المقالات

فلسطينيو الداخل والإنتخابات الإسرائيلية – بقلم: علي بدوان

بدأت الإنتخابات التشريعية الإسرائيلية المُبكّرة صباح أمس الثلاثاء الواقع في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، فيما بدت القوائم العربية مفتته، وغير موحدة، مع مقاطعة متوقعة لقطاعات من الناس في الوسط العربي لتلك العملية الإنتخابية، في موقف إعتراضي من بعض الأطراف والقطاعات العربية، أو إنطلاقاً من موقف مبدئي يقول بوجوب مقاطعة الإنتخابات بالأصل كما هو حال الحركة الإسلامية التي يقودها الشيخ رائد صلاح.
فهناك تضارب في المواقف داخل الشارع العربي الفلسطيني في “إسرائيل” بالنسبة لعملية المشاركة في الإنتخابات التشريعية، حيث تشارك عملياً غالبية القوى والأحزاب العربية في “إسرائيل” في الإنتخابات، فيما إشتق الجزء الشمالي من الحركة الإسلامية في الداخل (تيار الشيخ رائد صلاح وكمال الخطيب) موقفاً أخر، يدعو للمقاطعة العربية لإنتخابات الكنيست تحت دعاوى أن المشاركة في تلك الإنتخابات يعني إطلاق قَسَمِ الإخلاص للدولة العبرية الصهيونية.
وبالطبع، فإن مشروعية المشاركة الفلسطينية في الإنتخابات التشريعية في “إسرائيل” من عدمها أمر يحتاج لنقاش طويل، لكن المهم في هذا المجال أن هذا الطريق المفتوح أمام العرب لتطوير دورهم داخل حدود العام 1948 يجب أن يُستثمر، بإعتباره مدخلاً متاحاً لهم لإعلاء صوتهم، وإسماعه للعالم بأسره من أجل حقوقهم الوطنية والقومية فوق أرض وطنهم بإعتبارهم أصحاب الوطن الأصليين.
ولكن، ومهما كان الموقف، فقد باتت قوة الصوت العربي تُشَكِلُ عاملاً ملموساً وهاماً في مسار الإنتخابات البرلمانية في الدولة العبرية، نظراً لحجم الكتلة السكانية العربية التي بقيت صامدة على أرض الوطن التاريخي داخل المناطق المحتلة عام 1948، ونظراً للدور الحيوي والحراك الديناميكي الذي أصبح منذ سنوات طويلة سمة مميزة لهذا الجزء الغالي من الشعب الفلسطيني، بعد أن كان قد عاش عقدين متتاليين ونيف من السنوات تحت ما كان يسمى بالحكم العسكري “الإسرائيلي” من العام 1948 وحتى العام 1966.
لقد برزت خصوصية واضحة للمجتمع الفلسطيني داخل حدود العام 1948، أي داخل المنطقة الفلسطينية التي أقيمت عليها “إسرائيل” على مساحة (78%) من مساحة أرض فلسطين التاريخية والبالغة (27009) كيلو متراً مربعاً، وقد ترتب على تلك الخصوصية أن مواجهة سياسات “الأسرلة” التي حاولت، أن تَهضُمَ هذا المجموع العــربي، وأن تجعل منه جماعة إثنية هامشية، في إطار دولة تعتبر نفسها دولة اليهود وحدهم، وتسود فيها الصهيونية كأيديولوجياً، وكثقافـــــة ومؤسسات.
وعليه، فشلت سياسات “الأسرلة” بعد عقود طويلة من عمر النكبة، ولم تستطع الدولة العبرية الصهيونية أن تمحي الهوية الوطنية والقومية للشعب العربي الفلسطيني في الداخل، ليصبح هذا الجزء الهام من الشعب الفلسطيني قوة مؤثرة داخل “إسرائيل”، فيما يتوقع لوزنه السكاني الديمغرافي أن يزداد وفق منسوب أعلى من منسوب تزايد النمو السكاني اليهودي خلال السنوات القادمة، وهو مايعطي الصوت العربي دوراً هاماً في الإنتخابات التشريعية في “إسرائيل” بشكل عام، حيث تشير التقديرات أن عدد المواطنين الفلسطينيين داخل “إسرائيل” يقارب نحو (22%) من السكان، يمكن لهم حال توحدت قوائمهم الإنتخابية أن يضمنوا وصول نحو (25) نائباً عربياً من أصل (120) يمثلون كامل عضوية الكنيست (البرلمان) في “إسرائيل”.
وخلاصة القول، إن التجمع الفلسطيني في مناطق الـداخل المحتل عام 1948  ليس قنبلة ديمغرافية فقط، بل يُشَكّل قوة سياسية، يُفترض بها أن تتكامل مع مجموع حلقات العمل الوطني الفلسطيني وعلى أضلاع المثلث الفلسطيني : مناطق 1948،  الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، والشتات. إنما الخصوصية التي تميز هذا الوسط وطبيعة الظروف الخاصة التي تحكم حياة هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، تفرض على الجميع درجة عالية من الدقة في التعاطي معه، بما في ذلك تجنيب هذا التجمع  الخوض ببرامج عمل غير ممكنة الآن، وقد تكون كارثية عليه. وعلى هذا الأساس فمن الخطأ بمكان دعوة قوى أو جمهور أو قطاعات هذا الوسط الفلسطيني داخل “إسرائيل” لممارسة الأعمال الفدائية المسلحة مثلاً، أو إستخدام أنماط كفاحية مغامرة تُشكل وصفة أكيدة وجاهزة عند جيش الاحتلال للبطش والفتك المكشوف بأبناء فلسطين الباقين على أرض وطنهم منذ عام 1948.
أخيراً، إن النهوض لإستعادة الهوية والشخصية الفلسطينية أخذ يشق طريقه ويتعاظم يوماً بعد يوم، خاصة بعد إحتلال العام 1967 الذي فتح أبواب التداخل بين الفلسطينيين على جانبي الوطن المحتل، وتصاعد إلى الذروة في معركة يوم الأرض عام 1976، في سياق السعي  لإزاحة كابوس التمييز العنصري والتصدي لزعات “الأسرلة والتماثل” والإصرار على الهوية الوطنية والقومية كجزء لايتجزأ من الشعب الفلسطيني الواحد الموحد.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى