المقالات

كتبت زهرة عارف العمر للوفاق

نُهبت إلى أن التهبت !

مدينةٌ منهوبةٌ ثقافيًا ، هذه حال طرابلس ” مدينة العلم و العلماء ” … تهافتت أنواع الحرمان على زرع جوعٍ خائفٍ داخل قلوب الطرابلسيين بهدف أن يورثوهم محدودية فكر حفاظاً على لقمة عيشٍ ، فهزلت .
مدينة زادتها أزمنة قديمة متعددة متانة و جمال ، فكان لكل عصر بصمته في أحيائها و لكل فكر حجر في قلاعها . كيف أودوا بها لقعر الظلمات ؟
عاشت المدينة فقرًا لامحدودًا و حرمانًا حادًا ، ويُحكى أن الخريطة كانت تضمها مرةً واحدةً كل أربعِ سنوات بليرات تحييها لأربعة أيام . كما هو الحال في وطننا و كما يقول اللبنانييون ” حكم القوي عالضعيف ” . فقاومت المدينة الخضوع لسلطة كل من أراد المتاجرة بجمالها ، و تاريخها ، و أبناءها … شُوِّهت ، نُهِبت ، استُغِلَّت ، و توفي بعدها أملٌ خالدٌ بمجدٍ لا يُقهر. جعلوا منها ضحيةً مرتميةً خلف أبواب سياسية مصالح خاصة ترتدي عباءة العيش المشترك و الإنفتاح المحلي على العالم .
هذا كله ، لم يقهر مدينة لهيبها صمد ليرحِّب بالمزيد من سمفونيات الألم الغافية تحت خطابات وعود كاذبة . و هل يقتل الابن والدته الحاضنة عبر نظرة جهل متفاخرة ؟
ظهرت و بشكل كبير في الفترة الأخيرة في المدينة ظاهرة ” إدعاء المعرفة ” ، حيث ان بعض العارفين بتاريخ تراث طرابلس و آثارها المتنوعة ، يصنف نفسه دليلاً سياحيا ،ً يمارس نشاطه بشكل طبيعي ، في محاولة اشباع فضول الرواد حول هذه العراقة الدافئة . و لا شك هنا أن للمواطن الحق في التغني و التعريف عن حضنٍ ألمَّ به و لمَّه من جوانب شتى و لكن ماذا ان برزت المغالطات و اختلفت الأدوار ؟
تتصارع عهود الماضي داخل عقول أبناء الحاضر ، لترسم مستقبلاً مجهولاً و جاهلًا . تقع المعلومة الخاطئة على آذان المستمعين كعودِ كبريتٍ أحرق القشَّ و هكذا دواليك – فيما لو استمر التسويق المغلوط للمدينة – فإننا ننهب بأنفسنا تاريخنا و نصنع آخر ، لنودع حينها ارثاً ثقافياً تراثيًا مهيباً و نُتَّهم بالثقافة الزائفة .
لكل حجر في طرابلس قصة . تملك طرابلس مراجعاً تاريخيةً لا يستهان بها عندما يعترينا الشك حول مصداقية ما نسمع او ما نريد التفوه به ، و لعلّ أهم تلك المراجع التي بإمكانها أن تكون كنزاً بين أيدينا جميعا مؤلفات المؤرخ الطرابلسي ” عمر عبد السلام تدمري “. مؤرخٌ ملمٌ بتاريخ المدينة من كل الجوانب المحيطة بمعالمها التي تتخطى المئة و ستة عشر معلِماً أثرياً ، فكان لنا بالفعل عالماً أثرياً مهيباً كمحاولة حاسمة لإنقاذِ مجدٍ أضاعته التسميات و المفاهيم . بالإضافة لنشاط ” نادي آثار طرابلس” في التعريفِ السليم عن مدينة كثُرَ بها المعرّفون و تاه العارِفون.
ظاهرة ” ادعاء المعرفة ” تحدٍ طائش علينا التصدي له بحسٍ من المسؤولية و الإنتماء الحق . ألا يكفي هذه المدينة ما تقاسيه من مُرٍ يمارس حريته بالتجول في قطاعاتها و مجالاتها كافة لنزوّدها بتضليلِ أصالةٍ حساسةٍ ؟
وجه الجمال اللبناني ، مدينة تحمل على عاتقها تاريخًا متصديَّا لمن أراد بها تشويهاً مُفتعلاً … أليس من حق الرائعة المحرومة التي تحضن أبناء علم و معرفة و اطلاع واسع أن نكرمها بمعرفةٍ صحيحةٍ لما عاشته من ندوب خلف جدران الذاكرة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى