ثقافة

قصه قصيره/مسافر إلى حيفا بقلم حسين جمعه

حياتنا تشبه كثيرا محطات القطار،
ما نحياه من حياوات، ما هي إلا إنتظار في إنتظار… ،
يقينا نعلم أننا مسافرون،لكن أين قطارنا لا نعلم،أي قطار سوف نستقل أيضا لا نعلم،نبحث عنه في شتى المدن المتآكله،بينما أعداد القطارات الآتيه والمغادرة كثيره على مدار الساعه،وأستطيع القول : تكاد لا تعد ولا تحصى،تذكرتي في يدي طوال الوقت،القطارات تمر سريعه،بعضها يتوقف والغالبيه منها فلا…،
ألوانها جذابه كذلك أشكالها،لكن هذا لا يفي في الغرض المنشود،كذلك التذكره التي حجزتها،لم أعد أذكر ولم يعد ذلك مهما إن كانت درجه أولى أو بطاقه عاديه…،
قطار آخر قادم،أسمع إستغاثاته وصفارته كما صوت عجلاته الصارخ والهادر من بعيد،
أتأهب كما أتأهب عند قدوم كل قطار وفي كل لحظه،أتقدم وأسأل المراقب مبينا له بطاقتي، يجيبني : لا…، ليس هذا هو قطارك عليك الإنتظار وسؤال الإستعلامات عن قطارك ووجهتك، تفاجئت…!،إعتقدت إنه قطاري كما في كل مره، كما أعتقد كل يوم وأتفاجئ كل يوم وأنتظر كل يوم،حتى صار الإنتظار والقلق السمه البارزه في أيامي الراحله،
هرمت حقيبتي،وكلما دخلت حتى أسأل الموظف من خلف شباك التذاكر عن قطاري صبيحه كل نهار،كان جاهزا وسريعا في الرد على سؤالي الذي حفظه عن ظهر قلب وهو منهمك في تحضير قهوته الصباحيه،كان يبتسم لي ويجيبني لا قطار اليوم حيث وجهتك،كنت ألمح وجهي الهرم وشعري الأبيض من خلال مرآه هناك إلى جانب بعض اللوحات والملصقات الكثيره،كنت ألتقط الكثير من الصحف والمجلات الملقاه هنا وهنالك على مقاعد المغادرين والراحلين مهرولين سريعا،وأنا أنتظر ولم يتعب إنتظاري بعد…! ،
كنت وما زلت أسلي نفسي بما يجتهد به جهابذه الصحافه،
كانت المقالات والعناوين فيما أقرأ من مجلات وصحف تتحدث عن اللون الأبيض،والحمام الأبيض وشيء يسمونه على ما أعتقد “السلام” …كانت مقالات جميله ووتغنى في اللون الأبيض،وأنا بدوري كنت أفرح كلما لمحت لحيتي وشعري يميلان إلى البياض صبيحه كل يوم عند كل سؤال لموظف جديد على شباك التذاكر،كنت أعتقد أنهم يتحدثون عني،وإعتقاداتي كانت كثيره كما سذاجاتي… ،
حفظت وجوه جميع العاملين في المحطه،ولا تضحك رجاء،حفظت وجوه القادمين والمغادرين،ورقم كل قطار ولونه ووجهته،
حفظت كل مدن الملح وأزقتها،كما حفظت جميع العواصم والمدن كما حكامها المتعاقبون على كراسي السلطه،ومن أي حزب أو تكتل هم،بت أحفظ أنظمه الحكم وكثير من اللغات،ولا أخفيك سرا، كانوا لو قدر لهم وسألوني:من سوف يفوز في هذه الجوله واللعبه الإنتخابيه؟كنت سوف أخبرهم مما إكتسبته جراء متابعتي وتصفحي للصحف والمجلات وبت بالتالي محللا وخبيرا إستراتيجيا مثل المتصدرين شاشات التلفزه،لكن ليس على طريقه ليلى عبد اللطيف أو غيرها ممن يتنبئون… ،لم أكن أعلم أن هذا العمل يدر ربحا ولم أنتبه حتى إلى ذلك، ربما كنت قد إشتريت إحدى القطارات لو قدر لي وسألني أحد الأمراء أو السلاطين عن نبأ عظيم يريد حل رموزه وفك غوامضه ويغدق علي من مال معلوم للسائل والمحروم، ورحلت حيث أريد على متن قطاري الخاص حينها،عذرا لم أنتبه لهذا الأمر إلا بعد فوات الأوان.
بدأ موسم الشتاء كما كل عام من موسم إنتظاري وبت أتعب وأمرض عند أول لسعه برد،بدأت أشعر في التعب والتغيير كما الضعف في صحتي وأنا أنتظر…،ألم أخبرك بأن لحيتي بدأت تشيب، والجسد يشيخ… ،؟،
حتى القادمين والمغادرين باتوا سريعي الخطى لأخذ قطاراتهم دون الإلتفات لي كما جرت العاده،ولم يعودوا يستجيبوا لإبتساماتي المرسله هنا وهناك،ربما بات وجهي متعبا وهزيلا،
لا يقدر على نشر الإبتسام… ،
منذ بضعه أيام قرأت بأن هناك منخفض جوي قادم من سيبيريا والشتاء سوف يكون عاصفا هذا العام،إرتعشت جميع مفاصلي،إعتقدت أنها الصحيفه التي بين يدي وما تحمله من أخبار،
حول المنكوبين والمهاجرين هناك على الحدود وفي عرض البحر،تماما كما حصل عام ١٩٤٨،يوم جئت إلى هذا العالم، ما زلت أذكر حينها ذلك الخوف وشده البرد،كم يشبه اليوم ذلك اليوم وذياك البرد،
وبصعوبه وتثاقل رحت محاولا فتح حقيبتي الهرمه، باحثا عن عباءه بنيه ثقيله كان قد جلبها لي والدي رحمه الله من الحج منذ سنوات طوال وما زلت أحتفظ بها وفي حلتها جديده،خبئتها حتى أرتديها في قريتي ومنزلي بين شتلات من الحبق والقرنفل في البيارات وبين أشجار الزيتون…،
وضعتها على جسدي المرتجف المتعب وغفوت وأنا أراقب تساقط الثلج حيث أنتظر في محطتي..،
كانت المحطه يلفها الصقيع مع تجوال كثير من الذئاب والثعالب حولها،كنت أستمع إلى أصواتهم أين إتجهت،لم أشعر في الخوف هذه المره،وفي الصباح لم أذهب لسؤال الموظف عن موعد قطاري كما جرت العاده وتعودت،لكن الغريب هذه المره هم من حضروا،وكل من نعتني بالغريب كان قد حضر حيث نمت وتعودت أن أجلس منتظرا قطاري،كنت ما زلت نائما دون حراك،كنت أستمع إلى جلبه من حولي،والبعض منهم يجري مكالمات هاتفية،إستطعت أن أميز من بين تلك المكالمات، مكالمات مع الشرطه، ومكالمات أخرى مع سياره الإسعاف،أعتقد أنهم وجدوني أبيضا تماما مثل الثلج،حتى عباءه والدي كانت بيضاء مثل قلبه،كنت أستمع إلى طبيب شرعي فوق جسدي يتفقدني ويتفحصني،كان حولي أيضا رجال من الأمن يدونون في المحضر،
الأسم : مجهول
العمر : أربعه وسبعون عاما.
يحمل تذكره مغادره من الشتات إلى حيفا،
أغلق المحضر…
ومن دون سابق إنذار إنتبهوا بأني أضحك، أجل كنت أضحك،وقلبي يرفرف محلقا في فضاء الحريه، عندما جاء قطاري المنتظر،إستقليته ورحلت الى عالم آخر،
ربما سوف يكون أرحم من حياة صارت سابقة وماضية عنوانها الإنتظار،وأقل ما يقال فيها وعنها،أنها كانت مسرحية هزلية،عنوانها الضمير المفقود…،
رحلت إلى عالم آخر مهما إشتدت صراعاته وتجاذباته،أو تغير اللاعبون والممثلون فيه،لن يكونوا حتما بقساوة ما شاهدته وعايشته من ظلم وقهر وإنتظار على بوابات حقوق الإنسان والتآخي العربي الكاذب,والدليل على ذلك،عندما رحلت
وجدوني مبتسما وساخرا من قطارات ومحطات ظالمه لا تمت لما كنت أقرأه في أيه صله….!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى