المقالات

تحت الجمر كتب:\د. قصي الحسين

يعيش سكان لبنان اليوم، مثل سكان جزيرة “لا بالما” الإسبانية في جزر الكناري، بعد إنفجار بركان ” كمبر فيجا”، تحت الجمر.
أزمة محروقات ضربته بقوة، جعلت الفقراء يخزنونه تحت أسرتهم في غرف نومهم. عنيت فقراء الموتورات.
و جعلت الأثرياء، يخزنونه تحت مكاتبهم وخلف خزائنهم، وفي غرف المونة، وفي الملجأ، وفي الغرف الخلفية لدورهم وبيوتهم، وفي الحمامات، وخلف خزائن المطبخ، وفي غرف المصعد على السطح، عنيت الموظفين والتجار وأصحاب الدكاكين.
يوميا، ترى مدراء الفنادق وأصحاب المحال التجارية وأصحاب الأعمال الأخرى في الشركات والمؤسسات الخاصة والرسمية وغيرها، يتخذون عمالا على الموتو، يرسلونهم مثل الأشباح، ويطلبون منهم، أن ينطلقوا منذ الصباح الباكر، للبحث عن محطات الوقود، للإشتغال بتعبئة غالونات البنزين وإفراغها في الخزانات التي يملكونها. يطلبون ممن يملك “موتو”، أن يبدأ بمزاولة العمل، منذ الصباح الباكر، وحتى أخر محطة وقود تفتح أبوابها في المساء.
ترى مستودعات الفنادق والمطاعم والمنتجعات، تملك أسطولا من الموتو، تذهب فارغة وتعود معبأة. تفرغ حمولتها، في الخزانات بعيدا عن الأنظار، لصالح الإدارة التي بدأت تطلب سرا، موظفين عاملين على الموتو لتعبئة الخزانات بالبنزين والمازوت. و يحملون لهم أيضا قوارير الغاز.
سكان لبنان هاجسهم اليومي، لغم المحروقات، الذي يدس لهم في شوارعهم، وفي أحيائهم وفي عماراتهم، وفي شققهم و في منازلهم، وتحت أسرتهم. تراهم يتوسدون النار، وأيديهم على قلوبهم، خشية الإنفجار.
وبعيد تفجير مرفأ بيروت، ب”نترات الأمونيوم”، بدأت حملات المداهمة تكشف عن تخزينها بين بيوتهم وفي أحيائهم، وفي مدنهم وقراهم. يجعلون لها خزانات عظيمة تتسع لأكثر من ملايين الليترات.
صار سكان لبنان تحت جمر “نيترات الأمونيوم” أينما كان. فهم لا يعرفون، أين مخازنها. ولا يعرفون أيضا الكميات المخزنة. ولكنهم رأوا بأم أعينهم، جريمة تفجير المرفأ، بالأقل الأقل مما هو مخزن، في المخازن المجهولة الجهات، والمجهولة الهويات. ولكنها غير مجهولة الأهداف.
“شاحنات النيترات”، تجول اليوم بعد “نجاح” عملية تفجير المرفأ، في جميع المناطق اللبنانية بلا إستثناء. تبحث عن ملاذ آمن للعبث بأمن البلاد وتفجيره، وضرب كل عناوين الأمن والإستقرار أينما وأنى كان، كرمى لعيون الأعداء.
لبنان اليوم تحت جمر المولدات. تحت جمر محطات توليد الكهرباء.
شلل اللصوص تتعاون مع شلل تجار الكهرباء لسرقة التيار وبيعه في السوق السوداء.
يفجرون محطة، لأجل تشغيل محطة غيرها. يحرقون قلوب الناس.
تشتعل المحطات ليلا. يدون رجال الأدلة الجنائية حوادثها في الخانة العمياء، بأنها مجهولة الأسباب.
يقدم اللصوص، على إقتحام المحطات في الليل وفي النهار. يأخذون منها ما يريدون: من أسلاك ومن محولات ومن علب تشغيلية. يعطلون محطة ويتلفونها. ثم لا تلبث أن تنفجر بالناس.
حريق لبنان بدأ بحرائق الصيف. قرى بأكملها إحترقت. جبال بأكملها إحترقت. ثم إستكملت النيران، بالنيترات، وبأسلاك الكهرباء. وتعداها إلى خزانات وصهاريج المازوت والبنزين. واليوم صارت النيران أمام العقوبات.
أرتال الصهاريج الإيرانية، حملت هما جديدا، إلى لبنان. كيف يمكن للبنان أن يتقي الضربات. كيف يمكن له أن يتقي العقوبات. كيف يمكن له أن يتقي الحرائق، وهو على فوهة البركان.
لبنان اليوم تحت الجمر: جمر الغلاء. وجمر الدواء. وجمر المستشفيات وجمر طوابير الذل أينما كان.
إكتشفوا أخيرا، خارطة الطريق إلى الطوابير لإذلال المواطنين، وحرق أعصابهم في الإنتظار لساعات وساعات، بدل الذهاب ألى أعمالهم، وإطفاء جوع عيالهم، على أبواب المدارس والجامعات.
ليس بنيترات الأمونيوم،وحدها، يحرق لبنان، بل بجمر المحروقات، وجمر الطوابير وجمر الكهرباء. وجمر المولدات. بل بجمر الإنتظار.
لبنان اليوم، كله تحت الجمر، كما جزيرة “لا بالما” الإسبانية، بعد بركان “كمبر فيجا”، في جزر الكناري، الذي تفجر بالأمس، بعد أن ظل هامدا لأكثر من خمسين عاما.
لبنان اليوم تحت جمر البراكين المبرمجة، على أيدي الشياطين، من أقصاه إلى أقصاه.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى