المقالات

أيام لبنان \ د. قصي الحسين

على غرار أيام العرب، في الجاهلية، وأيام العرب في الإسلام، بدأت أيام لبنان. سجل يوم إقتحامات البنوك و المصارف، أول هذة الأيام. أغار صغار المودعين، مثل الشنفرى، وتأبط شرا، والسليك بن السلكة، وعروة بن الورد، وغيرهم، ممن هم من جملة الصعاليك في الجاهلية والإسلام، لإسترداد بعض حقوقهم. لإنتزاعها من بين مخالب أصحاب البنوك والمصارف. الذين سطوا على الودائع بشحطة قلم. الذين سطوا على مدخرات الناس. الذين أمضوا العمر في توفيرها، لبقية العمر، خشية أن يردوا “إلى أرذل العمر”.

يوم المصارف الواقع فيه السادس عشر من أيلول، العام2022، هو أول الغيث حتما، لأن ما أوقعه المسؤولون بالناس، هو حكما، مما هو أدهى وأعظم. فيوم المصارف، هو فاتحة الأيام السوداء. لأن الغيوم كلها تجمعت، في يوم واحد، فوق سماء جميع الناس بلا إستثناء. فما ميزت بين هذا وذاك، إلا بمقدار ما كان لهم من السلطة والنفوذ في تهريب الإموال. في نقل وتهريب الملايين من الدولارات، إلى البنوك في الخارج، وهو تحت نظر أهل السلطة. وتحت نظر من يدعمها من الدول ذات النفوذ في الخارج. غير أن بقية أيام لبنان السوداء، آتية حكما، لأن المسؤولين، أخذوا فرصة طويلة من الشعب. منحهم هذا الشعب الطيب، أطول مدة في الحكم، وإنتظر منهم المبادرة في التأمين على الذات، حكومة، وسلطة، ورئيسا، ومجالس، ومحاكم، وجامعات ومدارس ومستشفيات، فما وجد من شيء على الأرض.

يوم الحكومة، هو يوم آت حكما على لبنان. إذ مما يلوح في الأفق، ومما يتنبأ به العرافون وأهل الحكمة، وأهل الخبرة، هو يوم شبيه بيوم البنوك والمصارف، إذا لم يكن أقوى وأشد. يغير فيه الناس، على مراكز السلطة. يقتحمونها. يعتصمون فيها. إذ لا يعقل أن تحكم البلاد، بحكومة مستقيلة، إلى أجل طويل، إلى أمد غير معروف النهاية. إلى أجل غير مسمى.

يوم الرئاسة، هو أيضا، يوم من أيام لبنان، الموعودة. هو يوم من أيام لبنان التي ستكون مشهودة. يخرج فيه الناس، إلى دور العبادة، يبتهلون لربهم، كي يمن عليهم برئيس، يحكم البلاد، بالقسطاط والعدل لست سنوات. يقطعون فيها مرحلة من أخطر المراحل من عمر البلاد. إذ لا يعقل، أن يظل لبنان بلا رئيس، في ظل هذة الأوضاع المتدحرجة. في ظل هذة الأوضاع التي تسير بنا إلى الهاوية. سيخرج الناس حكما، كما يقول العرافون، والعارفون بشؤون البلاد والعباد، أن لبنان لا يمكن أن يستمر هكذا بلا رئيس. لأنه سيصبح حكما في عداد الدول الفاشلة. وسيعاد النظر حتما بحدوده. بحدود الكيان. فهل المسؤولون، هم على قدر من المسؤولية، بحيث يحافظون على ما أقسموا عليه، في حفظ وصيانة الجمهورية، في حدودها الجغرافية، وفي دستورها وفي قوانينها المرعية الإجراء.

يوم الجوع، هو من الأيام السود التي تنتظر لبنان. سيخرج الناس في هذا اليوم، من كل المدن، من كل القرى. من كل النواحي والأصقاع، ينادون بالفم الملآن: “بدنا ناكل جوعانين”، كما خرجوا ذات يوم. ويوم خروجهم من جديد، لم يعد بعيدا. لأن الجوع قد تمكن من أكثر الناس، ولم يعودوا يجدون الخبز والملح والسكر والطحين، إلا في بطون السباع، من الدهاقنة والتجار.

في القريب العاجل، ستسمعون بيوم الكهرباء، بعدما صاروا يقطعون العام بعد العام في العتمة. بعدما أطبقت عليهم الظلمة والظلام والظلام. ( بتشديد الظاء وضمها). فما هم فاعلون، هؤلاء المسؤولون المناحيس، المناكيد، الذين كانوا يأكلون في بطونهم النار. فما هم فاعلون، هؤلاء المسؤولون الذين أطفأوا آخر شمعة في البلاد، وجثموا على صدور هذا الشعب الطيب، ينظرون إلى لبنان، وطن الإشعاع والنور في العتمة والديجور والظلام.

يوم الجامعات، يوم الجامعة اللبنانية، ربما يكون من أقسى الأيام. يقول الأهالي، أنهم سيخرجون مع أبنائهم، في هذا اليوم، إلى الجامعات، إلى الساحات، إلى القصور، إلى مراكز النفوذ، ومراكز القرار. يغضبون. يتأكلهم الغضب، لأن أبناءهم بلا علم منذ سنوات. لأن جامعة الفقراء، صارت بلا قرطاسية. صارت بلا محبرة. صارت بلا مازوت. صارت بلا موظف، ولا أدنى أستاذ. صارت بلا أدنى ساعة تدريس، ولو تحت الشجرة. فلم تعد السنديانة موجودة، ليكونوا “طلاب تحت السنديانة”. أحرقوها الذين أحرقوا لبنان.

ليس بعيدا عن الأنظار، يوم ظهور الجيش الأبيض على المسؤولين. حين يخرج الأطباء والممرضون والمسعفون، بأثوابهم البيضاء ينادون على المستلزمات الطبية. على الخدمات. على الأدوية للأمراض المستعصية. على شح الرواتب. على شح الميزانية. على شح الموارد الطبية. يطلقون الصرخة، كما في “لوحة الصرخة” للفنان النرويجي التعبيري “إدفارد مونك”، يحذرون من الموت الجماعي العظيم. ويقتحمون السرايات. ويطلقون الصفارات، وينشدون نشيد الموتى، على هؤلاء الرؤساء.

يوم الشعب، ليس ببعيد. حين يتوحد جميع العاملين في جميع القطاعات، على الجوع. على الظلمة. على التعليم. على الطبابة. على العيش الكريم. يتوحدون على الحرية والإستقلال والديمقراطية والعدالة الإجتماعية. يتوحدون على الهاتف علىبطاقات التشريج. على الأنترنيت وسائر الخدمات. يخرجون إلى السرايات. إلى القصور. إلى مراكز القرار. ينددون بهذة الثلة الكئيبة من الحكام، التي أوصلت البلاد، إلى هذا الدرك الأسفل الذي يعيش فيه سكان لبنان.

أقول ذلك، لأنني أرى بأم عيني، عمارة في لبنان، صارت قفرا. وشعبا صار إلى الفقر. ودولة نخرها السوس، حتى صارت إلى الخواء.

أيام لبنان ليس بعيدة، فهي أقرب من هذة العين الى هذة العين. هي أقرب من يوم المودعين. يوم البنوك والمصارف، إلى يوم كل اللصوص والشطار و السراق، في هذا البلد المنكود الحظ، الذي ضرب العماء عيون المسؤولين، فأعماهم، عن رؤية تسارع البلد إلى الخراب.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى