المقالات

أيكُون الترسِيمُ البَرِّي … سِياسِيّ أم عسكرِيّ …كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف

     *لبنان هو البلد الوحيد بين البلاد العربية المُطبِّعة مع الكيان الصهيوني ، الذي يعقد إتفاقيات الترسيم الحدودي البحري ، مع التنازل قسراً ، عن حقل كاريش ومخزونه من الغاز والبترول ،  وما يجري أيضاً حالياً خلف الكواليس للترسيم البرِّي ، وإستكمال الخط الأزرق ، ليصل إلى مرتفعات مزارع كفرشوبا والغجر ، وبذلك تكون الحدود اللبنانية الجنوبية في مأمن وطمأنينة وسلام لليهود بالأرض المحتلة ، من أي هجمات ومبرِّرات للمقاومة ، التي تتمسك بالتحرير للأرض اللبنانية من الوجود الصهيوني فيها ، وعليه تبقى منطقة الحدود اللبنانية ، منزوعة السلاح وتحت إشراف اليونيفل بالتعاون مع الجيش اللبناني ، المنوط به وحده حمايتها ، ولا حجَّةً لأيٍّ كان بتشكيل قوى مسلحة ، وقواعد لها خارج إطار الدولة اللبنانية وإستراتيجيتها العسكرية ...*
       إن ما يجري تحت الطاولة ، مع الزيارات الديبلوماسية والسياسية والمبعوثين الدوليين والعرب إلى لبنان ،  تشير إلى التطبيع بلون آخر ، وبطريقة مبطنة  منه  ، بحيث يصل حكّام لبنان إلى إنهاء موضوع الحدود ، ويصل حكام الكيان إلى مبتغاهم ، بالحصول على ما يريدون بحراً وبرّاً ، لإتمام الصفقة السياسية والأمنية والإقتصادية ، وهي مكوِّنات التطبيع ، بل هي  أكثر من ذلك ، عبر إمتلاك كاريش وما حوله ، وليس التبادل التجاري فقط ، كما تجري بقية إتفاقيات التطبيع العربية الأخرى ، وبذات الوقت يكون الكيان ومستوطناته في الشمال ،  لتدخل في سلامٍ وإزدهارٍ وتطويرٍ ، جَرَّاء الإطمئنان للوضع الأمني ، بإنتهاء عمليات المقاومة ، وعدم مبرِّر وجودِها نهائياً ، وليس على الحدود فقط .... 
    *قد يتساءَل البعض عن موقف الدولة اللبنانية ومؤسساتها ، في عملية ترسيم الحدود البَرِّية ، بعدما تم أكل الضّرب في الترسيم البحري ، خاصةً بالتراجع عن خطّ /٢٩ والإرتداد إلى خطّ /٢١ البحري ، وبالتالي خسارة حقل كاريش ، والإنتفاع فقط من حقل قانا  ، الذي تبيَّن لهم فيما بعد الحفر ، بأنه لا يحوِي على الغاز ولا على البترول ، أو ما شابه ذلك من أقاويل ، قد تمنع إستخراج المخزون لأسباب سياسية أو إقتصادية ، أمام كل الطامعين والمنافسين ، دولياً وعربياً ، ويُمنع على لبنان فيها ، أن يكون من الدول النفطية ، فتتغير معها خارطة الطريق ، التي تعتمد على المتغيرات في الأرض والشعب  ، وعلى أسس تتشابه مع أهداف الكيان الصهيوني ، في قيام وطن قومي يهودي في فلسطين ، لتقوم إلى جانبه كيانات قومية طائفية ومذهبية ، تتوافق مع أهدافها في تطبيق خارطة الطريق ، ليكتمل المشهد بالتحكم والهيمنة لهم ، بالمنطقة العربية الوسطى ككل ...*
        إن أحداث غزّة وفلسطين بشكل عام ، من بعد عملية طوفان الأقصى ، قد غيَّرتِ الكثير من المفاهيم المعتمِدة دوليّاً وصهيونيّاً ، للتسويات في المنطقة العربية الوسطى ،  وقد أثَّرت كثيراً على مسيرة التطبيع والإتفاقات ، التي تجري لأجل إحلال السلام للكيان اليهودي ، والإطمئنان لقيادة مسيرة إتمام تجسيد المخطط ، المبني على الخارطة ، التي تؤدي لطريق الهيمنة ، فإنقلب السِّحر على السَّاحر ، وإنكشف المستور ، وبانت الكثير من تداولات تحت الطاولة ، وسقط القناع عن الوجوه السَّافرة ، التي ظهرت  أنيابها ، وهي تُمعن في نهش الجثث ودماء الأبرياء ، من الأطفال والنساء ، والشيوخ والعجزة في غزّة ، حيث إنعدمت لديها كل المبادئ والقيم والقواعد الإنسانية ، وهم يتاجرون بها على مدى عشرات السنين ،  بأنهم دعاة السلام والتسامح والحضارة ، لتتبين الحقائق ، بأنّهم أسياد الإرهاب والعنف ، والتدمير والتقتيل بشراهة الوحوش المفترسة ...
        *لذا كانت المواقف المعبِّرة ، والظاهرة لدى شعوب العالم أجمع ، لتقف في وجه كل الأنظمة ، التي تمشي بركب العدوان والإبادة الجماعية ، لشعب أعزل  ومنكوبٍ بالتخلي عنه من كل الأعدقاء ، الذين يُظهِرون عكس ما يُبطِنون ، ويتكلمون بالتناقض مع ما يفعلون  ، وهم مع الغانيات يتراقصون ،  ويلزمهم  الحساب بأنهم المدانون ،   فيما أبناء ونساء وأطفال غزة ينزفون ، وهم مع الأوجاع والنكبات يردِّدون :*

( السَّيف أصدق إنباءً من الكتُب .. في حدِّهِ الحدُّ بين الجِّدِّ واللّعِب) …
لقد بقيت غزَّة وأبناءؤها ومجاهدوها في وضع الجدّ ، والباقون من كل محيط الطوق لفلسطين ، وما أبعد من ذلك ، فقد بقوا في وضع اللعب المستدام ، فمنهم من يلعب بالسلاح ، بعدَّة أوجُه ، حتى يُحسبون مع المشاركين والمساندين …
ومنهم من يلعب بالشعارات والكلمات ، وبعض أشكال المساعدات ، ليقال أنهم مع القضية وأهلها …
ومنهم من يلعب بالأحاسيس والأعصاب ، ضمن الحرب النفسية ، التي يشتهر بها الكيان اليهودي ، وينساقون ضمن شروطها وتنفيذ مآربها …
ويبقى المطبِّعون الذين يلعبون بالقضية على أوتار بنود الإتفاقات والمعاهدات ، دونما أيِّ إعتبارٍ للمستجدات ، والعبرة من المتغيرات ، التي كشفت الوجوه والغايات السوداء ، في تنفيذ خارطة الطريق وصفقة القرن ، والتسويات في المنطقة على حساب بلدانهم وشعوبهم وإنتاجهم بالأرض والعرض ، ودونما أي إعتبار للإحتقان لدى الشعوب وما قد يفجِّره ذلك بوجه الأنظمة وحاكميها الذين ينطبق عليهم القول : (صُمٌ ، بُكمٌ ، عُميٌ ، فهم لا يرجعون) …
مع ظهور بوادر الهدنة الطويلة الأمد ، أو مع الإنتهاء من حرب غزّة ، بالشروط المتبادلة بين أركان الكيان ، وبين مجاهدي حماس والجهاد ، الذين نالوا ما أرادوا لأسباب صمودهم وإثبات قدراتهم ، التي أذهلت الجميع …
إن ما يظهر من تهديداتٍ ، تطلق هنا وهناك ، صهيونياً وأميركياً ودولياً ، أو إيرانياً ويمنياً وعراقياً ، أو من الأحزاب والميليشيات المشاركة معها في لبنان وسوريا والعراق ، لإتمام التسويات ، وما تبقى من خارطة الطريق ، وفي مقدمتها ترسيم الحدود اللبنانية مع الكيان …
خاصةً أنَّ قواعد الإشتباك ، التي إلتزم بها الحزب والكيان بصورة متبادلة ، طلقة بطلقة ، وضربة بضربة ، وعلى ألاَّ تتعدى العشرة كيلومترات عمقاً على الجانبين ، وهي المسافة المتفق عليها دولياً ، لتكون بإشراف اليونيفل والجيش اللبناني ، ولتكون منزوعة السلاح غير الرسمي ، والتي تندرج في تسويات خارطة الطريق ، التي بدأها الكيان مع لبنان بالترسيم البحري ، ضمن الطرق الديبلوماسية والسياسية ، ومن تحت الطاولة … ويكملها حالياً بالترسيم البرِّي ، علناً وعلى مرآى وموافقة الجميع …
إن جولات المبعوثين مع لبنان ، كانت على نارٍ حاميّةٍ قبل /٧ / أكتوبر وطوفان الأقصى ، لتأخذ دورها بالتنفيذ مجدداً ، بعد الإنتهاء من حرب غزّة ، دونما إعتبارٍ لأي تهديدٍ ، خاصةً أن ذلك جاء على أساس وقف الحرب على غزّة ، ولا مبرِّر سواه ، وأيُّ نقضٍ لما هو متفق عليه ، فإنَّ التنفيذ سيأخذ طريقه نحو الأسلوب العسكري ، الذي يأتي من أعلى إلى أسفل ، ضمن صميم المسؤولية ، المتَّبعة في العلاقات الدولية ، كما شهدناها مطولاً في مجال الإتفاقات ، على نسبة الأسلحة والمفاعل النووية ، بين الإدارة الأميركية ، والحاكمية الإيرانية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى