المقالات

قانون عمر، لا قانون قيصر! – كتب: د. قصي الحسين

قانون قيصر، ثقيل على الناس في بلادي. لم ينفعهم في شيء. زاد البلاء بلاء. وزاد الفجور فجورا. وزاد الظلم ظلما.
قانون قيصر، وضع للإقتصاص من الشعب. وهل هذا ماكان يريده المشرع، أن يقتص الحكام من الشعب؟
كيف يقبل العالم المتمدن، الشعب المتمدن. كيف تقبل الشعوب المتمدنة، بالإقتصاص من الشعب.
جميع الشرائع القديمة، وجميع الشرائع الحديثة، وضعت لحفظ حقوق الناس. وضعت لحفظ حقوق الشعوب كافة.
القوانين تنطلق عادة من أساس متين. تضع الناس جميعا أمامها. تقدم لهم الرحمة. وتقدم لهم المودة. وتقدم لهم المساعدة، لما يحتاجه الإنسان بعامة، من تحقيق عيشه، ومن توفير كرامته. ومن تأمين الحماية له، بعدم الإعتداء عليه.
قانون قيصر، الذي يتأسس على المعاقبة على الجريمة. الذي يتأسس على معاقبة المجرمين الذين قاموا بفعل الجريمة. وبالتشنيع بالقتلى. وبالتشنيع بالأسرى. وبالتشنيع بالمساجين. إنما يزيد الطين بلا، بحصار أهل هؤلاء القتلى،وحصار أهل هؤلاء القتلى، وحصار أهل هؤلاء المساجين. وفي القرآن الكريم: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
قانون قيصر، فرض الجوع على عموم الناس. وهل في بلاد الدنيا، مشرع يفرض الجوع والتجويع على الناس.
تراه يحاصر الشعب الفقير، بلقمة عيشه. يحاصره بزاده. يحاصره بحوائجه التي تجعله، يستمر على قيد الحياة، بأمن وكرامة.
يعاقب أيضا الشعوب المجاورة. يعاقب أيضا الشعوب البعيدة. يعاقب أيضا شعبه، فلا يسمح للناس في بلاده إقامة الأعمال والتجارات، و”البزنس” المعتاد بين الشعوب، بكل حرية. ودون المساس بحقوقهم التي هي هبة من خالقهم الرحيم العادل، لا من سيدهم الظالم القاهر المتجبر.
قانون قيصر، مثل الأفعى التي تعض نفسها. وتعض ما تطال من الأفاعي في دربها. هيجتها جرثومة السم في نابها، فصارت تجد من نفسها، طيشا على الناس، أينما وقعوا لها.
أزعم أن المشرع الذي أوعز بقانون قيصر، إنما كان يريد المعاقبة على فعل الجريمة، لا على أختها. فكيف يتحول عن غايته، ليأخذ الناس الآمنين كلهم رهينة. فكيف يقبل المشرع أصلا، بفكرة الإقتصاص من الرهينة.
قانون عمر في غابر الزمان، كان بالناس، عموم الناس، أرحم.
قانون عمر، في أول الإسلام كان أعظم.
كان عمر بن الخطاب، في فناء داره، يجفف ثوبه، حتى يعود لإرتدائه من جديد، حين وقف عليه شاب من يهود مصر، يشكو إليه جرما بسيطا لحق به من إبن عمرو بن العاص، فاتح مصر في أيام عمر بن الخطاب، وواليها.
قال اليهودي: “شهدت هذا الموسم، سباق الخيال، على أرض الكنانة. فتقدم رأس فرسي، على رأس فرس إبن عمر بن العاص. فما كان من إبن عمرو بن العاص، إلا أن نفر بها إلي، وتقدمت فرسه على فرسي. وتناول درته، وهشم بها أنفي.
فدخل الخليفة عمر بن الخطاب على الفور، إلى دارته، وطلب قلما وقرطاسا. وكتب:
” من عمر بن الخطاب -خليفة المسلمين- إلى عمرو بن العاص، والي مصر. يدك في الكتاب، ورجلك في الركاب. ومعك إبنك غريم هذا الشاب.” ثم طلب من الرجل اليهودي، أن يعود إلى مصر، ليسلمه خطابه. ويصطحب عمرو بن العاص وإبنه إليه.
عاد الرجل، ومعه غريمه ووالده. فأخذ عمر بن الخطاب الدرة من يد عمرو بن العاص، وأعطاها لليهودي، وقال له: أهشم أنف إبن عمر بن العاص مثلما هشم أنفك. فهشم أنفه. ثم قال لليهودي: أهشم أنف عمرو بن العاص والي مصر. فإمتنع اليهودي عن ذلك. فأعاد عليه عمرخطابه: أهشم أنف عمرو بن العاص، فوالله، ما هشم أبنه أنفك إلا بسلطان من أبيه!”.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى