المقالات

تشكيل الحكومة وإنقاذ لبنان … إلى أين؟-1 – عبد الله خالد

تقف اللغة عاجزة عن إعطاء وصف دقيق لحقيقة الوضع في لبنان والذي يندر أن تكون دولة أخرى في العالم قد مرت بوضع مماثل له. انه وضع معقد على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية انعكس سلباً على كافة المستويات في ظل شبكة حاكمة منقسمة على ذاتها – رغم تشابك أطرافها لأن كل طرف فيها يريد أن يلغي الأطراف الأخرى أو على الأقل يحجمها عبر تهميش دورها في مرحلة تتطلب أوسع تضامن وطني في مرحلة بالغة الخطورة تشهد انهياراً على كافة الأصعدة بينما يشير الواقع الى ان كل طرف يبحث عن مصالحه فقط دون الاهتمام بمصالح الاخرين وعلى الاخص الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود الذين يصرخون ان الفقر والبطالة والمجاعة والتهديد بالعتمة واختفاء البنزين والمازوت والغاز والدواء والطحين وبقية المواد الغذائية بدأت تختفي من الأسواق وتكدس في المستودعات باتتظار زيادة الأسعار على أمل ان يكدسوا المزيد من الأرباح بعد فرض زيادة الأسعار بحجة تدني القدرة الشرائية للعملة الوطنية نتيجة ارتفاع سعر الدولار بشكل جنوني وكاد يلامس 14000 ليرة للدولار الواحد بدلاً من1500 ليرة الأمر الذي سبب أزمتين في وقت واحد ارتفاع جنوني في أسعار السلع وفقدانها من الأسواق. ومع تزايد الحديث عن رفع الدعم عن المواد الأساسية أو ترشيده – علماً انه رفع عملياً عن بعضها- مع التأكيد على ان أموال الدعم صبت في جيوب الأغنياء دون أن تظهر السلع المدعومة في الأسواق ليستفيد منها الفقراء وذوي الدخل المحدود بل هربت إلى الخارج وظهرت في أسواق أكثر من دولة لضمان المزيد من الربح للأغنياء بعد أن حرم منها من يستحقها.
الأمر المستغرب ان كل ما جرى ويجري وسيجري يتم في ظل فراغ حكومي مستمر منذ تسعة أشهر بعد استقالة الرئيس سعد الحريري تلبية لمطالب حراك 17 تشرين على أمل أن يعود للحكم مرة أخرى فارضاً شروطه على الجميع. ومع استحالة تحقيق هذا الأمر جاءت تجربة تكليف السفير مصطفى أديب انطلاقاً من المبادرة الفرنسية الذي جوبه بعقبات وعراقيل متعددة جعلته يعتذر عن إكمال المهمة رغم جدارته التي أثبتها في الحقلين الجامعي والديبلوماسي.
مع مرحلة التكليف الثانية كانت الأغلبية النيابية حسمت أمرها حين فصلت بين عمليتي التأليف والتكليف وهكذا كلف الرئيس الحريري بتشكيل حكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين مهمتها إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي وتحديداً صندوق النقد في ظل أزمة حادة وحصار غير مسبوق هدفه إجبار لبنان على تنفيذ مطالب يصعب حصول إجماع عليها من قبل اللبنانيين. ومع بدء المشاورات الهادفة إلى تشكيل الحكومة برزت عقبات بعضها خارجي وأغلبها داخلي تتعلق بتفسير الدستور الذي لم تحترمه الشبكة الحاكمة يوما مقدمة مصالحها الذاتية على المصلحة الوطنية الجامعة وتفسير اتفاق الطائف الذي لم تنفذ أغلب بنوده الأساسية وسقوط التسوية الرئاسية التي أوصلت الرئيس عون إلى قصر بعبدا مقابل وصول الرئيس الحريري إلى القصر الحكومي بعد انتهاء شهر العسل بين الرئيس الحريري والوزير باسيل. وكان من البديهي أن ينعكس سقوط التسوية الرئاسية سلباً على العلاقة التي جمعت الحريري وباسيل وأن يصبح لكل منهما مشروعه الخاص والتزاماته السياسية مع الأطراف الأخرى وأن يؤثر على مسار تشكيل الحكومة وبالتالي العلاقة بين الرئيسين عون – وامتداداً باسيل – والرئيس المكلف وإلى خلط الأوراق السياسية – وامتداداً التحالفات – التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يفترض أن تجري العام المقبل خصوصاً وان الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا يمكن أن يتكرر الأمر الذي يعطي الحكومة الجديدة ورئيسها مهمة القيام بمهام رئاسة الجمهورية الأمر الذي يدفع كل طرف لمحاولة الهيمنة على قرار الحكومة المستقبلية وهذا ما جعل الجميع يدرون في حلقة مفرغة في عملية التشكيل لضمان النجاح في معركة يمكن أن تجري بعد عام دون إهمال العوامل الأخرى الخارجية والداخلية وتناتش الحصص الذي عزز التناقض الطائفي والمذهبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى