إجتماعيات

الإعلام وظاهرة الطلاق .. مُطالعة شاملة بقلم: حمزة حماد

بقلم الصحفي/ حمزة حماد

لم يعد الواقع الفلسطيني قادرًا على مواصلة العملية البنيوية السليمة سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها، أمام التحديات الكبرى التي تعصف بالحياة العامة للإنسان الفلسطيني. حيث يتعرض المجتمع برمته إلى أزمة حقيقية تتفاقم مع زيادة معدل حالات الطلاق كمشكلة اجتماعية بدأت تأخذ منحى تصاعدي نتيجة التراكم الملحوظ للعوامل المساعدة على انتشارها، الأمر الذي جعل الباحثين والإعلاميين وأصحاب الرأي يتناولون هذه القضية من منظور إنساني، وديني، وأخلاقي، إضافة إلى الدراسات والأبحاث المتنوعة.

خلال عملية بحث موسعة طالعتُ من خلالها أسباب الطلاق وأهم مشكلاته، إضافة للأثار المترتبة عليه، لوحظ أن هناك حاجة مُلحة لإبراز دور الإعلام الفلسطيني في مكافحة هذه الظاهرة، حيث يساهم الإعلام في إحداث التغيير وتشكيل الوعي الاجتماعي لدى الإنسان، من خلال التقدم في عملية الإدراك للأشياء من حوله وتنمية التفكير العقلي، خاصة وأن المجتمع الفلسطيني يمر بأزمات عديدة ومتفاقمة على كافة الأصعدة. فيما تُعد ظاهرة الطلاق من المشكلات الاجتماعية الأكثر قلقًا وخطرًا، لأنها تؤثر بشكلِ سلبي على كافة مناحي الحياة للإنسان، وأمراً مؤرقاً وبحاجة لعلاج من المختصين والمهتمين مما ينتج عنها من تفكك أسري واختلال النسيج الاجتماعي.

ومن دواعي الاهتمام بهذا الموضوع، ضرورة الوقوف على أسباب حالة الطلاق في المجتمع الفلسطيني الذي يعاني من ظروف سياسية منقسمة، واقتصادية متردية، واجتماعية معقدة، خاصة وأن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قد كشف عن وقوعات الطلاق المسجلة في فلسطين حسب نوع الطلاق والمحافظة لعام 2020م والتي بلغت عدد إجمالي (8006) حالات طلاق، كما أن أهمية هذا الموضوع تكمن في الناحية الشرعية والاجتماعية، وتأثير البناء الأسري السليم على المجتمع.

تتجسد الأهمية في معرفة المشكلات التي تسببها ظاهرة الطلاق في المجتمع وأهمية معالجتها كعامل مهم في استقرار الأسرة الفلسطينية، إضافة إلى الآثار المترتبة على انتشار حالات الطلاق في المجتمع، وطرق الحد منها، وللطلاق مفهوم واحد عنوانه “إنهاء العلاقة الزوجية”. فيما أصبح لا يخفى على أحد أسباب انتشار ظاهرة الطلاق في ظل تفاقم الأزمات المجتمعية، والتي يمكن حصرها وفقًا لعملية البحث، ومن أبرزها: (الفقر، البطالة، الحصار الإسرائيلي، الانقسام والظروف السياسية الصعبة، التقدم والتطور التكنولوجي، الاستخدام السلبي لوسائل الإعلام الجديد، الإعلام وانتشار الفضائيات المختلفة، الفقر العاطفي بين الزوجين، غياب الواقعية في الزواج، غياب الوعي عند الزوجين، انتشار الكحول والمخدرات، الانفتاح الثقافي)، إضافة لأسباب أخرى من وجهة نظر القضاة الشرعيين مثل (سوء اختيار شريك الحياة، الزواج الثاني، السكن المشترك مع الأهل، عدم تحمل المسؤولية من قبل الزوج أو الزوجة، تدخل أهل الزوجة الدائم في حياتهم الخاصة، قلة الالتزام الديني، التقصير في تأدية الزوج لحقوق الزوجة، بخل الزوج أو عدم قدرته على النفقة، عدم الإنجاب (العقم)، الخيانة الزوجية، الإساءة الجسدية، الفارق العمري بين الزوجين).

وفي اليوم الثامن من آذار الذي يصادف يوم المرأة العالمي، نحمل رسالة محبة وتقدير للمرأة الفلسطينية التي تأخذ رمزية النضال في مشوار حياتها، وتواجه ظروفاً ذاتية وموضوعية أمام ممارسة حقوقها كافة، لذلك فإن الحذر مطلوب من عملية “الاستسهال” أو “الاستهانة” بقضية الطلاق لأنه يؤدي إلى تراكم وانتشار مشكلات مختلفة منها يتعلق بالجانب الاجتماعي، والنفسي، والاقتصادي، والثقافي، إضافة إلى التطور التكنولوجي الواسع والمتمثل في وسائل الإعلام الخارجية وما تبثه من مواد مسمومة والتي تحتوي على مواد لا تناسب أخلاقيات وعادات المجتمع الفلسطيني، وأن طبيعة هذه المشكلات يتم فيها تجاوز الحد المعقول كمشكلة يترتب عليها أثارًا، إنما باتت تهدد المستقبل، وتحوله إلى نفقًا مُظلمًا ينتشر فيه الانحرافات والاضطرابات والظواهر السلبية.

وأمام تعدد الآثار المترتبة على هذه الظاهرة التي تحمل نسبًا يمكن وصفها بالغريبة عن مجتمعنا الفلسطيني، في حال أردنا أن نقارنها بالسنوات السابقة التي كانت تخلو من بعض الأسباب الرئيسية كالانقسام السياسي الذي أفسد حياة الانسان الفلسطيني في مختلف المجالات، وطالت هذه الآثار كل من المجتمع وتشمل (تفكك لحُمة المجتمع وانتشار الخلافات والمنازعات بين الأفراد، وزعزعة الجوانب الاجتماعية والمادية والأمنية للمجتمع، وانتشار القتل والشجار بين أفرد المجتمع، وتدمير كيان المجتمع وهشاشته(، أما الأبناء وتشمل (فقدان الأبناء للحب والحنان والإحساس بالأمان والعاطفة الأبوية خاصة إذا كانوا في مقتبل عمرهم، التمرد وانهيار للحالة النفسية، واحساس الأبناء بالفقد، والشعور بالتشتت، وممارسة السلوك العدواني)، أما على الزوجة يشمل (فقدان الزوجة للثقة بنفسها وزعزعة كيانها وذلك من خلال النظرة الدونية لها من أهلها ومن المجتمع على أنها مطلقة، كما على الزوج أيضًا ويشمل( صعوبة الاندماج من جديد في المجتمع والعائلة، والضغوط النفسية والاجتماعية، واليأس والاحباط، والشعور بالوحدة العاطفية، وتعرض الرجل للانحراف في محاولة للتخلص ونسيان مشاكله، شعور الرجل بالندم لما تركه الطلاق من آثار سلبية على حياته).

إن من يتفحص نسبة حالات الطلاق في المجتمع الفلسطيني منذ العام 2017 حتى 2020م يجد أن الأعداد أو النسبة لم تلمس أي تقدم ملحوظ، وهذا بالطبع يعكس الحالة والظرف الاجتماعي الاقتصادي الصعب الذي يمر فيه شعبنا. لذلك عند الحديث عن مسببات ظاهرة الطلاق نستذكر أهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذا نتيجة الغياب الواضح لحقوق الإنسان الفلسطيني الذي بات يعيش القهر والفقر الشديدين نتيجة ظُلم العالم، الذي أصبح يجاهر بتهميشه لشعب يعيش تحت الاحتلال، أو على الأقل الزام هذا المحتل على تحمل مسؤولياته كاملة. وبحسب تقرير رسمي صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يرصد حالات الطلاق في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) قد بلغ إجمالي عدد حالات الطلاق خلال عام 2020م نحو 8006 حالات طلاق، مقارنة مع 8551 حالة طلاق في 2019م، و8509 حالات طلاق خلال 2018م، و8568 حالة طلاق في 2017م.

كما ترتبط وسائل الإعلام المختلفة ارتباطًا وثيقًا بقضايا المجتمع لما لها من دور كبير في التأثير على الرأي العام، خاصة في علاقتها بمكافحة القضايا المعقدة التي يمكن أن تضر بحياة الانسان والمجتمع وتؤثر عليه بالسلب مثل “قضية الطلاق”. وتبرز أهمية وسائل الإعلام في تقديم قراءة وفهم جديد للأحداث بمنظور إعلامي نحو توعية الأفراد، حيث تعتبر المهمة الأسمى لها هي تسليط الضوء على مثل هذه القضايا الهامة التي تبرز أثارها ومخاطرها على حياة المجتمع ككل، ويسهم أيضًا في الضغط نحو ضرورة توفير الحياة الكريمة التي تكفل لكل أسرة حياة خالية من المشاكل والأزمات الاجتماعية، مما يساعد ذلك على أن يكون للإنسان مكانةً واحتراماً متبادلًا.

بعد المطالعة الشاملة ووفقًا للأسباب المذكورة في الأعلى، تبين أنه يمكن للإعلام أن يساهم في مكافحة هذه الظاهرة من خلال جانبين هما: الأول اجتماعيا ويركز على (تنمية الحوار والوعي الاجتماعي، نشر مواد إعلامية تتوافق مع الثقافة السائدة في المجتمع، وإبراز أهمية العلاقة بين الزوجين وأثرها على الأبناء، والتحذير من مخاطر استخدام التكنولوجيا الحديثة، وإعداد برامج وحلقات حول أهمية العلاقة الأسرية وأثرها، وتكوين صورة ذهنية في عقل الفرد حول فوائد المجتمع السليم، وتقديم نماذج زوجية ناجحة للرأي العام، وتحقيق التغيير المعرفي، واعتناء الصحف والمجلات بالحديث عن مشكلة الطلاق بأفكار علاجية وبشفافية دون مبالغة أو تحجيم للظاهرة من خلال متخصصين اجتماعيين، وتنظيم حملات إعلامية هادفة لمناصرة قضايا أفراد المجتمع، ومحاربة الأفكار القديمة والعادات والأعراف الجاهلية حول المرأة أو الرجل من منظور إسلامي)، أما الجانب الثاني اقتصاديًا ويشمل (إظهار مسببات الطلاق من الناحية الاقتصادية، ودعم المساواة بوقف كل أشكال التمييز في العمل، والرقابة على الأدوار الاقتصادية للحكومة، ومؤسسات المجتمع المدني، وغيرها خلال تقديم الخدمة للأفراد، ومحاربة الاستغلال الاقتصادي بحق أفراد المجتمع، وحث الجهات المسؤولة والمختصة على خلق خطط علاجية لمشكلات البطالة والفقر، والدعوة لتحقيق التمكين الاقتصادي لدى أفراد المجتمع، وتحقيق التكافل الاجتماعي).

إن مجمل ما تم استعراضه، ما هو إلا محاولة للفت أنظار المسؤولين الفلسطينيين على حجم الكارثة التي تحل بنا، وتسليط للضوء على أهم المشكلات التي أصبحت ظاهرة في مجتمعنا، وأنه بالإمكان أن يتم إيجاد حلول لمسبباتها من خلال إتباع جملة من التوصيات وأهمها: التأكيد على دور وسائل الإعلام في تثقيف أفراد المجتمع بمخاطر الطلاق، وعقد ندوات ومحاضرات من قبل القضاة والعاملين في المحاكم والمهتمين بضرورة تعريف الشباب بما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات من أجل تكوين أسرة سليمة، والإكثار من حسابات التواصل الاجتماعي المهتمة بالإرشاد الأسري التي تدار من قبل أناس مختصين وأهل للثقة، وتحصين الأسرة بعد تبيان مخاطر تفككها، وإلفات النظر إلى أن سلامة المجتمع للعيش براحة، لا يمكن تحقيقها إلا بحفظ الأسرة، وتوسيع رقعة مخاطبة وسائل الإعلام للجمهور بالشكل الإيجابي، إضافة إلى إيجاد حلول إسعافيه للشباب لأن النسبة التي تتعرض للطلاق من فئة الشباب، وتقديم مواد تثقيفية لدى المقبلين على الزواج عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإيجاد مكاتب للإصلاح الأسري، يجب العمل على توضيح وإتباع التدابير اللازمة للحد من انتشار ظاهرة الطلاق.

السؤال هنا، هل يمكن تحقيق مكافحة لظاهرة الطلاق أمام استمرار مسلسل الانتهاكات الإنسانية سواء ذاتيًا أو عبر المسببات ذات الصلة والمحيطة بالفرد، وهل المستوى الثقافي والوعي لدى أفراد المجتمع الفلسطيني جاهز لتحقيق التنمية المجتمعية بعد مرور15 عامًا من الانقسام المدمر وأسباب أخرى؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى