المقالات

الوعى الموروث بقلم :مها عبد الرحيم يونس

كانت جدتى لأمى رحمها الله الإبنة الصغرى لأسرة مكونة من خمسة أبناء وهى من إحدى المحافظات الساحلية الجميلة تحكى لأمى حين هاجم وباء الكوليرا مصر فى الأربعينيات وقد عاصرته فى بداية مرحلة شبابها وكيف أن الأسر المصرية قابلته بوعى شديد يشبه كثيراُ وعى الشعب فى مقابلته لكورونا الحالية، حيث إكتشفت الدولة بأن أشجار النخيل والتمر هم سبب كبير فى إنتشار مرض الكوليرا فقررت إعدام محصول التمر آنذاك والذى كانت الأسر المصرية تعتمد عليه بشكل كبير فى حياتهم فهو مخزون إستيراتيجى لديهم يتم تجهيز أصناف عديدة منه ليستمر معهم طوال العام فكانت كل أسرة تجهز طاولات من العجوة وأصناف ما تسمى بالكبيس وهو صنف شبيه بالمربى يعد من التمر وذلك بكميات كبيرة نظراً لكبر عدد الأسر آنذاك ، ومن الواضح أن محافظات الوجه البحرى والساحلية كانت تعتمد على هذا المنتج الغريب رغم أن التاريخ يؤكد بأن التمر كان مخزون إستيراتيجى لجنوب الصعيد وشمال سيناء لكن من الواضح أن التاريخ لم يذكر كل شىء
وعند قيام الحكومة بإعدام محصول التمر وكانت تهاجم المنازل لجمع التمر لإعدامه كانت الأسر تتبارى فى كيفية إخفاء التمر فى أماكن لا تطلها يد الحكومة وكانت الأسر تحتفل بعد ذلك بأنها غافلت الحكومة وحافظت على المخزون الإستيراتيجى لديهم
أتذكر هذه القصة دائماً كلما مررت فى الشوارع لأرى وعى الشعب المصرى العريق وأدركت حينها أنه موروث وموجود فى الجينات الوراثية لديه وليس لديه حيلة فى ذلك فهو ورث عن أجداده التوكل على الله وأن قوت يومه أهم من حياته فلا نعتب على هذا الشعب الذى لم يجد من يخلصه من هذه الموروثات ومن هذه الجينات ولكن كل ما نتمناه أن نسمع اليوم الذى انتهت فيه الكورونا من مصر كما أنتهت الكوليرا فى الزمن البعيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى