المقالات

المبادرة الفرنسية… تداخل المشاريع يقلص التفاؤل\ كتب: عبد الله خالد

ثمة سؤال يفرض نفسه على كل مكونات الوطن التي تتشدق كل يوم أنه وطن عمره خمسة الآف عام دون أن يحسم أبناءه هويته ويتوافقوا على تحديد الطريق الذي يفترض أن يسلكوه وصولا إلى الإنتقال من كونه مزرعة يتناتش أهلها ثرواتها استنادا إلى اقتصاد ريعي ولا مانع لديهم من إلغاء الآخر وعدم الإعتراف به إلى دولة يحكمها الدستور والقانون وتحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبنائها في دولة المواطنة المدنية الديمقراطية. وهذا السؤال هو التالي: ترى هل أصبح لبنان أسير تناقضات المصالح في لعبة الأمم بعد أن اختار أبناءه الإنصياع للخارج بدلا من التوافق الداخلي بعد أن اقتنعت شبكته الحاكمة أن مصالحها الذاتية تفرض هذا الإنصياع حفاظا عليها كبديل للسعي لتوافق داخلي يحقق مصلحة الوطن وليس مصلحة طرف فيه… وهكذا بدأت تتكرر كل فترة نفس الأزمة دون أن نستفيد من دروسها. وحتى لا أعود إلى الماضي البعيد أتوقف عند المبادرة الفرنسية المدعومة أمريكيا- من حيث الشكل والمضمون- رغم تناقض الأهداف وتعارضها بينهما.
جاءت الأزمة الإقتصادية-المالية-الإجتماعية التي أوصلت البلاد إلى الإنهيار على كافة الأصعدة والتي ما كانت لتتفاقم لولا استمرار الشبكة الحاكمة في سياستها القائمة على الفساد والهدر ونهب المال العام والإستدانة وترفض أن يكون الإقتصاد المنتج بديلا للإقتصاد الريعي المستند إلى أصحاب المصارف والمحمي من النظام الطائفي في البلاد والساعي إلى استمرار سياسة الإستدانة ورفض تنفيذ توصيات مؤتمر باريس 1 و 2 و3 وسيدر.
مع تأزم الوضع عبر حراك 17 تشرين الأول واشتداد الحصار والعقوبات وتفجير المرفأ وإرهاصات التفكير بالتوجه نحو الشرق بعد أن خذلهم الغرب الراغب في استمرار هيمنته بدأ التفكير الجدي بضرورة إعادة لبنان إلى بيت الطاعة ونشأت فكرة المبادرة الفرنسية الرامية إلى إنقاذ لبنان عبر برنامج إصلاح ارتبط تقديم المساعدات بتنفيذه وجاء ماكرون إلى بيروت مرتين وطرح المبادرة والورقة الإصلاحية الرامية إلى تشكيل الحكومة بأقصى سرعة لتبدأ المسيرة وفق الورقة الفرنسية التي يفترض أن تشكل نواة البيان الوزاري التي وافقت القوى السياسية على أغلب بنودها. وكانت واشنطن تراقب بدقة الحراك الفرنسي خصوصا وأن الطرفين يريدان أن يحققا أهدافا مشتركة تضاف إليها أهداف أخرى لكل طرف ومن الطبيعي أن يكون الهدف الأساسي منع التوجه نحو الشرق إلا أن واشنطن تريد تأكيد هيمنتها على المنطقة وجعل فرنسا آداة فيها بالإضافة إلى شعورها بأن الأزمة الإقتصادية والحصار يمكن أن يجعلا لبنان أكثر طواعية لإرادتها وتحديدا على صعيد ترسيم الحدود البرية والبحرية لمصلحة إعطاء الكيان الصهيوني المزيد من الأراضي برا وبحرا الأمر الذي يفرض إعطاءها مزيدا من المكاسب من النفط والغاز ليتوج كل هذا بطرح موضوع سلاح المقاومة والإصرار على عدم إشراكها في الحكومة.
أما فرنسا فقد وجدتها فرصة لإستعادة نفوذها في لبنان وامتدادا المنطقة تنعكس إيجابا لمصلحة ماكرون المأزوم داخليا بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع إعمار المرفأ والطاقة والغاز وغيرها. ولكن كل هذا يتطلب تسريع تشكيل الحكومة في تمهيد لبدء الإصلاح الذي يسمح بتدفق المساعدات. وفي الوقت الذي توقع فيه الجميع تنفيذ الوعود التي أعطيت لماكرون ظهر بوضوح أن تلك الوعود قد تبخرت وأن الخلاف بين القوى السياسية هدفه تأمين مصالحها التي تتقدم على مصلحة إنقاذ لبنان… وهذا يستوجب حديثا آخر.
عبدالله خالد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى