المقابلات

سابا زريق يطلُّ عبر «اللواء» على الواقع الراهن وتطورات الأحداث: الحرب طويلة ومحاولة توطين السوريين هو لخلق شرق أوسط جديد \ طرابلس – «اللواء»

من وطأة الحرب والنزوح وما سبقه من تدفق لأعداد كبيرة من النازحين السوريين إضافة الى الأزمة الاقتصادية التي أدّت للانهيار شبه الكامل منذ خمس سنوات، كلها مؤشرات تشي بأن لبنان أمام مفترق خطير في ظل مخططات أميركية – إسرائيلية لتغيير وجه المنطقة وإعادة تشكيلها بما يخدم مصلحة العدو الإسرائيلي.
فماذا يقول المفكر ابن مدينة طرابلس الدكتور سابا قيصر زريق عن ما يحصل اليوم وكيف يرى مسار الأمور في المستقبل؟

س: وفق التطورات والأحداث الراهنة، هل تتوقعون إستمرار الحرب القائمة وإمكانية تصعيدها نحو الأسوأ؟
ج: على ما نسمع ونقرأ، إن كافة التوقعات تشير إلى احتمال أن تكون الحرب طويلة، لأن النيّات المعلنة للصهاينة هي القضاء نهائياً على حزب الله، وهذا الأمر ليس باليسير. كما وأن انكفاء العمليات العسكرية في لبنان مرتبط إلى حد كبير بتطوّر الأوضاع في فلسطين المحتلة، حيث أن الإسرائيليين يصرّحون بأنهم لن يتوقفوا إلّا بعد استرداد رهائنهم عند حماس؛ وهذا أمر لا يمكن التنبؤ متى سيحصل. وكذلك الأمر، يتوقف استمرار الحرب على تقدّم المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول النووي. فإذا كانت نتائج هذه المفاوضات إيجابية، فهي قد تؤثر على مسار المعارك في لبنان.
س: برأيك هل الأمر يتعلّق بمسار الحكم أو وضع اليد على البلد؟
ج: أن وضع اليد على البلد ليس أمراً جديداً، وإن تغيّرت هوية واضعي هذه اليد عبر الزمن. فبدءاً من عهد الاستقلال يقع لبنان تحت وصاية ما، من قبل دولة عربية أم غربية ما. وفي أغلب الأحيان، تتنافس دول على وضع اليد هذا. فبحكم التعددية الطائفية لأبنائه كانت غالبية أتباع طائفة ما توالي البلد الذي ينتمي إلى نفس الطائفة. ولم تقصّر أية دولة وضعت يدها يوماً على لبنان في استغلال ضعف الداخل المتشرذم لتحقيق مآربها الخاصة.
س: ولكن أتعتقد أن النازحين من جنوب لبنان إلى مناطق في داخله، وكذلك من سوريا الى لبنان هو أمر طبيعي وسليم بين تمركز في مناطق جديدة أو توطين؟
ج: إن موضوع النازحين من جنوب لبنان بسبب الحرب يختلف تماماً عن موضوع النازحين من سوريا.
إن أبناء الجنوب النازحين من المناطق التي تتعرض للقصف والتدمير هم أولاً وآخراً لبنانيون، فقدوا الغالي والرخيص وأتوا ضيوفاً على مناطق لبنانية أكثر أمناً، حيث استقبلوا في مراكز إيواء عديدة لإقامة مؤقتة. لذلك، هم نزحوا خشية آلة الحرب الإسرائيلية المجرمة وهم دون شك يتطلّعون إلى العودة إلى أراضيهم وليس الاستيطان في المناطق التي استضافتهم. غير أن الأضرار الجسيمة التي أصابت عشرات القرى والمدن من جرّاء الأعمال الحربية في المناطق التي نزحوا منها تجعل عملية الإعمار عملية طويلة لا يمكن للدولة اللبنانية المفلسة أن تتحمّل تكاليفها. وهي بالتالي مضطرة لالتماس الدعم من الدول التي بإمكانها أن تدعمها، لتأمين، وإن في مرحلة أولية، مخيمات مؤقتة لإيواء النازحين في ديارهم بعد أن تتوقف الحرب، ولاحقاً لإعادة الإعمار الشاملة. ولا أعتقد أن هنالك هدفاً آخر لانتقالهم إلى تلك المناطق، أي أني لا أعتقد أنهم ينوون الإقامة فيها إقامة دائمة ونهائية. وما يحملني على هذا القول هو أن التاريخ الحديث يفيدنا بمدى تمسّك أولئك النازحين بأرضهم، في جنوبهم، التي بذلوا في سبيلها تضحيات كبيرة؛
أما موضوع النازحين السوريين فهو مختلف، لأن العدد الهائل الذي نزح إلى لبنان حتى بعد انتهاء الحرب في معظم المناطق السورية، يؤشر إلى أن السبب الرئيسي لهذا النزوح ليس بالضرورة هرباً من النظام السوري. وما يعزز اعتقادي هذا هو أن الأمم المتحدة، ممثلة بـ «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (UNHCR)، ترفض عودة هؤلاء إلى بلادهم على الرغم من إمكانية استحداث مخيمات آمنة لهم خارج الأراضي اللبنانية، علماً بأن الدعم النقدي والعيني الذي تقدمه المفوضية المذكورة يمكن أن يستمر على نفس المنوال عند انتقالهم إلى المخيمات المستحدثة. أما المؤشر الثاني هو أن أعداداً لا يستهان بها من أولئك النازحين تدخل سوريا من وقت إلى آخر وتخرج منها دون خشية الاعتقال أو التعرض إلى إجراءات أخرى.
نحن نسمع منذ وقت طويل بما يسمّى «الشرق الأوسط الجديد»، الذي يُسعى إلى تنفيذه بشكل كامل لصالح إسرائيل، وبدعم من دول غربية. إن لهذا العنوان العريض مسببات، وليس فقط تبعات لأن محاولة تحقيق الشرق الأوسط الجديد ترمي إلى الحفاظ على الكيان الإسرائيلي وحمايته وتحصينه. ويرى مراقبون أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلّا بالسماح لإسرائيل بتنفيذ خطوات توسعية ينتج عنها إعادة خلط جغرافية المنطقة مع دعم استيطان مجموعات في غير وطنها الأصلي.
لذلك، فإن تغيير الديموغرافيا اللبنانية، على النحو الذي يجري، عنيت نزوح السوريين إلى لبنان، والذي تعاظم في السنوات القليلة الماضية، قد يكون من ضمن مخطط جهنمي لتحقيق الشرق الأوسط الجديد وقد يفرض علينا توطيناً ما.
س: نتنياهو طلب من اليونيفيل الإبتعاد عن مناطق القتال فما هو السبب برأيك؟ وهل يتعلق الأمر بمحاولة إسرائيل إحتلال مناطق معيّنة من لبنان والسيطرة عليها؟
ج: من المؤكد أن هنالك شيئاً من هذا القبيل. ولكني أقول أن أحداً لم ينسَ مجزرة قانا عام 2006، وكيف أن العدو الصهيوني ضرب منشآت القوى المتعددة الجنسيات (اليونيفيل) التي كان لجأ إليها مواطنون عزَّل، مما أدّى إلى استشهاد العشرات. وكذلك الأمر، تسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان مؤخراً بقتل وجرح جنود من اليونيفيل. إن إسرائيل تعتبر اليونيفيل، الرابضة قواها على الحدود مع لبنان، والمنتدبة أساساً من قبل الأمم المتحدة، خصماً، كما تدلّ عليه ردّة فعل إسرائيل على مواقف الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، المتعاطف مع فلسطين، الذي اعتبرته خصماً لها. فمع هذه الخلفية، من المشروع طرح عدة سيناريوهات لمحاولة إسرائيل إبعاد اليونيفيل عن الحدود مع لبنان، أبرزها إبعاد شهود عيّان تنقل أخبار خروقاتهم المتكررة، فتفضحهم أمام الأمم المتحدة والرأي العام العالمي. وقد يكون السبب الآخر للمطالبة بإبعاد عناصر اليونيفيل، اصطناع ذرائع للإفساح في المجال الجغرافي لاحتلال يمهّد لبناء مستوطنات، وهي السياسة التي دأبت إسرائيل على اتباعها.
س: الغارات على لبنان لم تنقطع على العاصمة؟ ولكن تزايد عددها في الفترة الأخيرة وخاصة في مناطق الجنوب والناقورة والبقاع وحتى في جونيه وشمال لبنان؟ ما تفسيركم؟
ج: إن العدو يستهدف أولاً بأول عناصر ومنشآت لحزب الله، وهذا ما تدلّ عليه هويات الأشخاص المذهبية ومواقع المنشآت التي استهدفتها إسرائيل في لبنان. وكذلك الأمر، اغتالت إسرائيل مؤخراً مسؤولاً في حزب الله بمُسَيّرة في جونيه، كما كانت قد هدّمت قبل ذلك بناية في قرية أيطو، في شمال لبنان، استشهد بنتيجتها أكثر من 20 مواطنا. لذلك، أخشى أن يكون نتنياهو بصدد تنفيذ ما «وعدنا» به يوماً، أي إعادته لبنان بأكمله إلى العصور الوسطى باستهدافه البلد من شماله إلى جنوبه.
س: أميركا تحثُّ رعاياها على مغادرة لبنان؛ ما تفسيركم لهذا القرار وأسبابه؟
ج: بالتأكيد، إن أميركا، المطّلعة على نيّات إسرائيل ومشاريعها الخبيثة، عندما تحثّ رعاياها على مغادرة لبنان، إنما تقوم بواجب حماية رعاياها ومحاولة إبعادهم عن مناطق الخطر. وهي ليست الدولة الوحيدة التي حثّت رعاياها على مغادرة لبنان. فعلى سبيل المثال، لم تكتفِ تركيا بالطلب من رعاياها مغادرة لبنان، بل أرسلت باخرتين لنقلهم إليها. وكذلك الأمر، فإن دولاً عديدة نصحت رعاياها بعدم السفر إلى لبنان وأخرى منعتهم من ذلك. ولكن هل يعني كل هذا أن الآتي أعظم؟ لا أعرف؟ ولكن آمل أن تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت ممكن.
س: برأيكم هل أن إنتخاب رئيس جديد للبنان سيتم في مرحلة قريبة، وما رأيكم بمحاولات تأجيله بإستمرار؟
ج: إن الأسباب المعلنة التي حالت دون انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري لم تزل قائمة، وذلك لتمسّك كل من الفرقاء المؤثرين بموقعه، دون أن يحيد عنه قيد أنملة. فلذلك، يستمر التأخير (ربما المقصود) في إنتخاب رئيس جديد للبنان ونتذكر أن الرئيس ميشال سليمان لم ينتخب إلّا بعد انقضاء سنتين ونصف على حصول الفراغ الرئاسي آنذاك. والسبب الذي يكرر نفسه هو أن الموارنة غير متحدين، بل مشرذمين، ومتخاصمين حتى لو كانوا في مخيم سياسي واحد. وأظن أنهم لو يجمعون على ترشيح شخص أو أكثر لرئاسة الجمهورية لسهّلوا كثيراً عملية انتخابه.
س: كلنا يذكر أن الرئيس عون عندما إنتهت ولايته قام صهره النائب جبران باسيل بالدعوة إلى تمديد ولاية عمه مدة سنتين، هل يستقيم ذلك مع الوضع الذي تشير إليه؟
ج: على الرغم من الدعوة التي تشيرون إليها في سؤالكم، فإن الرئيس عون كان قد سبق أن رفض مبدأ التمديد برمّته وهو القائل أنه لن يمكث يوما واحدا في القصر الجمهوري بعد نهاية ولايته. أما اقتراح التمديد الذي تشيرون إليه فهو بنظري غير مُجدٍ، فالكل يتصرف كما لو أن ليس للبنان دستور؛ إذ درجت العادة أن يصار إلى تمديد مهل دستورية لمجاراة ظروف محددة، على حد ادّعاء المسؤولين. إن أي تمديد لمهلة دستورية هو، مع استثناءات قليلة جداً ولظروف طارئة جداً، أمر بغيض، إذ من شأن التمديد غير المبرر، أن يحوّل المستمرين في إشغال أي منصب سياسي إلى محتلين، بكل ما للكلمة من معنى.
س: يلاحظ من خلال متابعة أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية كثافة عدد من يتم التداول بأسمائهم، هل هذا دليل صحة؟
ج: بالطبع ليس هذا دليل صحة، بل ربما دليل تعافي من مرض عمره أكثر من سنتين. إذ، كما ذكرت سابقاً، تملّكت لوثة الفراغ في المنصب الأول في الدولة من إرادة تطبيق ديمقراطية حقيقية في البلد. وكما تعلمون، إن المرشحين المتداولة أسماؤهم على نوعين: منهم من تداولت اسماؤهم لمجرد حرقهم وإزاحتهم عن السباق الرئاسي؛ ومنهم من هم مرشحون جدّيون. لا شك أن تعدّد المرشحين يخدم الديمقراطية ويتيح للنواب مروحة من الكفاءات يختار كل منهم من منها يتناسب مع تطلعاته ونهجه. غير أن انقسام أولئك النواب على مخيمين أساسيين، وعدم تمكّن ما سُمّي بالنواب «التغييريين» من قلب المعادلة القائمة في البلد، يعطّل نوعاً ما العملية الانتخابية. ناهيكم عن أن انعقاد جلسات المجلس النيابي لانتخاب الرئيس تتعطّل لأسباب شتى، منها الاختلاف على نسبة النصاب في الدورة الثانية أو قيام البعض بتعطيل اكتمال النصاب وعدم دعوة المجلس للانعقاد ورغبة رئيس المجلس في دعوة النواب فقط عند تبلور صورة من سوف يقومون بانتخابه.
ومن نافل القول أن الأحداث المتسارعة التي أجّجتها الحرب التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان تفرض الترفّع عن كافة الخلافات السياسية والإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية ليقوم فوراً بإجراء الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس للوزراء، يعمل على تأليف حكومة فاعلة تعيد الحياة في كافة دوائر الدولة المشلولة منذ زمن بعيد، رأفة بالوطن والمواطن.
س: من المخططات المشبوهة هناك تدمير ممنهج للأراضي الزراعية والبساتين وضرب كافة أنواع الحياة وموارد الغذاء، فما هو تفسيركم؟
ج: إن أول ما يتبادر إلى ذهني هو أن إسرائيل، وإن عمدت إلى تدمير ممنهج للأراضي الزراعية بغرض إهلاك المحاصيل وموارد الغذاء، إنما هي تعتمد سياسة الأرض المحروقة، أكانت أرض زراعية أو مشيد عليها مبانٍ أو مستشفيات أو دور عجزة أو مدارس أو أماكن عبادة، إلخ… ولا استغرب أن تكون إسرائيل تنوي إقامة مستوطنات على هذه الأراضي، كما حصل في مناطق عديدة في فلسطين المحتلة، وهي تحاول التوغل بحجة إقامة منطقة عازلة تقيهما نيران المقاومة.
س: إذا كانت مواقف مستنكري الاعتداءات على لبنان مدرجة في تصاريح وبيانات مكتوبة فلماذا تبقى حبرا على ورق؟
ج: إن الإحراج الكبير يكمن في عدم تمكّن المجتمع العربي من ترجمة مواقفه المعلنة، والمقتصرة على إبداء استنكار ما يجري في فلسطين ولبنان وتقديم الدعم العيني والمادي لهما. إن هذا الإحراج ينبغي أن يصيب أولاً بأول جامعة الدول العربية قبل أن نطلب من المجتمع الدولي التحسس به. وأكرر أن الدول لا تهتم إلّا بمصالحها الخاصة؛ فلذلك، لا تقدم على أي دعم عملي لما تدلي به. ولكن هذا لا يعني عدم وجوب قيام أولياء أمرنا في لبنان بواجباتهم تجاه وطنهم ومواطنيهم والعودة إلى رشدهم في هذه الفترة العصيبة، فيتعاضدون ويتكاتفون وينسون خلافاتهم الماضية في سبيل خلاص الوطن.
