الأخبار اللبنانية
الربيع العربي حلم يستحق المغامرة


أظن أن أول فكرة تخطر ببالي حين أفكّر بالربيع العربي هو أنّه الفرصة الأولى التي تضعني أمام ثورة حقيقيّة على كلّ المفاهيم المرتبكة التي تربيت عليها، والتي تشبه إلى حدّ بعيد، مع اختلاف في بعض التفاصيل، تلك الثقافة التي تربى عليها الشباب العربي.
لقد تراكم في ذات هذا الجيل كمّ هائل من المفارقات بين ما يختزنه موروثه الثقافي والإجتماعي من أفكار ومواقف ومفاهيم معلّبة عن كلّ شيء تقريباً، وبين ما يطرحه الواقع من حقائق عن ذات الأشياء، لذا فالربيع العربيّ، أو الثورة التي يريدها هذا الجيل هي ثورة قرّر من خلالها أن يواجه كلّ هذه المفارقات، وأن يتخلّص من هذا الحمل الزائد على كتفيه ليتفرّغ لفكرة واحدة فقط، أنّه إنسان ينتمي لهذه المرحلة من التاريخ، إنسان يريد أن يكون موجوداً في دائرة الفعل الإنساني، وقادراً على المشاركة في صياغة هذه اللحظة الحضارية، هذا ليس كلاماً من قبيل الأحلام الرومانسية، أو التعويل الزائد على هذه الثورة، فالإشارات التي ترسل بها الجموع الثائرة في العالم العربي هي إشارات واضحة وذات معنى ودلالة، يزيد في وضوحها ما تمثله على النقيض منها الطغم الفاسدة التي حكمت رقابها على مدى وجودها تقريباً، إذ أنّ عمر الأنظمة التي تمثّلها في المتوسط أكبر متوسط أعمار غالبيتهم.
ففي مقابل الموت والوحشية والقمع والتمترس خلف جملة من الأكاذيب التي أنتهت مدّة صلاحيتها منذ عقود يكتب الشباب في ميادين التحرير في كل شوارع العالم العربي قصص حياة تحولت إلى نموذج عالمي، وخطاباً حضارياً يتحدّث عن المواطنة والحرية وتكافؤ الفرص، والسلميّة التي جاهد القمع في جرّها إلى ساحة المواجهة بالدم، وإصراراً على توثيق الحقيقة لا مجرّد قولها عبر كلّ الوسائل المتاحة.
الغريب في الأمر أنّ الكثير من الأصوات تعلو هنا وهناك في محاولة مستميتة للدفاع عن هذه الحالة من الجمود الحضاري التي جرتنا إليها هذه الطغم بمبرّرات لا معنى لها، مبرّرات على غرار التحذير من التدخّل الخارجي، والمؤامرات التي تحيكها ضدّنا دول ومنظّمات وحتى كائنات فضائية في بعض الحالات، أو حجج الممانعة المائعة وتبنّي فكر المقاومة، أو القصص الرديئة عن الاستقرار والتخويف من النزاعات الطائفية والعرقية، أو في بعض الأحوال الفكرة الغبية عن عدم جدوى محاولة إصلاح أوضاع ميئوس منها، تمثّلها جمل من قبيل (لا فائدة).
إنّ هكذا خطاب لا يشير إلاّ إلى حقيقة واحدة، تفيد بأنّ أصحاب هذا الخطاب في أفضل الأحوال قرّروا ببساطة التخلّي عن حقّهم في الوجود ضمن دائرة الفعل، ولا يفهمون الرسالة التي يحملها الثوار في شوارع مدنهم، ويموتون من أجلها بذات الجمال الذي تمثّله، هذه الرسالة التي تفيد بأنّهم قرروا طي صفحة هذه الطغم الفاسدة التي لم تقدّم شيئاً يستحق الذكر، بل وأضافت لسجلها الطويل في الشرّ والغباء قائمة لا تنتهي من الجرائم ضدّهم، جرائم أخجل حتّى من التحدث عنها، قرّروا أن يسيروا باتجاه المستقبل دون النظر إلى الخلف، قرّروا أن ينظّفوا شوارع العالم العربي من ركام القهر والتخلّف والتبعية، والعجز، قرّروا أن يسجّلوا أسماءهم في صفحة بارزة في تاريخ البشرية، قرّروا أن يشمّروا عن سواعدهم لأنّهم يعلمون تماماً حجم العمل الذي يقبلون عليه، والحضارة التي حلموا طويلاً بالمشاركة في تحقيقها.
علّق صديق مرة على (ستيتوس) كنت كتبته على صفحتي على الفيس بوك، “لا أدري من أين تأتي يا صديقي بكل هذا التفاؤل؟”
سأخبركم جميعاً وبفخر كبير عن السبب الذي يجعلني متفائلاً، رغم حالة الألم التي تجتاحني كلّ يوم وأنا أتابع صور الموت في سوريا، ورغم القلق الذي ينتابني وأنا أفكّر في حجم العقبات التي يخوضها الشباب الليبيّ في مواجهة التخلص من تركة القذافي، وبرغم الشغف الذي أتابع به الإصرار الذي يبديه الشباب التونسيّ في الدفاع عن إنجازات ثورته، واللهفة التي أتابع بها كلّ التفاصيل عن ميدان التحرير في مصر وتجربة الانتخابات الرائعة، والإرهاصات التي تشي بتحركات باتجاه التغيير في كلّ الوطن العربي، والمواطنون في كلّ مكان في العالم وهم يقولون “كفى” في وجه الرأسمالية العالميّة التي صادرت فرص الأكثرية التي تسكن هذا الكوكب في حياة عادلة ونظيفة وخضراء.
السبب يا أصدقائي أنّني أستيقظ كلّ يوم منذ عام تقريباً وأنا أملك حلماً أصبح قابلاً للتحقيق، وشعوراً بالانتماء للحظة تاريخية يخطو فيها المجتمع البشري بإتجاه إنسانيته، السبب ببساطة أنّي قرّرت كما قرّر أكثر شباب هذا الوطن الذي أنتمي إليه، أن نمزّق هذه الصفحة من تاريخنا، فهي صفحة لا تدعو إلا إلى الخجل، وأن نخطوباتجاه القادم بعقلية تتحرّر من هذا التبسيط المخلّ الذي تربيّنا عليه في مواجهة الربيع.
الربيع الذي سأكتب عنه موضوع الإنشاء في مذكرتي هو ربيع الإنسان، الإنسان الذي يعرف أنّ الحياة تتمحور حول المشاركة في بناء عالم مبنيّ على الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص، عالم يحتمل قبول الآخر المختلف.من يريد أن يشاركني هذا التفاؤل؟
وسام عويضة
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development