المقالات

ابتعاد الدين والسياسة والمجتمع عن العقل وإلارادة الفرديين

النتيجة تسلط وفوضى وتعصب وشعبوية وأزمات إقتصادية
يظن البعض أنهم يفهمون الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد وأنهم الأعلم والأفهم والأذكى، ويجعلهم “المتزعم” والحزب الطائفي أو الإيديولوجي الشعبوي مسؤولين وقياديين على قرية أو منطقة معينة رغم أنهم جهًال وسطحيون وغير مثقفين نخبويين وغير ذي مستوى أخلاقي وذوقي جيد بل يخدمونهم ويعلًقون اللافتات والصور والشعارات لأجلهم على الطرقات وفي الشوارع. وهذا الظن نابع من شبهات لديهم وتعاظم المعتقدات الجاهزة والعواطف والغرائز الجماعية والمصالح المادية الجماعية لديهم وغياب العقل وإلارادة الفرديين اللذين يشرفان على العاطفة والغريزة والحاجات المادية ويضعانها في النطاق الفردي والشخصي ويحرران الفرد ويجعلانه مستقلاً ومعارضا”وناقدا لكل من وما لا يتوافق معه على صعد الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والإعلام والواقع المعيش.
هذه الحالة تتفاقم في خضم الأزمات التي يسببها أو يفتعلها من يسمًون” سياسيين ‘و”زعماء” والأحزاب الطائفية و الإيديولوجية الشعبوية والمرابون والمضاربون بين فترة وأخرى لأجل السلطة والنفوذ والثروات والأرباح وخدمة دول خارجية. وما يشجع هذه الحالة هو النظام الديموقراطي العددي الطائفي الحزبي الذي يجعل الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والإعلام أكثر إبتعادا”عن العقل وإلارادة الفرديين والثقافة النخبوية ويجعل العاطفة والغريزة والمصلحة المادية مسألة جماعية طائفية وعشائرية وحزبية وشعبية ويدعم المعتقدات والإيديولوجيات الجاهزة الجماعية. لذلك يجد غير المثقفين النخبويين، والجهًال والسطحيون وقليلو الذوق الطريق واسعا” ومفتوحا” أمامهم للوصول إلى المناصب والمراكز والوظائف والمكانة والمداخيل والرواتب المرتفعة والحظوة عبر التبعية والولاء للمذهب والطائفة والعشيرة ومن يسمى “الزعيم” والحزب أو المجموعات الشعبية، والتملق لهم و”الواسطة” وتعليق اللافتات والصور والشعارات لأجلهم على الطرقات وفي الشوارع أثناء المناسبات الطائفية والمذهبية والحزبية والإجتماعية. وبعبارة أخرى: عبر خدمة سلطتهم ونفوذهم وفوزهم بالإنتخابات النيابية ومصالحهم. فمن يسمًون “زعماء” وسياسيين والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية والسلطات الدينية ينظرون إلى الدين والسياسة والإدارة والمجتمع والإقتصاد والتنمية والإعلام بعين واحدة هي :سلطتهم ونفوذهم ومصالحهم المادية. فكل من وما يخدم هذه الغايات يحظى بالإهتمام والرعاية والتشجيع والتكريم وإن أدى إلى أزمة مالية ونقدية وإقتصادية وإنمائية خانقة كالأزمة الحالية في لبنان. أما الحلول والمعالجات المقدًمة من قبلهم لهذه الأزمات والمشكلات فيجب أن لاتتعارض، بنظرهم، مع غاياتهم ومصالحهم أيضاً. فما بني على معتقدات وإيديولوجيات جاهزة وعواطف وغرائز جماعية ومصالح فئوية لايؤدي إلى تحقيق تنمية شاملة واستقرار مالي ونقدي واقتصادي وعدالة اقتصادية واجتماعية ولايشجع الحرية والإستقلال الفرديين ويهمش النخبوي المستقل الناقد ويضع المناصب والوظائف وفرص العمل والرواتب والمداخيل المرتفعة والوجاهة بين أيدي غير المثقفين النخبويين المستقلين وغير الجديرين، والجهًال والسطحيين على ظهر الجديرين والأكفاء ويشجع الفوضى الإقتصادية والنقدية والمضاربة بأسعار العملات وخاصة الدولار الأميركي وأسعار السلع والإحتكار والتهريب والمنافسة غير المشروعة. فاهتمامهم بخدمة غاياتهم ومصالحهم وموضوع انتخاب رئيس الجمهورية ومسرحيات الخلافات حول الصلاحيات والحصص أكبر بكثير من اهتمامهم بمعالجة الأزمة والمشكلات، وهي معالجات جزئية وترقيعية وغير حاسمة. فمشكلة ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية لاتزال مستمرة وتتضاعف من حين لآخر بسبب ربط هذا الموضوع بتفاصيل السياسة الآنية وعدم مكافحة ما يسمى السوق السوداء وعدم اعتماد سعر رسمي موحد وثابت للدولار الأميركي بالإضافة الى استمرار الأسباب المالية والنقدية لارتفاع سعر الدولار مثل تراجع حجم احتياط مصرف لبنان بالعملة الصعبة وانخفاض كمية المعروض من الدولارات في السوق مقابل ارتفاع كمية الطلب وأوراق العملة اللبنانية وهو ما يسمى التضخم النقدي، وزيادة حجم الإستيراد والعجز في الميزان التجاري والمضاربة والإحتكار والتهريب. وكذلك مشكلة انقطاع الكهرباء المستمرة بقسوة رغم سلفة 300مليون دولار ورفع التعرفة على سعر منصة صيرفة للكيلووات كهرباء حيث لاتتجاوز ساعات التغذية بالتيار الكهربائي 4 ساعات باليوم. بالإضافة إلى استمرار مشكلة الأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين في لبنان
دون معالجة شاملة وحاسمة لها.
إن ابتعاد الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والإعلام عن العقل وإلارادة الفرديين والعلم والثقافة النخبوية والحرية والإستقلال والعدالة ووضع الضوابط لمنع الفوضى والتفلت يؤدي إلى هذه الحالة التي تسلًط غير النخبويين المستقلين، والجهًال والسطحيين والمتعصبين والفوضويين على المجتمع والواقع المعيش وعلى النخبوي المستقل الناقد الذي يحاولون إستبعاده وتهميشه،ويجعل الدين مسألة ولاء وتقديس لأشخاص وتبعية لأحزاب وموضع استغلال تجاري ومسيًس وانتخابي، والإقتصاد إثراء وتمكين وأرباح لأشخاص وفئات على حساب أشخاص آخرين بعيداً عن التنمية الشاملة والعادلة،ويجعل الإعلام تابعاً وشعبويا”وطائفيا” وإيديولوجيا”وناقل معلومات وأخبار ومقررا” للواقع أكثر مما هو مستقل ونخبوي وعقلاني وتثقيفي ومرشد وناقد ومغير.
أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى