المقابلات

المتغيرات في عالم الإعلام والعالم
محور اللقاء مع الإعلامية الدكتورة مي العبد الله \ حاورتها الصحافية رندا منقارة

الأستاذة الدكتورة مي العبد الله: نحن في متاهة ومخاض عالمي مبهم
دائمًا في الجامعة اللبنانية،! وتحديدًا في كلية الإعلام في الأونسكو نلتقي ونتحدث مع أساتذتنا، نناقش مشاكل المهنة وهموم الوطن والتحديات التي ما زالت تتراكم وتتراصّ حولنا، معيقة أي تقدم أو حتى أمل في هذه المرحلة العقيمة وعلى كافة الأصعدة! اليوم نلتقي جريدة الوفاق الالكترونية:
الأستاذة الدكتورة مي العبدالله: (وهي باحثة في علوم الإعلام والاتصال وناشطة في العمل التطوعي المدني في لبنان والعالم العربي، تولت العديد من المهام الإدارية والإعلامية في الجامعة اللبنانية، وفي مراكز بحوث ومنظمات للمجتمع المدني مثل “ندوة الدراسات الإنمائية” و “تجمع الباحثات اللبنانيات” و “المركز الثقافي الإسلامي” وشاركت في تأسيس العديد في كليات الإعلام والاتصال وأقسام الإعلام والاتصال، ومعاهد الدراسات العليا في لبنان والعالم العربي كالمعهد العالي للدكتوراه للعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية وكلية الإعلام في جامعة الدمام في المملكة العربية السعودية وقسم الإعلام في جامعة بيروت العربية والمعهد الإعلامي الأردني في عمان في الأردن. أسست سنة 2014 “الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال” مقرها لبنان وحاليًا لها فروع في معظم الدول العربية ونشاطات علمية بحثية عديدة، وصدر عنها كتب بحثية مشتركة عديدة.
أنشأت مجلة “الاتصال والتنمية” وقد صدر منها إلى الآن 28 عددًا، عولجت فيها مختلق قضايا الإعلام والاتصال وشارك في التحرير عدد كبير من الباحثين في علوم الإعلام والاتصال.
ولها كتب عديدة أولها سنة 1989 “الاتصال في عصر العولمة” ومن ضمن الكثير أيضًا: معجم مصطلحات الإعلام والاتصال سنة 2014 وكتابها الذي اقترح نظرية المشاركة المجتمعية في الاتصال في العالم العربي 2016.
وآخر أعمالها اليوم كتابها “المتاهة” 2020 وهو نبذة تجربتها البحثية وهو يقدم مقاربة فلسفية للتواصل الاجتماعي في المنطقة العربية ويخلص إلى بلورة “نظرية متاهة التواصل الاجتماعي في الفضاء العام” والناتجة عن أعمال الفريق البحثي في الرابطة العربية للعلوم الاتصال. وعن نتائج دراسة حديثة مسحية حول استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي خلال أزمة كورونا ودور التفكير النقدي والوعي والتواصل الحر في المجتمعات العربية المحلية) مأخوذ عن السيرة الذاتية للدكتورة مي العبد الله من صفحتها على مؤشر البحث غوغل.
كان هدف اللقاء أساسًا السؤال عن الإعلاميين وعملهم بعد تخرجهم؟ وعن دور نقابة الصحافة ونقابة المحررين تجاه أبناء المهمة في الوطن لكن الكلام أخذنا غلى المكان الأكثر شمولاً وتوسعًا حتى بات السؤالان السابقان يسبحان كالذّر في فضاء لامتناه من التحديثات المصيرية العالمية!
نطمئنكم ولله الحمد عن زملاء المهنة! فهم تشعبوا وانقسموا وداروا بعد اجتماعهم في القسم الصحافة، على مهن كثيرة منها التسويق والصحافة الرقمية والبرمجة وكل ما يمت للمهنةة من قريب أو بعيد وذابوا كالملح المفيد في الماء حتى لا يأسن! بينما ظهر منهم أو من غيرهم الإعلامييون على الشاشات يتصدرونها بكامل أناقتهم أو عدمها وبكل مشاربهم وأطوارهم وأهدافهم وأحلامهم، يقولون ويفعلون ما يمليه عليهم صاحب المحطة حسب هواه وميله السياسي وسياسته الإعلامية الخاصة!
تقول الأستاذة الدكتورة مي العبد الله النقابات معطلة والمجلس النيابي معطل، والمؤسسات شكلية في دولة منهارة ومن السخرية بمكان أن يسألها المرء عن دور الفساد في وسائل الإعلام! لكنها لا تبخل في أن تؤكد لنا أنه لصالح السياسيين وكذلك في الجامعات والمدارس! ففي ظل انهيار التربية والاقتاصد وانعدام فرص العمل وانهيار البناء العلمي وبالتالي تفكك الفكر؛ دخلنا مساحة الفوضىى والمتاهة!
هذا الوضع للدول الضعيفة المستهدفة والمسيطر على حولها وقوتها من قبلل الاقتصاد العالمي، إنما يعكس الوضع العالمي المعقد المأزوم في الاقتصاد والسياسة.
كلام الأستاذة الدكتورة يجعلك بكل بساطة تتساءل: إلى متى؟ سنبقى في المتاهة؟” فيأتيك جوابها بسرعة نحن ننتظر الفريق الأقوى ليعلن انتصاره حتى نعود للتمركز. أي عالم سيربح؟ العلم أو الاقتصاد؟ التقدم التكنولوجي أم السياسي؟ الدول اليوم تتنافس فيما بينها والغلبة حتى الآن للصين والهند.
نحن في مرحلة انتقالية نرجو أن لا تطول. هناك انهيار في القيم على كافة الأصعدة، مع صعود لقيم جديدة تجعل من الإنسان سلعة تجارية. لم نعد نعرف ما هي القيم أو الأخلاقية أو المصداقية ولا حتى الخبر أو القيمة الخبرية وقيمها!
هذه المرحلة لم نشهدها قط! مع تفكك للأسرة والعلم والجامعة حتى غدا الطالب غير قادر على التركيز مع أستاذة في صفه الجامعي لأكثر من خمس دقائق! جيل الإعلام الجديد صار له هوية جديدة ومتطلبات جديدة، ووقع في فخ وسائل الاتصال الوهمية وتجاوز الحدود. فالإعلامي اليوم والمتصل كلاهما في خطر.
لقد وصفت الدكتورة المرحلة توصيفًا دقيقًا حين قالت أننا أمام شيء مبهم! وثقافة زائفة! غير محسوسة، ثائرة بلا هدف وطافية على سطح المعلومات اللامتناهي. وعلى سيرة الثورات سألتها عن الثورة في لبنان؟
فوضّحت أن لكل بلد خصوصيته وفي لبنان كانت ثورات ومجموعات. لا تجمعها رؤية ولا هوية ولا مصالح واحدة إذًا فما مستقبلنا في لبنان وما مستقبل لبنان معنا سؤال زادني حيرة إلى حيرة؟
تقول الأستاذة الدكتورة مي:
من المستحيل أن يعود لبنان كما كان! نحن في مرحلة لم يبق من الوطن الذي عرفته شيئَا! متغيرات يومية في كل شيء لإعادة تشكيله! التموضع الجغرافي سيحسم هوية الأوطان! هوية الناس في الجغرافيا السياسية. ربما “كونتونات” مجتمعية بعد ذوبان الحدود الوطنية التي أثبتت فشلها. ربما جمارك جديدة ومختلفة عن ما قبل وربما تكون بيروت ممر دولي.
سألتها: ما رأيك دكتورة بالمحلق النسر: أقصد الدولار؟ تجيبني: إن الاقتصاد الأميركي على المحك والمال الرقمي يتطور! الحرب الأوكرانية المؤثرة وصراعهم مع الروس.
العالم غير مستق، كذلك لأميركال مصالح ومطامح اقتصادية مع الصين والصراع لم ينته، وهي تستغل ثرواتها كما يجب، وبقدر المستطاع، تحاول الصين السيطرة عبر الاقتصاد ولا يمكنها أصلاً التراجع وهي تأخذ أسواقًا جديدة مع لاعبين جدد.
سؤال جديد: إذًا ما يحصل اليوم كله لعبة أميركية جديدة على مستوى العالم؟ نعم هي الحرب الباردة وهناك تجمعات اقتصادية كبيرة تبحث عن أسواق لبيع سلعهال كسوق السيارات والعملات والاقتصاد المعرفي وهي وسائل تدعم الاقتصاد وتسيطر أيضًا على البشر ومعلوماتهم وتتحكم بكل الأمور الثقافي والمعلوماتية وكل سبل الانتاج والاقتصاد العالمي. حضرني سؤال بديهي: هل تعي الشعوب أهمية هذا الخطر البالغ؟ طالما بإمكانهم القرصنة والفتح والإغلاق وتصفح معلوماتك كما يحلو لهم فهذا يعني أن التحكم في حياتك كلي. وهو ضد حضورك الثقافي والحضاري والإدراكي. فالحقيقة تائهة ببالنسبة لكل شيئ لقد فقدنا الثقة بكل مرافق الحياة. حتى المعلومات الدولية مغلوطة لا مرجعية لأي قناة إعلامية مع غياب الرأي العام لدى المجتمع والتفكك والاحتيال حى في شؤون الطب و الدواء والمنظمات العالمية للصحة.
إذًا: أمام هذه المتاهة كيف سنتلمّس طريقنا في هذا الظلام؟
نحتاج إلى مقاومة لكل ما يخلخل ويزعزع الأسرة والتقاليد الجيدة والموروثات الثقافية والحضارية والتي وبسبب الجشع والطمع والاستبداد يقضي عليها وعلى كل ما هو سليم حتى صار الطفل لا يثق بأهله ولا بأساتذته في ظل توفر وسائل الابتزاز والسرقة والتشجيع على القتل والمثلية والمخدرات. سألتها عن ما إذا كان للأسرة اليوم أي تأثير فعال؟
فردت: إن تربية الأسرة على التوجيه والأخلاق والمدرسة على القوانين والروادع الصحيحة هما في سلم أولويات المجتمع النظيف. نحن بحاجة إلى دولة ذات نظام وقوانين واضحة لأن أخلاق الشارع والبيت متلازمان. كفانا فردانية وأنانية لقد تأذينا في الخاص في حياتنا وفي العام. الأم هي المدرسة ثم يأتي دور المعلمة والجامعة وإذا تخلت الأم عن مشروعها الخاص لم يعد هناك أي مشروع عام للمجتمع.
أخيرًا: ما دورنا نحن الصحفيون في هذا الوقت الحرج والضيق؟
اليوم لم يعد مطلوبًا الإعلام المحترق، الخلفية التقنية هي المطلوبة مع كل ما تحمل من احتيال وتزييف للحقائق والتلاعب بالخبر والصورة. لذلك على الصحفي أن يتحرى الصدق وأن يعي دوره ويدرك أهمية المتصل الرشيد أمام هذا الوسيط وأساليبه المتاحة فيتأكد من الخبر ويسأل عنه ويحاكمه إن أخطأ لأن نقل الخبر بلا تأكد شيء خطر. إن أخذ المسافة والبعد الكافي من هذه الوسائل حاجة ملحة. فحتى الإنسان الغربي قدر على الخروج من هذه السيطرة عبر التحكم بها دون تركها للتحكم به. يجب أن يكون هناك مساءلة وتدقيق أمام كل محتوى تقدمهه إلى هذه الوسائل فلا أرضى ولا أنصاع لأية معلومة كانت، ولا أعجب بأية ثقافةة هابطة أو ترويج يخدم سياسات تلك الوسائل ويتركني في فراغ عبثي لا يشبه محيطي ولا قيمي.
في نهاية التحقيق شكرنا الدكتورة مي العبد الله على ترحيبها بلقائنا وفي بالي كل ما تقدمت به من متغيرات كثيرة سياسية، اقتصادية وإعلامية لم تتوضح عوالمها بعد، وكيف سنكون بإذن الله بعد هذا المخاض العسير في بلدنا ومجتمعنا ومحيطنا المهني والاقتصادي والسياسي القادم؟! نرجو الله السلامة والعافية من كل هذه الفتن وعسى القادم يحمل لنا كل خير وسلام ومستقبل نظيف لهذه المهنة: الإعلام والإعلاميين والذين لخصت حالهم الأستاذة الدكتورة بأنها تشفق عليهم لأنهم تحت تأثير صاحب المحطة غدوا غير مؤثرين في هذا العالم الإعلامي الفضائي كونهم لا يمثلون أنفسهم بل أن صاحب العمل يأخذهم كشكل خارجي يملي عليهم ما يريد من قول وفكر وعم كممثل لقناته ليس إلا!
فهم يبحثون عن عمل إعلامي وهذا هو المتوفر مع الأسف!
التغير يطال عالم التصوير
ليس بعيدًا عن مهنة الصحافة، هناك مهنة التصوير التي هي لصيقة بها والتي كانت حتى عهد قريب سابق محط اهتمام الصحفي والمواطن على حد سواء.
التقت الوفاق بـ (كلوفيس الطحش) وهو مصور إلى جانب دراسته الجامعية لإدارة الأعمال فرع المعلوماتية، والذي يملك والده محلاً للتصوير في طرابلس، فسألته عن التغير الحاصل في هذه المهنة فأجاب باقتضاب أن الطباعة للصور خفت حتى اقتصرت على المناسبات والأفراح، المحتفلون بالأفراح نصورهم في الطبيعة كما يفضلون والصغار يأتون مع أهلهم للتصور ضمن ديكون محلنا في الأعياد سنويًا، وهي عادة الكثيرين الذين يتابعون نمو أطفالهم بهذه الطريقة من سنة لسنة. وعن بيع الأفلام والكاميرات أوضح لنا أن صناعة الكاميرات اختفت بشكل ملحوظ والتي يتم سحبها عبر “النيكاتيف” وصار العمل مقصورًا على الهاتف وشبكه بالحاسوب ومنه نطبع الصورة عبر طابعته على الكرتون الخاص بالصور والذي يخضع للدولار الجمركي. من هنا يطرح السؤال نفسه عن تأثير الأزمة الاقتصادية على سوق الصور والتصوير، فيواق “كلوفيس” أن الصور التي تبقي المهنة في تقديم خدماتها هي صور الحفلات وصور المدارس والصور الشمسية. إذًا ما مستقبل هذه المهنة كما تراه؟ سؤال جديد تحدينا فيه الشاب الجامعي. ليرد بهدوء: هذه المهنة لا تموت، لأنه لا غنى عن العودة إلى الاستديو واستعمال الآلات الحديثة في عملية التصوير، كما أن لنا هامشًا مشتركًا بين مهنة التصوير والغرافيك ديزاين، من جهة التصميم وبيننا وبين المطابع لإخراج الصور الكبيرة بالقياسات الضخمة، فالهواتف لا تغني عن المهنة المحترفة مهما كانت تلك الهواتف حديثة.
سؤال أخير: هل ما زال هناك من يتصور حبًا بالذكرى التي تمثل حالة إنسانية غالية لتصوير الأصدقاء وتصوير العائلة والإخوة؟
ينهي كلوفيس كلامنا قائلاً: الصورة هي ذكرى تذكر بالأحداث ووجوه الناس وعواطفهم تظهر فيها دموعًا في العيون، عن فقد عزيز وغيابه من الظهور بين المحتفلين. بالنسبة للصور العائلية والإنسانية في داخل المحل، هي لا تتعدى 10% من الصور، أتمنى أن لا تختفي الآلات والصور أكثر، لأن الصورة ذكرى وذاكرة وهي تاريخ تحمل أخبارًا كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية وهي اليوم تشكل تاريخًا يعوض عملية النحث على الحجارة عند الأمم القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى