حقوق الإنسان

المحامي شادي خليل أبو عيسى

رئيس مركز فِكر ومؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة: تحية للعاملين في القطاع الاستشفائي والمسعفين ولإعفاء المواطنين من بعض الرسوم ودعمهم
وجّه رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية (فِكر) ومؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار المحامي شادي خليل أبو عيسى التحية إلى الهيئات الطبية والتمريضية والاسعافية والصليب الأحمر وإلى الأجهزة والمؤسسات التي تعنى بالشأن الانساني وإلى كل من يقدم خدمة في هذه الظروف الدقيقة، مع ضرورة دعمهم وتأمين الحماية القانونية لهم إلى جانب دعم المؤسسات المتعثرة والمواطنين بصورة فعلية من قبل كافة أجهزة الدولة والإعفاء من بعض الرسوم بسبب انتشار جائحة كورونا التي شلّت معظم الأعمال وأدت إلى تجميد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتبدل سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية وعدم استقراره وانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع أسعار السلع بصورة متزايدة.
وأردف في لقاء: إن المادة السابعة من الاتفاقية العربية (مؤتمر العمل العربي) رقم 15 بشأن تحديد وحماية الأجر أشارت إلى أنه يستحق العامل أجره كاملاً حتى وإن لم يقدم عملاً لأسباب خارجة عن ارادته، على أن تحدد التشريعات الوطنية تلك الأسباب. وإذا كانت القاعدة القانونية تحتمل التفسير على أكثر من وجه، يجب الأخذ بالتفسير الذي هو أكثر حماية لمصلحة العامل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 575/71). كما أنه لا يجوز، وفقاً لقرار وزير العمل رقم 193/2006، صرف الأجراء لأسباب اقتصادية أو القوة القاهرة أو التوقف النهائي، من دون التشاور مع وزارة العمل وإلاّ يعتبر كل انهاء لعقود الأجراء بمثابة صرف تعسفي أي يقتضي الالتزام بمضمون المادة 50 الفقرة ” و ” من قانون العمل بصورة عامة.
وقد أكدت محكمة التمييز المدنية في قرارها رقم 116 تاريخ 31/10/2013 على أن إقدام صاحب العمل على فسخ العقد من دون اثبات إقدام الأجير على ارتكاب أي فعل جرمي يرمي إلى الحاق الضرر به وبعدم ابلاغ وزارة العمل، يشكل قرينة على اساءة وتجاوز في فسخ عقد العمل. ولا يجوز اثبات جرم جزائي أمام مجلس العمل التحكيمي الذي هو محكمة مدنية، بل يقتضي على صاحب العمل أن يراجع المحاكم الجزائية ويستحصل على حكم جزائي مبرم بحق الأجير حتى يمكن اعتبار صرفه مشروعاً (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، قرار رقم 760 تاريخ 9/7/1965). كما أشارت محكمة التمييز الفرنسية- الغرفة الاجتماعية في قرارها الصادر بتاريخ 26/10/2010 على أن المخالفة المسلكية بحق الأجير غير قانونية إذا لم تكن فادحة ومخالفة للنظام الداخلي. وبالتالي، يجب الأخذ بعين الاعتبار فداحة عمل الأجير بالنظر إلى الظروف التي وقع فيها ارتكاب الفعل (في حال وجوده) وإلى نوع ووظيفة الأجير والخطأ والاهمال وقياس نتائجه بالنسبة لفداحة النتائج السلبية على صاحب العمل.
وأضاف المحامي أبو عيسى: يقتضي الأخذ بتطبيق القانون الأفضل لمصلحة الأجير (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 176/98) ويجب تفسير القواعد القانونية وفقاً لما هو أصلح للعامل (محكمة التمييز المدنية، تاريخ 13/4/1993) وترجيح مصلحة الأجير عند وجود الشك كونه الأضعف اقتصادياً (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، تاريخ 15/2/1989) في ظل عدم تمكنه من الاستحصال على أمواله الموجودة لدى المصارف. إذ أن الهدف من عقد العمل هو الحفاظ على الرابطة واستمرارية العمل تحقيقاً للاستقرار المنشود. أضف إلى ذلك، ان المادة 43 من قانون العمل أعطت الأجراء حق الاستفادة من الاتفاقيات والأنظمة الأكثر فائدة لهم (محكمة التمييز المدنية، رقم 130/97). كما أنه لا يجوز، وفقاً للمادة 7 من الاتفاقية الدولية (مؤتمر العمل الدولي) رقم 95، الاستقطاع من الأجور إلاّ بالشروط والمدى الذي تقرره القوانين أو اللوائح الوطنية أو تحدده الاتفاقيات الدولية أو قرارات التحكيم.
لذلك، يقتضي على الأجراء التنبه إلى ضرورة عدم توقيع أي مستند أو تنازل عن حق أو عن راتب أو نصف راتب في هذه الظروف حفاظاً على حقوقه. مع التأكيد، على أنه لا يجوز تعديل الراتب من دون موافقة الأجير وفقاً لنص المادة 59 من قانون العمل. إذ أن العمل ليس سلعة. وهذا ما أكده اعلان فيلادلفيا للعام 1944. وأشارت المادة 38 من اتفاقية العمل العربية رقم 1 على أن أجر العامل دين ممتاز على صاحب العمل. علماً بأن هذه الاتفاقية أبرمت بموجب القانون رقم 183/2000 وأصبحت ملزمة للبنان، لا سيما ان الرأي الاستشاري لهيئة التشريع والاستشارات رقم 1801/95، أشار إلى أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والعربية التي يوقع عليها لبنان وينضم إليها تتمتع بقوة القانون ويقتضي تطبيقها. كما أوجبت المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية تقديم أحكام المعاهدات على أحكام القانون العادي عند التعارض بينهما.
ويعتبر الصرف التعسفي موجوداً إذا كانت أسبابه تعود إلى مطالبة العامل بحقوقه (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 62 تاريخ 5/2/1973). لذلك، في حال رفض الأجير الاقتطاع من راتبه، وقيام صاحب العمل بصرفه، عندها نكون بصدد تعسف في استعمال الحق ويكون فسخ العقد على مسؤولية صاحب العمل، جتى ولو كانت لأسباب اقتصادية. إذ أن المادة 50/و من قانون العمل أكدت على ضرورة التشاور مع وزارة العمل قبل شهر من تنفيذ الصرف. وبما أنه، يقع عبء اثبات القوة القاهرة على صاحب العمل وعليه اثبات ظروف التدبير المتخذ والمسببات والمبررات، فإذا لم يفعل، اعتبر مسؤولاً عن فسخ العقد واستحق للأجير تعويض عن صرفه من الخدمة وعن الانذار (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967). وإن الظروف الاقتصادية المتردية لا تشكل سبباً لانهاء عقد العمل في حال عدم التشاور مع وزارة العمل، مما يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً موجباً للتعويض (محكمة التمييز المدنية، رقم 39 تاريخ 31/3/2003. ومجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 865 تاريخ 2/11/2004). وإن عدم مراجعة صاحب العمل الوزارة والتشاور معها وفقاً لما تفرضه الفقرة ” و ” من المادة 50 من قانون العمل، يؤدي إلى اعتبار الصرف بمثابة تعسفي موجب للتعويض (محكمة التمييز المدنية، قرار رقم 48 تاريخ 24/4/2006. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، قرار رقم 241 تاريخ 8/5/2006). وإن عدم مراعاة تطبيق هذه الفقرة يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً (محكمة التمييز المدنية، رقم 17 تاريخ 22/2/2011. ورقم 40 تاريخ 11/5/2010. ورقم 115 تاريخ 29/6/1999. ورقم 102 تاريخ 21/12/1993. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 156 تاريخ 16/3/2015. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 82 تاريخ 1/12/1992).
كما أوجب قانون العمل أن يكون الانذار الموجه إلى الأجير خطياً وأن يبلغ إلى صاحب العلاقة، ولم يقصد القانون بهذا التبليغ مجرد ارسال كتاب بهذا المعنى بالبريد المضمون أو ما شابه، بمعزل عن مصير هذا الكتاب، وإنما أن يتم ابلاغه من صاحب العلاقة وفقاً للأصول (محكمة التمييز المدنية، قرار رقم 78 تاريخ 23/7/1993). وبالتالي، يجب التنبه إلى هذه النقطة الجوهرية. وقد أكدت المادة السابعة من اتفاقية العمل رقم 158 على أنه لا ينهى استخدام عامل لأسباب ترتبط بسلوكه أو أدائه قبل أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه ضد الاداعاءات الموجهة إليه.
وبطبيعة الحال، يستحق للأجير أجراً لقاء عمله عن بُعد أي من منزله، حتى ولو لم يذهب إلى مقر العمل، في ظل أزمة الكورونا. ولا يمكن لصاحب العمل هنا ايقاف راتب الأجير، وإلاّ كان تصرف هذا الأخير في غير محله القانوني. وأشار الاجتهاد إلى عدم جواز صرف الأجير أثناء اجازته، وإلاّ يعتبر تصرف صاحب العمل مخالفاً للقانون ونكون بصدد صرف تعسفي مسنداً إلى سبب غير مقبول ومنطوياً بالتالي على التعسف في استعمال الحق بالصرف من العمل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 396 تاريخ 1/7/1999. وأيضاً: قرار رقم 119 تاريخ 11/4/1994. وأيضاً: قرار رقم 72 تاريخ 13/8/1991).
وأشار أنه في ظل الأزمة الصحية الطارئة التي انتشرت وتكاثرت، لا بد من نشر التوعية الصحية المعجلة وضبط أسعار السلع والمواد بصورة فعلية ووضع حد للتفلت الحاصل وإعفاء المواطنين والمؤسسات من بعض الرسوم والنفقات. وأكثر، يمكن أن يتم إجراء تعاون فعلي عاجل وواضح بين السلطة والمصارف يقضي بإعفاء المواطنين المتعثرين من تسديد بعض السندات الشهرية المتوجبة عليهم لفترة معينة لحين الانتهاء من الأزمة الراهنة (يمكن اعتماد مبدأ جدولة الديون من دون فوائد) على أن تبادر السلطة بالمقابل، إلى إعفاء المصارف المتعاونة من تسديد بعض الضرائب السنوية. فنكون عندها قد طبقنا مبدأ التضامن والتكافل الاجتماعي في ظل الظروف الطارئة سيما وان الوضع جماعي.

رئـيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية – فِكر
عضو الاتحاد العربي لحقوق الملكية الفكرية
عضو اتحاد المحامين العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى