المقالات

لبنان… إلى أين-3- كتب: عبد الله خالد

حين تم إعلان دولة لبنان الكبير بحدوده الجديدة كان جزء من اللبنانيين يتوقع أن يكون وطنهم لوحدهم وكان الجزء الآخر يرفض الصيغة الجديدة لأنها أبعدته عن محيطه ونسيجه الطبيعي ولكن مصالح الذين قسموا المنطقة بموجب سايكس-بيكو فرضت تلك الصيغة لتشكل استعمارا مقنعا بأسلوب جديد بعد أن حققت هدفها المركزي المتجسد بتقسيم المنطقة إلى كيانات متعددة تخلق مصالح قطرية تجهض فكرة وحدتها القومية وتسمح لمن صاغ قرارات فرساي بتنفيذ مخططه والتملص من تعهداته السابقة.
خلال فترة الإنتداب مارست فرنسا سياسة ملتبسة تناقض مبادئ الثورة الفرنسية وكرست التناقضات الطائفية وعززت المصالح القطرية التي تبني مع الوقت جدارا سميكا من المصالح المتناقضة وهكذا تكرس النظام الطائفي الذي كان تدخل قناصل أوروبا قد وضعوا أسسه في العهد العثماني والذي شكل البداية الموضوعية لتكريس ثقافة الأنا وعدم الإعتراف بحقوق الآخرين. والأمر المؤسف أن دولة الإستقلال تبنت تلك السياسة التي أوحت بأن ما حصل هو استمرار لسياسة الإنتداب يقناع جديد.
في عهد الإستقلال الأول حصل توافق بين بشارة الخوري ورياض الصلح عبر ما سمي “الميثاق الوطني” الذي نظم أسس التعاون بينهما وإن لم يوثق بورقة مكتفيان بعكس مضمونه بالبيان الوزاري. وفي تلك الفترة بدأ يتكون شعور لدى فريق من اللبنانيين بالغبن يقابله شعور لدى فريق آخر بالخوف من الذوبان في المحيط وهو الذي يشعر بالتميز عن الفريق الآخر. كما بدأ انتقال الفساد من السر إلى العلن وترافق مع تنامي التفكير بالتجديد في موقع المسؤولية في السلطة وهكذا تم التجديد للرئيس بشارة الخوري وتجدد معه فساد حاشيته.
صحيح أن التجديد قد سقط بإستقالة الرئيس الخوري ولكن بذرة التجديد ترسخت في عقول الشبكة الحاكمة وهذا ما حصل مع الرئيس كميل شمعون الذي تراجع عن كل وعوده التي أعطاها لمن تعاون وإياهم على إسقاط فكرة التجديد والعودة إلى تكريس مقولة تداول السلطة وبدأ جديا بالتخطيط لتوفير الظروف الملائمة لفرض تجديد رئاسته وهو الذي قاوم التجديد وبدأ تقليص عدد النواب إلى 44 ليتمكن من إسقاط معارضيه وضمان نجاحه وبقاءه في سدة الرئاسة. ومع انكشاف مخطط الرئيس شمعون الذي بدأ إسقاط أغلب معارضيه بإستثناء الرئيسين رشيد كرامي وصبري حمادة ليواجه بثورة شعبية عارمة بدأت بطرابلس وتمددت إلى كافة المناطق اللبنانية وزاد رفض قائد الجيش فؤاد شهاب مواجهة الثورة واكتفاءه بحماية مؤسسات الدولة ازداد وضع الرئيس شمعون سوءا خصوصا بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا الأمر الذي دفعه لإعلان دعمه لحلف بغداد وعرض انضمام لبنان إلى الإتحاد الهاشمي بين العراق والأردن والسعي لطلب التدخل الأمريكي لحماية لبنان محولا ثورة 1958 من خلاف لبناني داخلي إلى صراع يشارك به البعض وتحديدا الجمهورية العربية المتحدة في دعم الثورة على شمعون. وهذا ما دفع واشنطن لإيفاد مورفي إلى بيروت للتوسط في حل الأزمة اللبنانية. وكان لافتا تصريح الموفد الأمريكي بعد وصوله إلى بيروت أنه لاحظ أن العلم اللبناني يرتفع في المناطق المزدهرة ويغيب في المناطق الأخرى غبر المزدهرة معطيا الثورة بعدا إجتماعيا وهكذا سقط التجديد بعد التوافق على ترشيح قائد الجيش فؤاد شهاب للرئاسة… وهذا يحتاج لحديث آخر.
عبدالله خالد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى