المقالات

مروضو الذئاب \
د. قصي الحسين

ترويض الذئاب مهنة قديمة قديمة. يمتهنها الكبار، يتصيدون بها المال والجاه والنفوذ. يذهبون إلى “القبضايات”، ويعودون بهم ذئابا في الدوائر. في الحارات. في الأسواق. في الأقضية والقرى. يضعون لهم الخطط. يعينون لهم الأهداف. ويرسلونهم وراءها لأجل أن يحقق مدربهم، هدفا من الأهداف، تماما كما يفعل مدربو الصقور.

زعماء كثيرون، جعلوا إلى جانب داراتهم، أقفاصا حديدية، للذئاب البشرية. يذهبون بهم تحت شمس النهار، لتدريبهم في ملاعب مخصوصة. يتعلمون كيف ينقضون على فرائسهم. ينشبون فيهم مسدساتهم وبنادقهم. ويرمونهم بالرصاص. لأنهم هدف معين من هذا الزعيم أو ذاك. ويخرجونهم في الليل، للتربص بالطرائد. يتابعونها عن كثب، ويقطعون الوقت تلو الوقت، وهم في أعلى درجات التأهب. في أعلى درجات التربص. في أعلى درجات الإنقضاض.

مهنة ترويض الذئاب، تنتعش هذة الأيام. تعوض عن الحروب وعن الجبهات. لأنها صارت خارج البلاد. إنتقلت إلى بلاد الأوكران. وصارت “رقصة التانغو” هناك. نهض مروضو الذئاب، لإرسال ذئابهم في الحارات والأسواق، حفاظا على دورهم. حفاظا على مصالحهم. خرجت الذئاب من الأقفاص، لتنتشر في جميع أنحاء البلاد.

مافيا الذئاب الشاردة. مافيا الذئاب المنفردة. تضرب اليوم وجه طرابلس بقوة. تناغشها. تستيقظها. تمهد من جديد، لجولات وجولات. لم تعد المدينة التاريخية، إلا شباك بريد لأرسال الرسائل. ل”تفهيم من لم يفهم”. لإبلاغ النوايا. والإنتظار قليلا، حتى يتم الإستعداد.

أزاحوا طرابلس عن دورها. جعلوها ملعبا، حوشا، جعلوا من حاراتها، أقفاصا عظيمة للذئاب. تخرج في الليل، تضرب. تعكر صفو المدينة. تعكر صفو البلاد. لماذا هذة السرعة في تنظيم الفلتان. ضربة هنا. وضربة هناك. وذئب هنا وذؤبان هناك. لماذا إشتد الوطيس. وحميت الرؤوس فجأة. وإنتشر الذؤبان. وصارت كل حارة تحتاج إلى ثلة من العسكر. تحتاج إلى كتيبة. تحتاج إلى جيش عظيم، لضبط الأمن في مدينة، ظلت لعهد طويل، تسمى مدينة السلام.

طرابلس وضعت مجددا، في واجهة الأحداث. كل يوم يمر، يجري فيها حدث. كل يوم يمر، تكون على موعد مع قضية. مع رمانة يدوية، مع إعتداء في الحارات في الأسواق. مع إنفجار في محلة. مع تكسير أبواب وتحطيم متاجر. وإغلاق ساحات وتسكير، بل سد طرقات.

طرابلس اليوم تناشد مرويضي الذئاب الرحمة بها. الرحمة بأهلها. الرحمة بأطفالها وبشيوخها. فما عادوا يحتملون كل هذي المصائب على رأسها. فكفى هؤلاء المجرمين تعطيلا لدورها من أول القرن الماضي حتى اليوم. فكفاهم تقسيمها وشرذمة دورها والعبث بأمنها. طرابلس مدينة عريقة في التاريخ. فلتستعيد دور العلم. والمعامل والمصانع ومحطات القطار. فلتستعيد موانئها ومتاجرها ومستودعاتها. فلتستعيد أبناءها. يركبون البحر ويهاجرون إلى الموت. يفرون من الموت إلى الموت. فمتى تستعيدهم. متى تستعيد حياتها.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى