إجتماعيات

وداعًا عبد القادر الأسمر \ الأخ الذي ما من أُخُوّتِهِ بُدُّ ! كتب: الدكتور مصطفى الحلوة

سبعُ سنوات عِجاف ،وورِيَ خلالها الثرى كوكبةٌ من عُصبتنا، ولِنجدَنا اليومَ في عراء وحدة قاتلة،فنتساءل عن جدوى الحياة! كيف لا نفعل،وقد فقدنا من كان لدينا السندَ أو العضُدَ أو الجناح أو الجليس الأنيس ؟!
في العام 2014 سقطت ورقة أخينا د.مصباح الصمد،واسطة عَقدنا،فإنفرط العقدُ،وكما تقول العرب :”تفرّق الناسُ أيدي سبا”!..وتتابعت من ثمّ الجنازات والمآتم،من العميد د.عبد الغني عماد،إلى د.محمد حافظة،إلى د.أحمد الأمين،إلى الصديقين الحميمين،الرئيس القاضي د.وهيب دورة والأستاذ الياس نجيب حنّا،ولنستفيق أمس على خبر مفجع ،برحيل صديق الحداثة والشباب والكهولة،بل كل الفصول،الصحافي والأديب الإستثنائي والأستاذ الجامعي عبد القادر الأسمر،الذي شكّل إحدى العلامات الفارقة ،في مسار مدينتنا الإعلامي والفكري والثقافي ،كما على الساحة اللبنانية.
جمعتنا ،عبد القادر وأنا،ثانوية الحدادين الرسمية(صف العالي أول)،مطلع ستينيات القرن الماضي،ولتتوثّق عُرى صداقتنا،عبر صداقة المرحومتين والدتينا ،إذْ تزاملتا،لدى إحدى “الخوجايات”،حين كانت الخوجاية تشكّل المرحلة التحضيرية للدخول الى المدارس.هكذا فإن صداقتنا ،عبر والدتينا،غدت ذات مفعول رجعي،ترقى الى ما يقرب من مائة عام! وقد أخذت هذه الصداقة بُعدها الزمني الثالث،من خلال تتلمُذ إبنته جودي عليَّ في مدرسة راهبات عبرين.هكذا تماهت أجيالٌ ثلاثة في صهر صداقتنا،فغدت مزمنة مؤبّدة !
أُريقَ حبرٌ كثير ،هذين اليومين،في رثاء راحلنا،وجُلُّه ذوصُدقية ونابعٌ من القلب والوجدان،وهو قليلٌ قليلٌ من كثيرٌ كثير ! فعبدالقادر الأسمر ظاهرة،بكل ما تختزن الكلمة من محمولات،وما تشي به من تجليات وأبعاد.أجل ،هو ظاهرة إعلامية ذات أصالة،إغتذت من وسيع فكره،وبلاغة قلمه، ورقيق إنشائه السهل الممتنع،وسلامة كتابته،وهو من المتخصصين المبدعين في العربية.وقد تعمّدت كتاباته بفيض من روحه النقية الطاهرة…وهي سماتٌ قلّما نجدها ،لدى أصحاب القلم!
عاش عبد القادر غني النفس،على رُغم المعاناة التي كابدها،وهو يبني،مع أم الأولاد،أسرة صالحة ناجحة..لم يتسكّع على باب أحد،ولم يطلب لنفسه موقعًا.بل إن المواقع ،التي شغلها في عالم الصحافة والكتابة والتعليم الجامعي،جاءته دونما عناء وذلّ السؤال!
لقد أثرى عبد القادر الذاكرة الطرابلسية بعظيم كتاباته ،المفيدة والممتعة في آن. غاص على تاريخ طرابلس ورجالاتها ومحطاتها المجيدة وعاداتها المحمودة والتقاليد،عبر مئات المقالات والأبحاث والتقارير الصحفية .وقد نمّ بذلك عن سوسيولوجي من طراز رفيع.
دفع عبد القادر ضريبة كبيرة،بإستشهاد إبنه البكر،في الجيش اللبناني،وهو يفكك عبوة ناسفة من مخلفات العدو الإسرائيلي ،في حرب تموز 2006. تجلّد،صبر وصابر،متأسيًّا قوله تعالى”إن الله مع الصابرين إذا صبروا”.ولا عجب ،فهو المسلم ذو الإيمان الراسخ،رسوخ الجبال.ولكنه الإبن-عزيزي- وفلذة من كبده،فأضناه المرض،وراح يتأكّلُه ،عضوًا فعضوًا،حتى خار منه العزم وأصابه الشلل!…لم يستسلم،تحامل على الشلل النصفي وما تيسّر من أمراضه،واستمر في الكتابة،فهي إكسير روحه.وقد كانت جودي إلى جانبه،بما يردّنا إلى قول أبي العلاء المعري :”أنا إنسانٌ مُستطيعٌ بغيره!”..كنا نتهاتف ،في السنوات الأخيرة من مرضه،وكان يجد صعوبة أحيانًا في النطق…أقعده المرض مؤخرًا،فكنّا نتقصّى أوضاعه ،من خلال جودي…
لا تحزن ،أخي عبد القادر ،وقد غادرتَ هذه الدنيا الفانية إلى دار البقاء،فلك في أبنائك ،لاسيما في جودي ما يعوضك ويعوضنا عن خسارتنا فيك !رحمك الله رحمة واسعة،وجعل الجنة مستقرك ومأواك،والعزاء للسيدة الصابرة،أم الشهيد،أم ماجد،وجميل الصبر لها وللأبناء ولذويك وقادريك ،وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى