المقالات

فتح في ذكراها السابعة والأربعين وفضيلة النقد الذاتي بقلم علي بدوان

تطل علينا مع اشراقات وإشعاعات شمس اليوم الأول من العام الجديد 2012 ، الذكرى السنوية السابعة والأربعين لميلاد الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي أطلقت رصاصاتها الأولى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في الفاتح من يناير عام 1965، حين تمكنت المجموعة الفدائية الأولى من قوات العاصفة من تنفيذ عملية فدائية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديداً في منطقة الجليل الشرقي وفي بلدة (عيلبون) القريبة من الحدود السورية مع فلسطين. وقد تبع تلك العمليات سقوط الشهيد الأول لحركة فتح وقوات العاصفة، الشهيد اللاجئ الفلسطيني (أحمد موسى الدلكي) من قرية (ناصر الدين) التابعة لقضاء طبريا، ومن حينها لم يتوقف الشلال الفلسطيني وهو ينزف دماً حاراً على طريق العودة إلى فلسطين، وقد امتلأت تلك الطريق ومازالت بالأشواك والعثرات والمطبات الهائلة التي تلخص في فحواها عمق الصراع العربي مع المشروع التوسعي الاستيطاني الكولونيالي الصهيوني على أرض فلسطين وفي عموم المنطقة العربية.

انطلاقة تأسست على إرهاصات

ومن نافل القول، الإشارة إلى أن الانطلاقة الرسمية للعمل الفلسطيني المقاوم وللثورة المعاصرة، وان تم تاريخه من اليوم الأول لانطلاقة الجناح العسكري لحركة فتح (قوات العاصفة)، إلا أن العمل الفلسطيني المقاوم كان قد أخذ بالتبلور رويداً رويداً منذ ما قبل التاريخ المشار إليه، وقد تأسس على إرهاصات متتالية من العمل والمساعي الفلسطينية لانتزاع الدور الخاص للشعب الفلسطيني في إطاره القومي من أجل تهيئة وإعداد الأجواء اللازمة لبدء وإطلاق عملية الكفاح الفلسطيني المسلح.

فقد كانت حركة القوميين العرب التي أسسها الراحل الدكتور جورج حبش في حرم الجامعة الأميركية في بيروت وثلة من رفاقه عام 1949، قد أخذت عل نفسها المباشرة بالإعداد لتهيئة الظروف والمعطيات من أجل شن حرب شعبية لاسترداد فلسطين، فاتخذت قرارها بإنشاء نواة جناحها العسكري المسمى بـ (شباب الثأر) بقيادة الشهيد الدكتور وديع حداد والشهيد أبو علي مصطفى أثناء انعقاد مؤتمر الإقليم الفلسطيني لحركة القوميين العرب عام 1963، وهو الجناح الذي بدأ بتنفيذ عمليات فدائية واستطلاعية قبل انطلاقة حركة فتح، وصولاً إلى إعلان الدكتور جورج حبش عن قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أواخر العام 1967 من ائتلاف عدة قوى فلسطينية.

كذلك الحال، فان نواة عسكرية وفدائية فلسطينية كانت قد تأسست في العام 1959 تحت عنوان (جبهة التحرير الفلسطينية)، وكانت قد بدأت مشروعها الكفاحي بالإعداد للعمل العسكري انطلاقاً من سوريا ولبنان والأردن بقيادة الضابط الفلسطيني أحمد جبريل، والضابط الفلسطيني الشهيد علي بشناق، إلا أن تحولت للعمل تحت اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) منتصف العام 1968 .

حقاً، لقد انطلقت الشرارات الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة من سوريا، حيث قام المعسكر التدريبي الأول، فخرجت منه البندقية الأولى، والطلقة الأولى، واللغم الأول، والعبوة الأولى نحو فلسطين، وتخرجت منه قوافل الأعداد الأولى من أعضاء وكوادر حركة فتح من العسكريين، وسقط الشهيد الأول، وقامت مقبرة الشهداء الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة في مخيم اليرموك حيث تحتضن الآن رفات الآلاف من الشهداء من مختلف القوى الفلسطينية دون استئناء، بما في ذلك رفات عشرات من الشهداء العرب (من العراق واليمن، ومصر وتونس، والمغرب …) والأممين (من نيكاراغوا، والأورغواي إلى فرنسا والباكستان وبنغلادش …) الذين سقطوا في ميادين الكفاح الوطني الفلسطيني على امتداد سنوات العمل الفدائي الفلسطيني.

وهكذا، ففي انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، صارت بلدات غوطة دمشق وضواحيها موئلاً لعشرات المعسكرات والقواعد الفدائية التابعة لحركة فتح وعموم الفصائل الفلسطينية، فكل شجرة زيتون وشجرة حور، وشجرة رمان، وشجرة فاكهة مثمرة … من أشجار تلك القرى في غوطة دمشق تروي حكاية انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.

ومن منّا، ومن كوادر وقيادات حركة فتح وعموم الفصائل الفلسطينية، ينسى (معسكر الهامة) الواقع على طريق (الزبداني) بقيادة الشهيد وليد أحمد نمر (أبو علي إياد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي استشهد وهو يقود القوات الفلسطينية في معارك أحراش جرش وعجلون إبان الأزمة الفلسطينية ــ الأردنية نهاية العام 1971 فمعسكر (الهامة) بات في حينها (أكاديمية عسكرية وسياسية) وقد خرج الألوف المؤلفة من كوادر فتح وقياداتها بمن فيها معظم القيادات الحالية ذات الرتب العسكرية العالية في الداخل الفلسطيني، وقد تعرض ذاك المعسكر للقصف الجوي الصهيوني عدة مرات أواخر الستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، ومعه معسكرات وقواعد لعموم القوى والفصائل الفلسطينية فوق الأرض السورية في : ميسلون، وعين السخنة، ودوما، ومعربا، والتل، والزبداني، والمعضمية، وعين الصاحب، وبرج سلام …

لن يكتمل الحلم إلا بالعودة وفلسطين

أردنا في الكلام الوارد أعلاه، إلقاء نظرة سريعة على البدايات الأولى للعمل الكفاحي الفلسطيني في الثورة المعاصرة، حيث سكنت نفوس الناس وعموم الشعب الفلسطيني، خصوصاً اللاجئين منه في الشتات في تلك البدايات الرومانسية الوطنية والثورية الحالمة بوطن اسمه فلسطين، وقد ضاع وذهب ضحية مؤامرة (محبكة الصناعة والإنتاج) كانت أكبر منه وأكبر حتى من الحالة العربية في تلك السنوات الأولى من عمر الاستقلال لبعض بلادنا العربية.

في تلك السنوات الأولى من عمر الثورة المعاصرة، كان الحلم الفلسطيني ينقدح في اشتعالاته الأولى، شرارات متتالية، مؤججاً حالة شعبية غير مسبوقة في الاندفاع الفلسطيني وراء القوى والفصائل الفلسطينية، بعد سنوات من ليل النكبة الطويل. إلا أن تلك الاندفاعة اصطدمت بعوائق هائلة كانت كالجبال الشاهقة في مواجهة النهوض الوطني الفلسطيني والحالة العربية التي بدأت تتقدم رويداً رويداً خصوصاً بعد حرب يونيو 1967 .

إن حالة النهوض العربية والفلسطينية بشكل عام، وصلت ذروتها بعيد حرب أكتوبر 1973، وحتى فصل القوات على الجبهتين السورية والمصرية، ودخول فلسطين تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية إلى ميدان الاعتراف الدولي الواسع بعد الخطاب التاريخي للرئيس الراحل ياسر عرفات في الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية العام 1974 .

لقد بدأت الانتكاسات في الجسم العربي بعد المرحلة الأولى من تفكك العلاقات المصرية ــ السورية نهاية العام 1975، وهو ماعكس نفسه أيضاً في توالد أزمات خانقة أمام الحالة الفلسطينية عموماً، التي تم إغراقها في أتون ونيران الحرب الأهلية اللبنانية البشعة، وماتبعها من تحولات، وصولاً إلى الخروج الفلسطيني المسلح من بيروت نهاية شهر أغسطس 1982 عبر ميناء بيروت البحري بعد حصار «إسرائيلي» دام ثلاثة شهور متتالية.

وفي هذا المسار المعقد من التحولات الفلسطينية والعربية، ومن الانتكاسات العربية التي انعكست على الوضع الفلسطيني مباشرة، حافظ الحلم الفلسطيني على صيرورته بين الناس وفي فؤاد كل مواطن فلسطيني، وخصوصاً بين أبناء فلسطين في الشتات في مواقعهم وتجمعاتهم فوق الأرض السورية واللبنانية، حيث انطلق فلسطينيو سوريا ولبنان يتقدمون الصفوف للدفاع عن منظمة التحرير الفلسطينية وعن الوجود الفلسطيني في لبنان بعد الحرب الضروس التي شنت على الوجود الفلسطيني الفدائي فوق عموم الأرض اللبنانية، لحسابات إقليمية والتي عرفت باسم (حروب المخيمات).

لقد خرجت المنظمة من الانقسام عام 1983، وان تباينت أسبابه والنظرة إليه، لكنها لم تنج من المطبات والأفخاخ السياسية التي كانت بانتظار الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، بالرغم من انفجار بركان الانتفاضة الكبرى في فلسطين نهاية العام 1987، وقد أعادت تلك الانتفاضة الوهج إلى القضية الفلسطينية، وردت إليها الاعتبار كحركة تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال.

فتح ومسؤولياتها الاستثنائية

إلا أن العثرات والأفخاخ بقيت شاخصة أمام الحالة الفلسطينية، وقد تعاظمت مفعول تلك الأفخاخ بعد انهيار الحالة العربية الرسمية اثر احتلال الكويت وقدوم القوات الأميركية والأجنبية عموماً إلى ساحة المنطقة.

فالتداعيات التي وقعت بعد تلك الأزمات، وماتلاها من حرب إخراج القوات العراقية من الكويت، دفعت باتجاه توليد معادلة جديدة كان الفلسطينيون أول ضحاياها، عندما تم ترتيب عقد مؤتمر مدريد دون حضور فلسطيني مباشر، إنما بحضور خلفي تحت يافطة الوفد الأردني الذي ترأسه في حينها وزير الخارجية كامل أبو جابر.

وبالطبع فان صمود الناس على الأرض في فلسطين، في ظل استمرار الفعل الانتفاضي، أعاد تصحيح معادلة الحضور الفلسطيني على طاولة الحل السياسي، إلا أن هذا الحضور بقي ومازال ضعيفاً، ولم يرتق إلى الموقع المفترض وذلك بسبب من استمرار الانقسام في البيت الداخلي الفلسطيني، واستمرار سياسة التفرد في صناعة وصياغة القرار، وتهميش المنظمة ومؤسساتها لصالح إبقاء القرار بيد إطار ضيق بعيداً عن الائتلاف الوطني لجميع القوى.

وفي هذا الصدد، فان حركة فتح، وفي ذكرى انطلاقتها السابعة والأربعين، نضعها تحت (فضيلة النقد والنقد الذاتي)، فهي تتحمل مسؤولية كبرى وأساسية واستثنائية فيما آلت إليه الحالة الفلسطينية عموماً، فهي القابضة على القرار الرسمي الفلسطيني، وصاحبة القيادة في الميدان الدولي والعربي باسم فلسطين. ولذلك فهي مسؤولة الآن أمام شعبها عن كل المسار الذي سارت عليه القضية الفلسطينية. كما هي معنية الآن قبل غيرها بترجمة اتفاق المصالحة على الأرض، والسير قدماً باتجاه حل الاستعصاء الكبير المتمثل بملف منظمة التحرير وإعادة بنائها، وتفعيلها وتوسيع إطارها الوطني حتى يمكن للجميع المساهمة في إدارة وصياغة القرار بوجهيه التكتيكي والاستراتيجي.

صحيفة الوطن القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى