المقالات

وداعًا نزيه كبّارة،إذْ ترجّلتَ عن سُدّة مجدِ الثقافة…ولكنك ما ارتحلت ! كتب: د مصطفى الحلوة

لن أرثيك،أستاذي النزيه،وقد انهمرت علينا، عشيّة تشييعك،عشرات الآيات البيّنات، في رثائك.بل سأستعيد بعضًا مما قلتُه ،يومَ تكريمك في “مركز الصفدي الثقافي”(الجمعة 3أيار 2016)،برعاية وزير الثقافة الأسبق ريمون عريجي.
“..نزيه كبارة ،الذي نَعَتَه الصديق الوزير رشيد درباس بوالي الثقافة في فيحائنا ،ونصَّبَه عبد القادر الأسمر وزيرَ ثقافة ظل لطرابلس والشمال، قد أُعطِيَ مجدَ الكلمة،فسما بها، وبه سمت الكلمة،فلا تدري أيّهما الأسبقُ حضورًا،وأيّهما الخالق وأيّهما المخلوق!(…)هو المثقف الموسوعي،والتربوي الذي لا يُشقُّ له غبار في ميدان التربية،والحقوقي اللامع،وسيّدُ المنابر. وهو الأستاذ الجامعي المبرّز. بل هو من له ،في كل عُرس من أعراس الفكر والثقافة ،قرصٌ،وأيّ قرص! نزيه كبّارة،أأحببتَه أم لم تُحْبِبْه-معاذَ الله أن يكون له كارهون- طَبَع بميسمه مرحلة جديدة من زمن فيحائنا الجميل،وشغل المشهد الثقافي الشمالي ،كما لم يشغله أحدٌ من قبل! ولسوف يُقالُ يومًا:ثمة مرحلةٌ هي مرحلة نزيه كبّارة،فأعظِمْ بها من مرحلة ! نزيه كبّارة مثال الدماثة واللياقة والكياسة،يأسرك برفيع أخلاقه،قبل أن يأسرك ببليغ كلامه،فهو هاروتُ ينفثُ السحرَ الحلال! غرس فينا-نحن طلّابَه- لوثةَ العربية،فراحت تدبُّ في عظامنا وتسري في العروق ! علّمنا عشقها،وما كان العشقُ ليُتَعَلَّمَ إلّا على يدَي ساحر! نزيه كبّارة حفظ الذاكرة الطرابلسية والشمالية من الضياع. فقد توفّر ،بجهد دؤوب،على أنبوشاتها: صحافةً وأدبًا ورجالاتٍ أعلامًا، فكانت أسفارٌ وأُمّهاتُ كُتُب ،نفيءُ إليها،فنتعرّف فيحاءنا وشمالنا،منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى عصرنا الحاضر”
ما يحزُّ في القلب أن النزيه أغمض عينيه على هذه الدنيا الفانية،قبل أن يحقّق أمنيته،بالمشاركة في احتفالية”مدينة طرابلس-لبنان- عاصمة للثقافة العربية” ،المقرّرة من قبل “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم”(الكسو).وقد أعلمني أخي د.سابا زريق أن النزيه إستودعه،عندما اشتدّ عليه المرض،أُخريات أيامه،تصوّرًا تفصيليًا لفعاليات وأنشطة، يقترحها للاحتفالية العتيدة. إنها الأمانة/الأمنية التي وضعها في عُهدة مَن يُستأمن على الودائع،لاسيما إذا كانت ذات طابع فكري ثقافي ومنذورة للفيحاء !
رحِمكَ الله ،أستاذي النزيه، رحمة واسعة ،وجعل الجنّة مُستقرّك ومأواك، وليس لي إلّا أن أُردّد ما قلتُ ه،يومَ تكريمك -وقد دعوتُه “يوم نزيه كبّارة”-: ستبقى ،أستاذَنا الكبير،منحفرًا في الذاكرة الطرابلسية والشمالية، فأنت من صُنّاع مجدها، وأنت أحدُ باعثي نهضتها من رميم!”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى