المقالات

الذكاء الاصطناعي وأزمة خرق الخصوصية والإنسانية!!

بقلم الدكتورة:أيمان عشري استاذ العلاقات العامة والإعلان

منذ شهرين حدث لي موقفا أفزعني ولخبطني جدا حيث تم اختراق صفحاتي على السوشيال ميديا واختراق حساباتي البنكية ومحادثاتي التليفونية وتم سحب مبلغ كبير من رصيدي البنكي بدون القيام بعمليات شرائية وبعد حيرة طويلة وحزر فزر وتساؤلات لا أول لها ولا أخر ذهبت إلى خبير تكنولوجي ليفحص تليفوناتي ليفاجئني بوجود تطبيقات وبرامج مراقبة واختراق لحساباتي الشخصية إذ تحولت الأجهزة الذكية إلى أجهزة تتبع. قمنا برفع شكوى للجهات المختصة لتقتص من السارق الحرامي المستعين بإدوات الذكاء الاصطناعي في ممارسة سرقاته المشبوهة التي يحاسب عليها القانون.
هذا الموقف جعلني اتسأل عن مشروعية هذه التطبيقات وعلاقاتها باختراق الخصوصية الشخصية وحقوق الإنسان؟ وما هي عقوبات من يقوم باختراق الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي!
مفهوم الخصوصية:
هو حق الانسان في أن يكون محميا من الوصول غير المرغوب فيه للبيانات الشخصية المتعلقة بالحياة الخاصة ومنعها أن تصبح معروفة للآخرين إذا لم يختار إن يقدم هذه المعلومات طوعا فهي حق إنساني قانوني يكفله له الدستور في كافة الدول والمجتمعات.
كتب إدوين لورانس جودكين في أواخر القرن التاسع عشر: “لا يوجد أحق من الحياة الخاصة بالحماية القانونية أو بعبارة أخرى، من حق كل إنسان أن يحتفظ بشؤونه لنفسه وأن يقرر لأي مدى يمكن أن يكون موضع المراقبة العامة وأحاديث الناس”
ويشتمل مفهوم الخصوصية على عدة مفاهيم منها:
حق الانسان في أن يُترك وحيدا:
أي حق الانسان في الانعزال والابتعاد عن ملاحظة وملاحقة الآخرين له متى أراد في منزلة، مع اسرته، أو في سيارته.
السرية: وهي الحد من وصول الآخرين إلى معلوماته الشخصية أثناء مشاركته في الأنشطة الاجتماعية.

الخصوصية الجسدية: وتعني أن لكل شخص الحق في ملكية جسده؛ إذ لا يمكن لأي جهة ذات مسؤولية أن تتعرض لهذا الجسد بالفحص أو أخذ عينات أو تصويره، دون موافقة شخصية، فالقدرة على تصوير المرء وكأنه لا يرتدي ملابس تُعد خرقاً وانتهاكا للخصوصية.
مع الأخذ بالاعتبار أن الأفكار والمشاعر والعواطف جزء من الخصوصية الجسدية؛ إذ للإنسان حق التعبير عنها أو الاحتفاظ بها لنفسه.
خصوصية المراسلات: وتعني حق الشخص بالاحتفاظ بخصوصيته عبر الاتصالات التليفونية الرقمية، وغير الرقمية دون تطفل أو تدخل أو مراقبة ببرامج وتطبيقات رقمية من أي جهة.
خصوصية البيانات: وهي أن يتمتع الفرد بخصوصية معلوماته اليومية الشخصية؛ وثائق، صور شهادات تم مُشاركتها عبر الهاتف وتطبيقات المراسلات مثل الواتس والبريد الإلكتروني.

الخصوصية المالية: وهي أن لكل انسان الحق في الحفاظ على خصوصية شؤونه المالية، إذ لا يحق لأي جهة كانت الاطلاع على ثروة الأفراد، أو ديونهم، أو دخلهم، أو نسبة إنفاقهم السنوية أو الشهرية أو اليومية.

القرصنة الإلكترونية:
تتم من خلال الوصول إلى الموبايل وجهاز الكمبيوتر الخاص بك ونظامه دون علمك أو دون أخذ إذنك بغرض المساومة والإساءة والاستغلال لكسب الأموال بطريقة غير شرعية.

شاشة تليفونك هي الهدف الرئيسي للاختراق لأنها نافذة لحياتك وعقلك وعملك وعلاقاتك وسياساتك واحلامك ومخططاتك ومشاعرك ونجاحاتك وإخفاقاتك التي لا ترغب أن يتطلع عليها الآخرين بدون علمك.
وتماشيا مع هذه الثورة الاتصالية ولإيقاف لصوص المواقع الإلكترونية، سنت العديد من الدول العديد القوانين التي تجرم كل من انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة عددا من الرسائل الإلكترونية لشخص ما دون رضاه سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة.
لا يمكننا أن ننكر قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي كأداة للابتكار وخدمة البشرية في مجتمعاتنا الرقمية الحالية، ولكن لا يمكننا أيضًا أن ننكر قدرته على تغذية انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق هائل بدون أي سيطرة في ظل التقنيات الرقمية الثورية في كلّ ركن من أركان حياتنا الجسدية والعقلية، والمهنية والمالية، ولما قد يكون لها من آثارًا سلبية، بل كارثية.
الإنسان أولا وأخيرا
وآخيرا نوصي باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد التلصص، والتجسس واختلاس النظر واستخدام المعلومات الشخصية وحماية خصوصيات الانسان من الاستغلال والاختراق، فمن حق الانسان أن يعيش حياته وفق منظوره وتطلعاته التي يرسمها لنفسه دون اطلاع الاخرين على أسرار حياته الشخصية والعائلية والمهنية والصحية وكافة نواحي حياته غير المباحة للآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى