التحقيقات

الحل ليس بتغيير الأشخاص بل تغيير السياسة والإدارة السيئة

أليس ظلما”أن غير المتعلم وغير المثقف النخبوي المستقل يحصل على مبالغ كبيرة بالليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي من جراء المتاجرة بالمواد الإستهلاكية والأعمال اليدوية مثل ميكانيك السيارات والبناء حسب سعر السوق السوداء للدولار ومن جراء المضاربة فيما المتعلم والمثقف النخبوي المستقل الذي يملك إجازة جامعية في الصحافة والإعلام أو أي اختصاص آخر ويعمل في مجال الصحافة والإعلام والكتابة والنقد والإعلانات لا يحصل إلا على القليل القليل من المال بالليرة اللبنانية، الذي لايكفي بدل النقل والمواصلات والإتصالات والحاجات الضرورية؟
هل المطلوب هو إفقار المتعلم والمثقف النخبوي المستقل الذي يحمل إجازة في اختصاص معين ويعمل به أو لايجد عملا”ملائما” في هذا المجال أو المجالات القريبة منه؟ وهل المطلوب إذلاله وتحقيره ودفعه إلى “الإستزلام” والتبعية والولاء لمن يسمى “زعيم الطائفة” أو الحزب أو الجماعة أو طلب “الواسطة” و الشفاعة منهم ليحصل على وظيفة أو فرصة عمل ودخل يكفي حاجاته الضرورية ولو كان يريد ذلك لما اختار العمل بعلمه وثقافته وكفاءته حرا”مستقلا” أو صبر على غياب فرصة عمل جيدة طول هذه السنوات؟!
إن الذين افتعلوا وسببوا هذه الأزمة المالية والنقدية والإقتصادية لايريدون إلا مصالحهم والسلطة والمناصب والنفوذ وخدمة مصالح دول خارجية ونفوذها، لذلك لايهمهم أمر الفرد أو المواطن غير التابع أو المحسوب لهم، والذي لا يخدمهم ولايستفيدون منه وإن كان متعلما”ومثقفا” نخبويا”وذا اختصاص وإبداع وتمايز وإنتاج في مجال معين، ولا يهمهم إن لم يستطع الحصول على فرصة عمل أو وظيفة ودخل يكفي تأمين حاجاته الضرورية ومصاريف تنقلاته واتصالاته في مقابل الغلاء الفاحش الذي يشمل مختلف المواد والسلع والخدمات الأساسية والضرورية، ولا يهمهم إذا تعرض للإهانة والتضييق والتوحش ولا أقول التنمر من قبل الجهال وغير المثقفين النخبويين والسطحيين والوقحين والمستفيدين من هذه الأزمة مالياً واقتصادياً ومعنوياً وأغلبهم تابعون أو محسوبون لهم. ولايهمهم إن كان غير المتعلم وغير المثقف النخبوي يحصل على دخل بالليرة أو الدولار أكثر بكثير مما يحصل عليه المتعلم والمثقف النخبوي المستقل ذو الإجازة في اختصاص أو مجال معين. فهذا منتهى الظلم. فليست العدالة في أن من كان فقيراً قبل هذه الأزمة أصبح غنيا”أوأصبح يحصل على دخل مرتفع بعد الأزمة بسبب الإستفادة من ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة أو الصرافة أو المضاربة، فيما الذي كان متوسط الحال قبل الأزمة أصبح فقيراً بعد الأزمة أو تعطل عمله أو أصبح يحصل على دخل محدود جداً أو منخفض جدا” لايكفي تأمين حاجاته ومصاريفه الضرورية. فالعدالة هي التوازن بين الدخول والرواتب والأجور لا المساواة المطلقة بينها، فالمهم أن يكفي الدخل الفرد لتأمين حاجاته ومصاريفه المختلفة. والعدالة تقتضي أن يحصل المتعلم والمثقف النخبوي ذو الإجازة الجامعية في اختصاص معين على دخل أكثر مما يحصل عليه غير المتعلم وغير المثقف النخبوي الذي لايملك إجازة جامعية في اختصاص معين، فيما الواقع مختلف تماماً، وهذا الواقع موجود منذ ما قبل الأزمة الحالية ولكنه اشتد بعدها.
إن ما يهم السياسيين والذين يسمون “زعماء طوائف” والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية والسلطات الدينية الطائفية والذين يسمون “ثوارا” “وتغييرييين هو الزعامة والسلطة والمناصب والنفوذ ومصالحهم وأتباعهم وخدمة لعبة الدول الخارجية ومصالحها ونفوذها، ولاتهمهم العدالة والحرية والإستقلال الحقيقيين والتنمية والإيمان الحقيقي وجوهر الدين وإنهاء هذه الأزمة التي سببوها وافتعلوها منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويهتمون بلعبة السياسة الآنية المحلية والإقليمية والإنتخابات وخاصة انتخاب رئيس الجمهورية أكثر مما يهتمون بالعدالة والتنمية والحرية والإستقلال الحقيقيين والكرامة الفردية وإنهاء الأزمة التي سببوها وافتعلوها، وهمهم إيصال هذا الشخص أو ذاك إلى المناصب وخاصة منصب رئيس الجمهورية تحت عنوان تمثيل الطوائف والمذاهب، والحل والمنقذ، كأن الحل يقتصر على تغيير الأشخاص وكلهم يدورون في أفلاكهم وإن قيل: هذا الشخص المرشح مستقل أو غير حزبي. فالمشكلة هي مشكلة نظام انتخابي عددي طائفي حزبي ولعبة دولية إقليمية وسياسة وإدارة سيئة. وقد تم تأليف حكومتين منذ أزمة 17تشرين الأول 2019 حتى اليوم وأجريت انتخابات نيابية ولم تتحسن الأوضاع المالية والنقدية والإقتصادية والإنمائية والإجتماعية والمعنوية والنفسية واستمر إختلال التوازن والظلم وغياب الحرية الحقيقية، فهل انتخاب رئيس الجمهورية سيجعل الأوضاع أفضل؟
الجواب: لن تتحسن الأوضاع للأفضل لأن مفهوم السياسة لديهم ليس الإختصاص والعلم والنخبة المستقلة والإدارة والتنمية وتحسين الأوضاع بل مفهومها لديهم هو الزعامة الطائفية والشعبية والحزبية والإنتخابات والسلطة والمنصب والنفوذ وحصصهم ومصالحهم والتابعين والمحسوبين لهم وخدمة اللعبة الدولية الإقليمية ومصالحها ونفوذها. وهل الدين أو المذاهب الدينية التي يدّعون تمثيلها ستدفعهم إلى العمل لأجل العدالة والتوازن والتنمية والحرية الحقيقية؟ الجواب :كلا، لأنهم يأخذون من الدين الجانب الجماعي والمسيّس أو الجانب الطائفي والمذهبي والحزبي الذي يركز على تقديس أشخاص والولاء لهم والمناسبات المذهبية والطائفية والمظاهر والمعتقدات والمفاهيم والعادات والطقوس اللاعقلانية التي تتنافى مع الإيمان الحقيقي وجوهر الدين وتتعارض مع العدالة والحرية والإستقلال الفرديين والتنمية والتطور والتغيير للأفضل، فهم يستغلون الدين والمذاهب لأجل الزعامة والسلطة والمناصب والنفوذ وحصصهم ومصالحهم والتابعين لهم وخدمة اللعبة الدولية الإقليمية ومصالحها ونفوذها!!!
أسامة عارف إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى