ثقافة

حادث مؤسف!! بقلم: فراس حج محمد- فلسطين

ألمّ بصاحبنا مصيبة، فتكسرت عظامه، وأصبحت اللفافات الطبيبة تغطي جسمه كله ، وغدا طريح الفراش، وانقطع عن العمل، وعن منادمة الأصحاب، ماذا حدث له يا ترى؟ توجه إليه صديقه عندما عرف أنه راقد في فراشه كسيحا ملفوفا شبه ميت، جثة هامدة لا يتحرك، رجله مشبوحة في الفضاء لا يقوى على الحركة، حتى أنه لم يحسن الحديث.
– السلام عليكم، أين أنت يا رجل؟ لم نرك منذ أيام؟ ماذا حدث لك؟
لم يحاول صاحبنا أن يتزحزح من جلسته، لأنه على يقين أن عظامه ستنفلت منه لو تحرك، ظل متجمدا في مكانه متألما متوجعا يئن بمرارة، وأجاب إجابة مختصرة على صاحبه وصديق عمره:
– كما ترى عيناك!
– خير! ماذا حصل معك؟  
وقبل أن يجيبه قال: يا لحظك يا صديقي، احمد الله أنه لا يوجد في بيتك إنترنت ولا جهاز حاسوب.
– وما دخل هذا في مصيبتك؟ أنا أصلا ما معي حتى جوال والحمد لله، من لحظة ذلك الحادث الأليم الذي حصل معي قبل سنوات حرّمت على نفسي كل وسائل الاتصال الحديثة القديمة، وعشت كما عاش جدي، ألله يرحمه!!
– والله إنك عاقل!
– ولكن ماذا حصل معك؟ هل كانت إصابة عمل؟ فأنا أعرف أن عملك خطير، وقد تتعرض لا سمح الله إلى إصابات، فصعودك السلالم المرتفعة وتصليح الأسلاك الكهربائية يعرضك على الدوام للخطر، احترس يا ابن الناس، فوراءك أولاد وبيت ومصاريف.
صمت صاحبنا المسكين لحظة وكأنه شعر بغصة في حلقه، ليخرج كلمته الممتزجة بالمرارة ونفس محترق وملتهب:
– يا ليتها كانت إصابة عمل! كان أهون يا صديقي، والله لكانت المصيبة أهون!
– سلامتك من الآه يا صاحبي، إذن حادث سير، بسيطة، كل شيء يعوض، أعرفك ربنا يسامحك تسرع كثيرا، ولا تراعي القوانين، ألم تذكر كم مرة نجينا بأعجوبة من وراء سرعتك الزائدة؟ يا ما حذرتك من هذا التهور!! على كل بسيطة، أن جاءت هكذا شدة وتزول إن شاء الله!
يزاد صاحبنا ألما على ألم، ولا يدري ماذا يقول؟ يتحشرج صوته لينفي بإشارة من رأسه حدوث مثل هذا الحادث الأليم!
يحوقل صديقه ويهلل ويضرب كفا بكف، ويقول:
– طيب من فعل بك كل هذا؟ أتشاجرت مع أحد؟ أعرفك مسالما، تكف نفسك عن خصام الآخرين، ولا تتابع تفاهات المتطفلين، وتتحاشي الدخول والرد حتى وإن كان لك الحق.
– لم يحدث ذلك بتاتا يا صديقي، إنه حادث أُسَرِيّ!
يتعجب صديقه من إجابته، حادث أسري. وكيف حدث ذلك ولماذا؟ ومع من؟ هل وقعت عليك الخزانة؟ أم تدهورت وأنت على عجلة من أمرك من على الدرج؟
يصيح صاحبنا من ألم في جسمه، ليقول له: لا، لا إن زوجتي من فعلت بي كل ذلك!!
– يا لطيف! هل كانت تتدرب بك؟ لماذا؟ أكنت تريد أن ……
وقبل أن يكمل، وقد عرف ماذا يريد، قال:
– لا لم أفكر بذلك أصلا!
– ولماذا إذن تفعل معك كل هذا؟ إياك أن تقول لي إنه بسبب إدمانك على الفيس بوك ليلا!!
يهز صاحبنا رأسه موافقا ولكنه أردف قائلا:
– لقد عرفت زوجتي الباسويرد لحسابي في الفيس بوك، وكأنها قد فتشت الرسائل.
– وهل في رسائلك ما يزعجها؟
– لا أظن أنني أزعج نفسي أو أزعجها، فرسائلي أغلبها في الدردشة مع الأصحاب وزملاء العمل، ولكنها على ما يبدو وجدت تلك الرسالة التي أرسلتها لي صديقة من أمريكا، تهنئني فيها بمناسبة حلول رأس السنة الميلادية، وتقولي لي فيها: “كل عام وأنت بخير”، وأرفقت مع الرسالة صورة لوردة حمراء!!
ضحك صديقه بصوت عال، وقال: خليك، تستحق ما يجري لك، ألم تتعلم مما حدث معي قبل سنوات، لقد وصلت القبر ولولا أن لي عمرا، لم تجد أحدا سيزورك الآن! ألم تذكر أنني ألغيت كل أنواع الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة في بيتي؟ أريد أن أعيش براحة بال يا صديق، فالنساء لا أحد يستطيع مقاومتهن، فقد قيل وأنت سيد من عرف: المرأة أصلها نمر! إي والله أصلها نمر، أنا أحسدك أنها لم تقض عليك قضاء مبرما.
وضحك ضحكته المعهودة، وأراد أن يمازحه ويسري عنه، فقال له:
– ما لك لم تضيفني يا رجل؟ أم أن عليك عقوبات؟ ربما زوجتك لا تريد أن تسقينا حتى فنجانا من القهوة.
– إنها ليست هنا، خرجت وتركتني كما ترى!
– مسكين، والله مصيبتك أهون من مصائب غيرك، فلو عرفت ما تفعل الزوجات بأزواجهن لحمدت الله أنها فقط عملت بك هكذا، ولم تفضحك على الملأ، فكثيرون أفشت زوجاتهم أسرارهم، وصاروا يخجلون من الخروج والحديث مع الناس، حتى أن صاحبا لي ترك هذه البلاد وخرج، فقط ليتجنب فضائح زوجته له، أنت محظوظ يا صديقي، صدقني.
خرج صديق صاحبنا مودعا، وطمأنه أنه سيظل يزوره حتى يتعافى ويعود لعمله كما كان نشيطا، وحذره من الفيس بوك والإدمان والدردشات، ووضع كل اللوم على الأجهزة والتكنولوجيا، ونسي نفسه أنه هو المسؤول الأول والأخير عما يجري  له، فهل العيب في الفيس بوك وجهاز الحاسوب والتكنولوجيا الحديث؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى