المقالات

ماذا بعد استباحة الامن الغذائي اللبناني ! \ نبيل الزعبي

هل هي مصادفةً ان يتحول لبنان الى مكبٍ كبير ل “نفايات” المواد الغذائية والحبوب واللحوم التي تدخل الى البلاد تهريباً او تواطؤاً ، وما العجب في ذلك والبلد مستباح لكل فنون الفساد وصنوفه الذي يتغلغل كالرياح الصفراء في مفاصل الدولة والادارة والمجتمع ومن الصعوبة بمكان ان تجد استثناءً واحداً والقضاء مُصادَر والابواب مُشَلّعَة للداخل والخارج فلا من يحاسب ويُقاضي ، ليبقى المواطن اللبناني وحده ، وحيداً يدفع الثمن .
وما معنى ان تحط في مرفأ بيروت باخرتان محملتان بقمحٍ معفّن ومعطّن وروائحه كريهة ، فلا يصلح حتى لإطعام الحيوانات ، ليرسلونه غذاءً للشعب اللبناني دون اي تقدير لمضاعفاته على صحة الناس وما يشكله من اخطارٍ عليهم وكإنه لا يكفي اللبنانيين من تلاعبٍ بصحتهم من خلال ما يأكلونه من غذاء وقد فاحت مؤخراً اكثر من فضيحة مجلجلة على هذا الصعيد تتعلق باللبنة التي تباع في الاسواق، ملغومةً بالكلس والجفصين والزيوت المهدرجة المسببة للسرطانات وامراض القلب والشرايين ، الى اللحوم الممزوجة بفضلات الدجاج المهروس والاخرى المنسوبة الى اللحم الهندي وتُباع كالضان والبقر والعجول رغم كل تحذيرات الهيئات الرقابية والصحية وكأنه لا حياة لمن تنادي .
ايُ تفسيرٍ منطقي مقنع لكل ما تقدم سوى ان هناك متواطئين في الداخل يستجلبون الضرر للناس بغية جني اكثر ما يمكنهم من ارباح فلا يشعرون بالشبع او يرف لهم ضميرُّ من قلق وخوف وكلهم محميون من فاسدين ومفسدين يتدخلُّون لحمايتهم عند الحاجة ، مستفيدين من تغييب هيئات الرقابة والمحاسبة واخيراً القضاء الذي بات مشلولاً وغارقاً في خصوماته الداخلية واجتهاداته الخاضعة للرد والطعن والقال والقيل .
وفوق هذا وذاك ،
تقول مصادر موثوقة
أنه “إضافة الى الباخرتين المحملتين بقمح مشكوك بانه غير صالح للاستعمال في مرفأ بيروت، هناك باخرة ثالثة في مرفأ طرابلس، وهناك إشكالية كبيرة في تأمينها المستندات والاوراق اللوجستية المطلوبة”، فضلاً عن “ممارسة ضغوط قوية لادخال القمح دون الاوراق اللوجستية”. (عن محطة المؤسسة اللبنانية للارسال LBCIبتاريخ ٤/٢/٢٠٢٣ ).
على ماذا يدلُّ ذلك سوى ان المنظومة الفاسدة الحاكمة التي ثبُتَ عدم امتلاكها لاية ذرة من المسؤولية الوطنية والاخلاقية تجاه شعبها ،
لن تتورّع بعد التواطؤ ،حتى عن الصمت المُطبَق وعن سابق تصوّر وتصميم تجاه كل ما يلحق اللبنانيين من اضرار واذى والتي تطال الشرائح الاجتماعية الفقيرة وغير المقتدرة بشكل خاص وكإنها تنتقم من كل من يقف ضد ممارساتها الاجرامية حتى اليوم بعد ان فشلت في ترويض اللبنانيين بعد إفقارهم واصرارها على عدم تقديم اي اصلاح نقدي واقتصادي ، لتنتقل الى الحلقة الاخطر من الترويض بالتجويع ومن لم يمت به ، فليمت باللحوم الفاسدة والقمح المعفّن واللبنة المكلّسة والمجفصنة ، وطالما ان الموت واحد ، فمن لم “يمُت بالقهر ، ليمُت بغيره !”.
لذلك كلِّه ، لا عجب ان تُطرَح في الاسواق اليوم موادَّ غذائية باسعارٍ جداً رخيصة اغراءً للمستهلك لشرائها ، وليقع في الفخ المنصوب له مرتين : عند استرخاصه للمادة ، ولدى استغبائه بدفعه لشرائها .
اين “مصلحة حماية المستهلك”
المحسوبة على وزارة الاقتصاد اللبناني وجُلَّ ما لدى الوزارة من عناصر لتراقب لا يتعدى الخمسين موزعين على اراضي الجمهورية اللبنانية كلها وباتوا وكأنهم لزوم ما لا يلزم لشدة ما يشتكون من كفّ اليد او اهمال تقاريرهم عندما تتحول الى القضاء وتنام في الادراج !
اما الجهة الاخرى المعنية بذلك وهي “جمعية المستهلك في لبنان”، فعليها مسؤولية كبرى في ظل الواقع المشلول الذي يلفُ عمل وزارة الاقتصاد وبالتالي من واجبها كجمعية شعبية غير رسمية ان تتحرك في كل المناطق اللبنانية وتستعين باكبر عدد ممكن من المتطوعين من ابناء المناطق الشعبية وطلاب الجامعات والثانويات لدق النفير والتشمير عن السواعد لوضع حد لكل ما يتعلق بالمستهلك اللبناني :
ماذا يأكل وبأية جودة ونوعية ، وماذا يدفع ، والى اي مدىً بلغ الاحتكار الذي يمارسه التجار واصحاب السوبر ماركت ، ولمصلحة مَن ، مِن المستوردين تدخل البضائع الفاسدة الى البلاد !
واذا كان من غير المسموح وفي ظل الفلتان الامني الحاصل ، الدعوة الى تحقيق الامن الذاتي في ظل وجود الجيش والقوى الامنية الاخرى المولجة بهذا الشأن ،
فإنه من الضروري اليوم تشكيل لجان حماية المستهلك اللبناني في كل مدينة وقرية ودسكرة في لبنان في ظل الاوضاع الاقتصادية والمالية والرقابية المتردية المتجهة الى الاسوأ يوماً بعد يوم ، وتلك لعمري اقل الاقل مما على اللبنانيين القيام به في هذه الايام العجاف وذلك اضعف الايمان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى