواقع يقدم مصادر تعاسة وشقاء للفرد عبر الفوضى والازعاج والتسلط والمراقبة والتدخل في شؤونه الشخصية والفكرية والمهنية وتدني الدخل والقدرة الشرائية مقابل ارتفاع الأسعار أضعافا”مضاعفة وقلة فرص العمل والوظائف.ويشجع على ذلك أيضا”غياب معظم وسائل الاعلام وخاصة المحلية عن القيام بالدور النخبوي والتثقيفي والتغييري المستقل بل انها تروج لهذا الواقع عبر نشرات الأخبار والبرامج التي تركز على السياسة الانية والانتخابات والطائفية والأحزاب والحروب والموضوعات السطحية.
غياب مفهوم المثقف النخبوي المستقل الحقيقي عن الأذهان والواقع والسلوك سببه التربية والتعليم والمجتمع والنظام السياسي والديني والاقتصادي.فهذه الأمور تزرع في ذهن الفرد أن العلم والثقافة هما للحصول على وظيفة ومنصب وخدمة النظام السياسي والاجتماعي والديني والاقتصادي فحسب،ولا مشكلة في أن يكون تابعا”أو ذنبا” “لزعيم”أو أحزاب طائفية وايديولوجية شعبوية وانتخابية،وأن يكون متصالحا”مع معتقدات ومناسبات وعادات تتعارض مع العقل الفردي والايمان الحقيقي،وأن يكون متصالحا”أيضا”مع وسائل الديموقراطية التمثيلية كالانتخابات والتظاهرات الشعبية،و”الواسطة” للوصول الى الوظيفة والراتب والمنصب والواجهة!!! فيما المثقف الحقيقي يتسلح بعقله الفردي وفلسفته وارادته وحريته واستقلاله وكرامته للوصول الى أهدافه التي تتلخص بكلمة”السعادة”والتخلص من مصادر الألم والشقاء والازعاج.
أسامة اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى