خبايا القصص القرآنية قصة نوح عليه السلام✍️د.غنى أحمد عيواظة

قال تعالى:
{ لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم* قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين* قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين* أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون* أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين} ( الأعراف : 59 – 64 ) .

بعث الله تعالى نوحا عليه السلام لما عبدت الأصنام والطواغيت ، وانغمس الناس في الضلالة والكفر فأرسله الله رحمة للعباد، فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض.
وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.

كان في قوم نوح عليه السلام رجال صالحون هم ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، ولما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم يعبدوهم إلا بعد أن نسخ العلم، وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، فكان نوح يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهى عن عبادة ما سواه.
وقد تعدد أساليب نوح عليه السلام في دعوة قومه سرا وعلانية، ولم يزدهم ذلك، لعمى في قلوبهم، وصمم في آذانهم إلا استكبارا، كما في قوله تعالى:{قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا* وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا* يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا* ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا }، فكان جوابهم أنه في ضلال واضح، فرد عليهم بأسلوبهم أنه رسول من رب العالمين، فتعجبوا أن يكون بشرا رسولا ، وتنقصوا بمن اتبعه ، ورأوهم أراذلهم.
فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وما آمن به إلا القليل منهم، فنادى نوح ربه أن ينجيه من الكرب العظيم وضلالة قومه، وأن لا يترك على الأرض كافرا، فاستجاب الله سبحانه له.
وقيل لما استجاب الله له، أمره أن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة فغرسه ، وانتظره مائة سنة ، ثم نجره في مائة أخرى . وقيل : في أربعين سنة، فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره ، وحل بأسه أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما فيه روح من المأكولات ، وغيرها لبقاء نسلها ، وأن يحمل معه أهله أي : أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم، أي إلا من كان كافرا فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد.
فركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، وأمر الله تعالى فأرسل من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله ، ولا تمطره بعده كان كأفواه القرب ، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها.
ولما أغرقت الأرض الظالمين عليها بمن فيهم ابن نوح عليه السلام وزوجه، قال الله سبحانه يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين .
ثم قال تعالى : قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم .

من خبايا القصة القرآنية:
١- عبادة الله سبحانه هي الدعوة الأسمى لكل البشرية، وقد أتى الخطاب بالتلطف لتحبيب من دعوا بذلك.
٢- دليل الدعوة: الخوف على القوم من عذاب اليم، وأن الرسول لا يسألهم أجرا.
٣- إذا انعدمت الدلائل اتهم القوم نبيهم بأنه على ضلال وعموا وصموا آذانهم عن الحق.
٤- رد الأنبياء يكون بنفس أسلوبهم ليس بي ضلالة، بل أنتم تجهلون على أنفسكم.
٥- تنوع أساليب الدعوة مهمة.
٦- صبر لقرون، وأتباع قلائل للحق، فاستحقوا دعوة نوح عليه السلام بأن لا يترك كافرا على الأرض.
٧- الأخذ بالأسباب مطلوب حتى عند العقوبة فجاء الأمر ببناء سفينة، كذا في أخذ اثنين من كل زوج لبقاء النسل، مع أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
٨- كلما طالت مدة الكفر كان الأخذ أليما.
٩- لن يترك الله من آمن لعذاب، هو امتحان ثم جزاء ورفعة.
١٠- أد الدعوة واترك أمر الهداية لله سبحانه، فهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
١١- الأرض والسماوات جنود لله إذا ما أمرهم أطاعوه، فكانوا خيرا من البشر الكافرين.
١٢- في لحظة السلام يعود كل شيء كما كان فلا تبتئس.
١٣ -الإقلاع ببسم الله، والهبوط باسمه، فلك الأمن والأمان.
١٤- من لا يطع يعاقب.