س: برأيك لبنان أمام أزمة دولة أم أزمة نظام؟
ج: ليس هناك من دولة بإمكانها أن تستقيم إذا لم يكن دستورها واضحاً وقضاؤها نزيهاً ونظامها ثابتاً. فالكل يناشد بوجوب استكمال تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني التي أبرمت في الطائف. إن غالبية الشعب اللبناني لا تدري ماذا جرى من مداولات في مدينة الطائف عام 1990. فهو ما زال ينتظر الإجابة عن طلب الإفراج عن محاضر الاجتماعات التي جرت هناك، لكي تتبيّن له الأسس التي جرى الاتفاق عليها. قد ترْشَح عن تلك المداولات الإرادة التي أجمع عليها نوابنا وما إذا كانوا رغبوا آنذاك في تغيير النظام اللبناني، أم رموا إلى المحافظة عليه مع إجراء تعديلات بسيطة. أنا لا أستطيع الإجابة بدقة عن ذلك. ولكني أعرف بأن جلّ ما أدّى إليه ذلك الاتفاق هو إيقاف العمليات العسكرية والحرب الأهلية في لبنان. ويبقى السؤال الأبرز: ما هو سبب عدم استكمال تنفيذ بنود الطائف الأخرى؟ فعلى سبيل المثال وليس الحصر، ما زلنا إلى اليوم نطالب بالمركزية الإدارية، ونتساءل عما إذا كانت المناصفة في التمثيل النيابي عادلة، أم غير عادلة على ضوء التغيير الديموغرافي الكبير الذي شهده لبنان على مدى الـ 34 سنة الماضية؛ ولماذا، يا ترى، لم ينتخب مجلس الشيوخ؟ هل ذكر في اجتماعات الطائف أن رئاسة هذا المجلس تعود لطائفة معينة هي طائفة الموحدين الدروز، وأدرج ذلك في محاضر جلساتها؟ فإذا كان هذا الأمر صحيحاً، لماذا طالبت طائفة أخرى منذ سنوات بأحقيتها في تولي أحد أعضائها رئاسة هذا المجلس، بحجة أن عدد أبنائها أكبر من عدد ابناء الطائفة الموعودة بذلك المركز؟ لذلك، إن إعادة النظر في وثيقة الوفاق الوطني ليست تجديفاً كما يقال، بل ضرورة لتعديله على نحو يسمح بتطبيقه. فإن توصل المعنيون إلى اتفاق حول تعديل تلك الوثيقة، وإن ترتب على ذلك تعديل توزيع المناصب كافة بين الطوائف، لا يكون ذلك تعديلاً في النظام إن هو بقي نظاماً جمهورياً برلمانياً.
وينبغي بمناسبة تعديل بضعة أحكام في الدستور أن يصار كذلك الى تعديل مواداً فيه غامضة وقابلة لتفسيرات عديدة يطلقها كل حسب تمركزه السياسي. وعلى سبيل المثال، إن إضافة مهل معينة تحول دون الخلافات التي تجري حول تفسير بعض البنود الدستورية، أو حتى تضع ضوابط ضرورية لأركان السلطة. مثلاً، نحن نعيش في ظل أزمات دستورية جسيمة بسبب عدم نص الدستور على مهل تتعلق بالمدة المفروض على رئيس الوزراء المكلف أن يلتزمها لتشكيل حكومته، تمهيداً لمنحها الثقة من قبل المجلس النيابي. ولم ننسَ حتماً التجاذبات العقيمة التي كنا لنتفاداها لو أن الدستور نص على أن الاستشارات الملزمة هي ملزمة «بنتائجها». ونص الدستور الحالي يشكو كذلك من ثغرات كثيرة أخرى ينبغي الالتفاف إليها وتوضيحها.
وأخلص إلى القول انه ينبغي ألا نتلهّى بالتفرقة بين طبيعة الأزمات التي تعصف بنا من حين لآخر، ونحاول عزو سبب ذلك إلى نظام غير ملائم. نظامنا جيد جداً، ويا ليتني أتمكن من قول نفس الشيء عن دولتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى