المقابلات

مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية.. عطاء فريد مستمر لا يريد جزاءً ولا شكورا \ طرابلس – اللواء

يسهب رئيس مؤسسة الفيحاء سابا زريق في حديث الى «اللواء» عن الثقافة والمؤسسة ليطلّ بعدها على شؤون وشجون طرابلس التي تفتقر الى الاهتمام الرسمي بها، ويتطرق الى موضوع الانتخابات حيث يبدو غير متحمّس لخوض الانتخابات النيابية في ظل قانون هجين ويضع ملاحظاته في الحوار التالي على هذا القانون والتعديلات المطلوبة.
{ كرئيس لمؤسسة ثقافية رائدة في لبنان متنوّعة العطاءات، هل يمكن تعريف القارئ بإيجاز على نشاطاتها؟ وكيف تقيمون الوضع الثقافي الراهن في الشمال؟

  • نالت المؤسسة العلم والخبر من وزارة الداخلية والبلديات بتاريخ 7 حزيران 2013، ومنذ ذلك الحين، هي منهمكة في تنفيذ أهدافها الممكن اختصارها بالآتي: تشجيع الكتّاب باللغة العربية على نشر نتاجهم وتنظيم الندوات الأدبية والثقافية ودعم مكتبات مدرسية وجامعية وبلدية قائمة واستحداث مكتبات جديدة وتنظيم مباريات أدبية، إلى ما هنالك من وسائل لتعزيز اللغة العربية. وقد وفّقنا لله في سعينا هذا، حيث وزعنا لغاية تاريخه عشرات الآلاف من الكتب واستحدثنا عدداً من المكتبات ونظّمنا مباريات بالتعاون مع ثانويات وجامعات وهيئات ثقافية وغيرها؛ كما وأسّسنا مكتبة عامة في حرم المؤسسة في طرابلس تضم عيون العناوين من النتاج الأدبي العربي، شعراً ونثراً ورواية وبلاغة ونحو وصرف. وكذلك الأمر تدعم المؤسسة طباعة الكتب باللغة العربية مع ترك كافة حقوق الملكية الفكرية للمؤلفين. وقد قارب عدد الكتب الصادرة عن منشورات المؤسسة لغاية تاريخه الـ 130 كتاباً.
    أما ما يتعلق بالوضع الثقافي في طرابلس، فهو جيد، لا بل جيد جداً، إذ استمرت المناسبات الثقافية على وتيرتها العالية على الرغم من كل ما جرى من أحداث كانت لتشلّها لولا تصميم كافة الهيئات الثقافية التي لم تتوقف عن تنظيم نشاطاتها ليبقى وهج شعلة الثقافة مشعّاً.
    { كيف تفسّرون قول رئيس الحكومة الحالي نواف سلام أن المرحلة القادمة ستشهد تطوّراً مهماً على صعيد أعمال الحكومة؟ وبرأيكم هل سيكون لطرابلس نصيبها من هذا التطوّر؟
  • إن ما عناه دولة الرئيس بنظري هو أن المؤسسات الرسمية الحكومية وكذلك الحكومة مجتمعة سوف تلحظ قيامة مشهودة لتستعيد دورها الحيوي في تسيير شؤون المواطنين المظلومين جداً من الجمود القاتل الذي نعيشه منذ فترة طويلة؛ وهو الذي تسبب وما زال يتسبب بضرر أكيد طال غالبية الشعب اللبناني.
    أما ما قد يصيب طرابلس من مثل هذا التطور، فينبغي مقاربته من باب مساواتها مع المناطق اللبنانية الأخرى من حيث مستواها الإنمائي؛ مع العلم أن من كان منها أفضل وضعاً في السابق تأثر كذلك من السنوات العجاف.
    إن المشكلة المزمنة هي نظرة أصحاب القرار إلى «الإنماء المتوازن»، الذي نص عليه اتفاق الطائف، وتفسيرهم له. إن التفسير الضيق الرامي إلى تطوير المناطق بنفس الدرجة، كما لو أنها كلها على مستوى واحد من الحرمان، لا يشفي غليلاً، بل يؤثر سلباً على المناطق التي كانت وما زالت محرومة. فعلى سبيل المثال، كان هنالك تفاوت كبير في معدل المستويين الإجتماعي والإنمائي بين محافظتي بيروت وجبل لبنان المحظوظتين ومحافظة الشمال المحرومة، وبخاصة طرابلس وعكار. إن الإنماء المتوازن يقضي أولاً بتصحيح الخلل الحالي في التوازن برفع مستوى الشمال الإنمائي، لكي يصار بعدئذ إلى التطوير إنطلاقاً من مستويين متشابهين، وإلا تنتفي المساواة وهي الركن الأساسي في الإنماء المتوازن. وبالطبع، هذا لا يعني تجاهل خصوصيات مناطق يكون تمييزها في بعض الأمور مشروعاً وذلك نظراً لحجمها ودورها.
    وقد أصبح من المملّ حقاً أن تطالب طرابلس، دون جدوى، بالإهتمام بمرافقها الفريدة، أذكر منها كما تعلمون، وعلى سبيل المثال ليس إلّا، مرفأها ومعرضها، وعلى بضعة كيلومترات منها شمالاً، مطار الشهيد رنيه معوض في القليعات، ومصفات النفط. فمن شأن تطوير هذه المرافق أن يقلب البؤس في شمال لبنان رأساً على عقب. وكوني طرابلسياً، فأني أعتبر أنه في حال عدم قيام الحكومة الحالية بأقل واجباتها تجاه مدينتي، تكون قد فشلت مهما كانت انجازاتها الأخرى.
    { هل تأملون أن تغطي برامج الحكومة مسألة المشاركة الطرابلسية الخجولة في الحكومة؟
  • لا أرى ترابطاً بين هذين الموضوعين. بمعنى أنه ليس بالضرورة أن تكون طرابلس ممثلة بوزير أو أكثر في الحكومة لكي تحظى باهتمام أكبر من قبل الحكومة. والدليل على ذلك أنها، منذ فترة ليست بطويلة جداً، كان لديها عدة وزراء طرابلسيين، لا أظن أنهم رفعوا الغبن عنها. لذلك، يجب ألا نتكل على الإطلاق على تمثيل طرابلس في الحكومة لكي تنال حقوقها المهضومة. على كل، نأمل من الحكومة الحالية ومن أركانها أن يعيروا طرابلس اهتماماً إنمائياً يعوضونها فيه عمّا أصابها من غبن.
    { برأيكم هل التحرك الشمالي كما هو اليوم كافٍ لملاحقة قضايا طرابلس ومطالبها؟
  • لسوء الحظ، لا أرى سوى مبادرات فردية خجولة، نيابية وأخرى، تلاحق مطالب طرابلس، دون أي زخم يُذكر، وحتماً دون أية نتيجة تُذكر. وفي نهاية المطاف، على السلطة التنفيذية أن تقوم هي بواجبها، مع عدم الإذعان لأي ضغط خارجي أو داخلي لتفضيل منطقة على أخرى. والعبرة ليست في مضمون بيان وزاري جيد، يبعث الأمل في نفوس المواطنين، بل في تنفيذ بنوده. ولمن يقول أن ولاية الحكومة الراهنة هي قصيرة نسبياً، تبريراً ربما لعدم وجوب محاسبتها يوماً ما على تقاعس من هنا أو فشل من هناك، أرد أن هذه المدة هي حتماً كافية لأن المطلوب بإلحاح ليس اجتراح معجزات، بل أقلّه إرساء قواعد صلبة ودستورية، وخارطة طريق واقعية وواضحة لكي تأتي الحكومة التي سوف تلي الإنتخابات النيابية في سنة 2026، وتباشر فوراً، أو تستمر بما يكون قد بوشر العمل فيه. وبالطبع، لا أعني هنا استكمال المشاريع الضخمة الإعمارية والإنمائية والتي ربما تحتاج إلى وقت أكثر نسبياً. ولكن هنالك العشرات من احتياجات المواطنين التي تُلَبى بمجرد تفعيل العمل في الوزارات الحياتية والخدماتية المختلفة، على يد مسؤولين أخلاقيين مترفعين وأكفّاء.
    { هل تأملون في استتباب الأوضاع واكتمال أجهزة الحكم وأن تكون هناك حركة نوعية في تعزيز دور لبنان؟
  • لا شك أن استتباب الأمور يحمل على استقرار ويشجع المستثمرين على إنشاء مشاريع في لبنان. وكل ذلك يتطلب، كما ذكرت، تفعيلاً كاملاً لكافة الوزارات المعنية. وينبغي إعطاء المستثمرين اللبنانيين والأجانب تحفيزات سخيّة لاستقطابهم، لما للاستثمارات من فوائد للدولة وللمواطنين على حد سواء، إذ من شأنها أن تستحدث فرص عمل كثيرة لا تساعد فقط على إبقاء المتخرجين من الجامعات في وطنهم، بل تشجّع من اغترب منهم على العودة إلى وطنه وأهله والاشتراك بورش إعادة اعمار البلد على كافة الصعد.
    { هل هناك تواصل وتلاقٍ وجمع بين الثقافة والسياسة؟
  • إن للثقافة أدوارا وأوجها، وإحداها هي توعية المواطنين على حقوقهم وواجباتهم. ومن هذه الزاوية، هنالك تلاقٍ أكيد بينها وبين السياسة. كما تعلمون، إن أهم الثورات في العالم قام بها متثقفون كبار، شحذوا علمهم وجهودهم في هذا السبيل. ولسوء الحظ في بلاد الأرز، تلعب الثقافة أدواراً نظرية، وتبقى في إطار محدود لا يؤثر كثيراً على السياسة، وكل ذلك يرجع إلى التركيبة السياسية والطائفية في الدولة العميقة التي لا تفقه للثقافة معنى.
    { في الإنتخابات النيابية الأخيرة سنة 2022، كان لكم تحرك انتخابي ولكن ذلك لم يكتمل، ماذا عن الإنتخابات القادمة؟ فالدكتور الحقوقي والأديب والمنغمس بالثقافة حتى أذنيه وبالعمل الوطني الدؤوب ألا يرى أن دوره الحالي يجب أن يستكمله بمتابعة الشأن السياسي العام، وفي الإنتخابات النيابية تحديدا؟ أم أن الأمور مرهونة بأوقاتها؟
  • أودّ أن أصحح سؤالكم، إذ لم يكن لي شخصياً في سنة 2022 تحرك سياسي بالمعنى المألوف والمتداول، فأنا لم أقم بمبادرة شخصية لهذا الهدف؛ ولم أتحرك على الأرض على الإطلاق، إذ أن الأمر اقتصر على تداول إسمي في بعض الأوساط وعلى تشجيع نافذين وأصدقاء يودون أن يروني ممثلاً لطرابلس في المجلس النيابي. غير أني عزفت عن الترشح لأسباب مبدئية. وكذلك لأني، كما صرحت مراراً، أرى أن قانون الانتخاب الساري وقتئذ، وما زال على حاله حتى هذه الساعة، هو قانون هجين، صمم على مقاسات مرشحين معينين، بصوت تفضيلي واحد، هو صوت طائفي ومذهبي بامتياز. كما أنهم أطلقوا على القانون جزافاً صفة النسبية، فتألفت لوائح غريبة عجيبة كل من ينضوي إليها هو حكماً منافس لزميل له فيها. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، رأينا كيف أنه في بعض اللوائح، انفرط عقد المتحالفين بمجرد صدور نتائج الانتخابات: فعلى ضوء ما سبق، أؤكد أني لست متحمّساً للخوض في معركة إنتخابية سنة 2026، وحتماً ليس في ظل قانون الإنتخاب الحالي، المفروض تعديله جذرياً إن لم أقل برمّته. فمن يريد أن يخدم وطنه ومواطنيه يقوم بذلك من أي موقع وجد فيه وليس بالضرورة من موقع رسمي، مثل المجلس النيابي أو الحكومة.
    { ولكن هنالك معلومات عن نيّة النواب تعديل قانون الانتخاب الحالي، فما رأيك في ذلك؟
  • يتم تداول في الإعلام موضوع تعديل هذا القانون الجائر، بإضافة صوت تفضيلي واحد أو صوتين تفضيليين ليصبح عدد الأصوات التفضيلية اثنان أو ثلاثة، بالإضافة إلى تعديلات أخرى وصفت بالوجيزة. غير أني لم أسمع بأية تعديلات تمسّ بجوهر القانون أو تصحح من الشوائب العديدة التي تعتريه. أما الأسباب الموجبة لهذا للتعديل المقترح، كما ورد على لسان بعض السياسيين، هي أن من شأنه «تخفيف حدّة التصويت الطائفي» و»تعزيز التعددية السياسية» وأن تعديلاً من هذا النوع يفضي إلى منح الناخب «حرية التصويت لمرشح من طائفته»، بالإضافة إلى مرشح أو مرشحين آخرين من طوائف ومذاهب مختلفة، تعزيزاً لـ «التنوّع السياسي» و«توسيع خيارات الناخبين». إن هذه الأسباب واهية وغير مقنعة على الإطلاق؛ وهي لا تعدو كونها ذراً للرماد في العيون. أما من جهة التعديل من أجل التعددية السياسية والتنوّع السياسي، فلا أرى على الإطلاق كيف يؤدي التعديل المقترح إلى هذه النتيجة. من المفروض عند تشكيل لوائح، أقله في الدول التي تعتمد نظام الانتخاب النسبي الحقيقي، أن ينتمي كافة المرشحين على لائحة إنتخابية معينة الى حركة أو تيار أو حزب يتشاركون مبادئه وأهدافه. وهذا ما لا يحصل في جلّ اللوائح الانتخابية. وباختصار، لا يجوز أن تعتبر لائحة من هذا النوع أنها تتضمن أكثر من لون سياسي واحد. فأين التعددية السياسية إذاً التي تبرر التعديل بمجرد إضافة صوت تفضيلي أو أكثر؟
    المجال في هذه المقابلة ليس متاحاً للإسهاب في سرد العيوب الكثيرة الأخرى التي تشوب قانون الإنتخاب الحالي، وسوف أكتفي بما ذكرت. وأضيف أن أمرين أساسيين ينبغي أن تقوم الحكومة الحالية بهما:
  • الأمر الأول، الدفع باتجاه قيام المجلس النيابي بإقرار قانون واضح وعملي للأحزاب يحلّ محل القانون الساري حالياً علماً بأن هذا الأخير هو قانون عثماني صدر عام 1909، تخضع له الجمعيات السياسية كما الجمعيات غير السياسية.
  • الأمر الثاني، المبادرة بسرعة إلى تعديل قانون الإنتخاب الحالي، تعدّه على أساس تتفادى سيئات القوانين السابقة يكون فرصة لقيامة دولة عصرية يتنعم فيها كافة المواطنين بالأمان والمساواة؛ وصرف النظر كلياً عن الصوت التفضيلي، أكان صوتاً واحداً أم أكثر، واعتماد القضاء كدائرة إنتخابية والنظام الأكثري، مع المحافظة، أقله في الوقت الحاضر، على توزيع المقاعد بين الطوائف والمذاهب على النحو المعمول به حالياً.
    والأهم، أن يكون الفائز في الإنتخابات النيابية ممثلاً فعلياً لدائرته. لذلك من المفروض، لكي تتحقق الصفة التمثيلية لنائب معين، أن تكون الدوائر الإنتخابية غير واسعة، أو موسّعة لأهداف أضحت معروفة. ففي الدوائر الصغيرة، يعرف الناخبون خير أو شر كل مرشح؛ ومن المرشحين من قد يكون على تماس دائم معهم. فلنترك لهم القرار بأن يختاروا من يرون فيه الكفاءة التمثيلية لهم.
    أما بخصوص تشكيل اللوائح، فيجب أن تطلق حرية الناخب في هذا السياق إلى أبعد الحدود وعدم فرض لائحة جاهزة عليه، بأسماء في لائحة قد لا يريد أن يصوّت لها برمتها بمجرد تصويته لأحد أفرادها.
    فأنا أفضل أن أشكّل بنفسي لائحة تضم من أرى فيهم من يمثلني افضل تمثيل، حتى ولو كان اعضاؤها من اهواء سياسية مختلفة، وحتى متخاصمة.
    { ما هي بنظرك الصفات التي يجب أن يتمتع بها المرشح للإنتخابات النيابية؟
  • الصفات التي يجب أن يتمتع بها أي مرشح للإنتخابات النيابية، ودون التطرّق إلى البديهيات التي غفلت عنها قوانين الانتخاب المتتالية، التي كانت تنص مثلاً على وجوب أن يكون المرشح «متعلماً»، مع العلم أن هذا الشرط المبهم جداً لم يعد حتى موجوداً في القانون الساري حالياً. أولا يجدر أن يكون أحد شروط الترشح حيازة المرشح إجازة جامعية؟ ولا بد كذلك من إثارة مسألة آخرى لم أفهمهما يوماً، وهي جواز أن يترشح شخص في أي دائرة إنتخابية يختارها، أو تختار له، وإن كان لا يحق له التصويت فيها؟ دون أن يشترط عليه مثلاً أن يكون قد أقام فيها لفترة زمنية دنيا (عشر سنوات أو خمسة عشرة سنة)، تتيح للناخبين فيها أن يتعرفواعلى حسناته وسيئاته ليقرروا ما إذا كان ينال ثقتهم لتمثيلهم في البرلمان.
    { وأخيرا ما هي كلمتك التي تودّ أن توجهها إلى الهيئات الثقافية وإلى الرأي العام المحلي؟
  • أشدّ على يد كافة الناشطين في الحقل الثقافي في طرابلس، الآن وقد انصرمت مدة خمسة عشر عاماً على إنخراطي في جوّهم العابق بالأدب والفن؛ وأناشدهم الاستمرار في عطاءاتهم السخيّة لمدينتنا ولشمالنا الحبيب. وبدوري أتعهد بأن تواصل مؤسستي عملها في رفع شأن لغتنا العربية، دون أن أرتجي من ذلك جزاءً ولا شكورا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى