فلسطين

قبلّوا رؤوس شعبكم وابكوا! \ بكر أبوبكر

إن الاستغلال الإسرائيلي للأحداث في ظل ما يقوم به من قتل مبرمج وتستر تحت قناع “حق الدفاع عن النفس”! يظهر أن الحاصل كان حاجة إسرائيلية لدى نتنياهو ليحقق انتصاره على فلسطين والفلسطينيين بالدم المسفوك، وهو الذي لم يراهم -رغم لونهم الفاقع والجميل- في كتابه مكان تحت الشمس، فلا مكان لهم لا في عقله ولا في “مكانه”.
وما كان الاستغلال الإسرائيلي لأحداث المباغتة إلا لغرض في نفس نتنياهو المحاصر بالفضائح والسقوط والمظاهرات ضده وضد حكومته الأكثر فاشية وعدوانية بالتاريخ الإسرائيلي؟
فهل جاءت الأحداث في “اليوم الموعود” هِبَة له من عند ربه! الربّ المخصص لدعمه وعقيدته الإقصائية! ليقوم بما يبرع به، أي تدمير فلسطين بشموليتها فكرة وقضية وناس وجغرافيا؟
ومن آليته يشتق تدمير”حل الدولتين” وتهجير الشعب الفلسطيني والاستمتاع بإرعاب الاطفال والمدنيين الأبرياء تحت سوط “حق الدفاع عن النفس” المشتمل على حق الانتقام والثأر وإنجاز المذابح تحت أنظار الهيئات التشريعية في العالم كلها، واعتبار ما يقوم به رغم بشاعة المناظر التي يراها العالم ردًا مكافئًا على 7/10 وفي إطار القضاء على الفاعل المباشر من خلال قتل الشعب الفلسطيني وتهجيره، فهذا هو الأوان!
لم يذرف “نتنياهو” وأتباعه دمعة واحدة على أي طفل فلسطيني، ولو ليظهر تعاطفه الإنساني العام؟! رغم ملايين العيون التي دمعت في العالم، فصرخت عاليًا، وأقسمت أن تنتصر للإنسانية والحق والعدل.
بل وقام بتصعيد حربه من خلال أدلجتها وإطلاق العنان لحكومته وجيشه بعمل ما يريد من قتل متواصل في الضفة الغربية تحت ستار المجازر في غزة، وتحت سحابات الغبار التي غطت وجوه المدنيين الأبرياء الذين لا يملكون من أمرهم شيئًا.
لقد استطاع نتنياهو أن يستفيد من الفرصة السانحة، وأن يقوم بما هو صنعَتُه فيحصد مجده التليد!
على المقلب الآخر أي بالإطار الفلسطيني وبغض النظر عما حصل من كارثة عظمى، وعن الأهداف المعلنة فإن حجم استباحة الأرض والدمار والقتل والذبح الذي تقوم به آلة الحرب الصهيوأمريكية تستدعي مراجعة النفس مطولًا، والتوقف لمحاسبة الذات مطولًا، بل والاعتذار للشعب الفلسطيني كله وخاصة في غزة عن أي تقصير أو خطأ، وتستدعي استلهام مفاهيم جديدة، وأفكار جديدة تقضي على افتراضات كانت أشبه بالحلم أو الامل ترافقت مع اليوم الأول.
إن صناعة الأمل لدى الشعب الفلسطيني هي صناعة مزدهرة مرتبطة بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالعمل الدؤوب المثابر طويل الأمد، ومرتبطة بالإيمان المطلق بالحق والعدل مهما طال الزمن، وبالحق الخالد بفلسطين لذا فهي صناعة لن تبور وسيظل الشعب الفلسطيني جيلًا وراء جيل يمارسها بكل السبل حتى تحرير وطنه.
لقد قال حسن نصر الله في خطابه -الذي انتقدته- نقطتين مفصليتين وجذريتين الأولى أن الانتصار قد تحقق باليوم الاول أي في 7/10 ما يقتضي التوقف والمراجعة وإعادة التخطيط والتفكير مليًا بالخطوة التالية والمآلات لتجنيب الناس والأرض الرزايا والمذابح، وفي أقلها كان الواجب تحقيق تكاتف الأيادي بين المختلفين الفلسطينيين (لا أدرى على ماذا؟ فهم متفقون سياسيًا!؟) ليحملوا بعضهم بعضًا ما لم يحصل حتى الآن.
نصر الله ذاته عبّر بذكاء عن مفهوم حرب الشعب طويلة الأمد بقوله أن الانتصار يتحقق بالنقاط وليس بالضربة القاضية، أي تفكروا جيدًا واحسبوا خطواتكم جيدًا وافهموا أن هناك جولات وجولات.
ونحن نرى أن الانتصار في أي من الجولات المتواصلة مع المحتل الصهيوني تأتي قيمته من شيئين رئيسيين هما الحفاظ على الأرض أو استرجاعها جزئيًا أو كليًا، والحفاظ على حياة وصمود الشعب أولًا وعاشرًا، وثانيا بالوحدة الوطنية .
عودة الى “نتنياهو” فلقد ظن أنه حقق انتصاره على القيادة الفلسطينية كلها من خلال العدد (اي عدد آلاف الجثث من المدنيين والأطفال)، وأنه حقق انتصاره بإعادة احتلال أرض غزة، ودوام قضم الضفة، وحقق انتصاره من خلال الاستباحة والبشاعة وتكريس الشرخ، وهو قد يكون محقًا بذلك إن ظل الشرخ الفلسطيني قائمًا ويتحقق! فيما يتسول القائد السياسي الفلسطيني -من كل الاتجاهات لا فرق- دورُا من هذه الدولة أو تلك وكأن لا ممثل شرعي قوي له!؟
إن صناعة أي انتصار بما يحصل حاليًا من مآلات، أي في ظل حجم الدمار والقتل والمذابح المرعب جدًا فيما لم يسبقه مثيل بالتاريخ الحديث، يعتبر كذبًا على الذات بل وفاحشة تستوجب التوبة.
لا منتصر ولن يكون منتصر الا ثبات وصمود الشعب الفلسطيني البطل في أرضه بعيدًا عن تفاهات ومناكفات كافة فصائله المتقاتلة اليوم على الزائل. وما تزال لا تفهم أهمية أن تلتقي؟ وكأنهما ببعد القمر عن الشمس ولا بديل عن تواصل الافتراق.
كانت الأحداث هِبة لنتنياهو، كما يجب أن تكون هبة للقائد الفلسطيني لينتبه أن قيادته “العظيمة” فقط مرتبطة بالحفاظ على الأرض والشعب، وخدمته فهو الخادم لهذا الشعب والضامن لمصالحه، وهو ما لم يحصل في هذه الحرب وفق المآلات التي اختلفت ربما عن المقدمات أو الأهداف أوالافتراضات.
على القائد الذي يفهم مهمته حقًا لذا عليه أن يراجع نفسه يوميًا ماذا قدم لشعبه ليحيا حياة البشرعلى أرضه ويزوده بكل مقومات الكفاح والنضال والمقاومة والصمود، فنحن شعب يجب الحياة ما استطعنا اليها سبيلًا كما قال محمود درويش.
بعد 50 يومًا يجب على القيادة الفلسطينية بكافة ألوانها وخاصة تلك الواهمة، أو تلك المتوهجة والمكتفية بذاتها، أن تراجع ذاتها وتركع طلبًا للمغفرة من الله سبحانه وتعالى ومن شعبها، وتذرف الدمع السخي على خطأ حساباتها او تقصيرها بخدمة شعبها، بل وأن تبكي طويلًا على كل شهيد مات دون أن يخلف تقدمًا نحو الأهداف، إنها الأهداف التي باعدته هذه القيادة عنها.
على القيادة الفلسطينية بكافة ألوانها أن تعيد التفكير جيدًا فيما يحصل من كارثة العصر، وعليها أن تركع طويلًا عند جثة كل شهيد وشهيدة، وتطلب المغفرة منهم، ومن الله سبحانه وتعالى فلعلها تنجو وتفهم وتعي حجم الألم والتقصير.
على جميع هذه القيادات من كافة الالوان أن تقوم بتقبيل وجوه وأقدام وأيدي وأحلام الأطفال الستة أو السبعة آلاف، الشهداء العِظام، بدلًا من أن يسمعونا خطاباتهم الرنانة التي لا قيمة لها، لا سيما والخراب والدمار والجثث في الشوارع تنهشها الكلاب.
على كل القادة “العظام” من جميع الألوان أن يُفهمونا ماذا سيفعلون الآن -في ظل الكارثة العظمى التي تسببوا بها بتقصيرهم الوطني- بآمال وأحلام وطموحات الأطفال الصغيرة الذين مازالوا على قيد الحياة، أم انهم عند السياسي لا بواكي لهم!
إن الفرصة التي أحدثتها المباغتة او الطوفان وبعد 50 يومًا يجب أن تكون درسًا قاسيًا للقيادات ما بين جنوب وشمال، فلا توهم الجماهير أو تبيعهم الأمل وهي لاتدري كيف تضع يدًا بيد، أوأنها تنتظر أن يستدعيها العالم لتولي كرسي مخلخل هنا أو هناك.
إن مشاريع أغفال دماء الشهداء والجرحى الأبطال، وعدم تقدير دمعة الأم وحلم الطفل، ونهضة الشباب ومقاومتهم، وصمود الرجال، ومشاريع إدارة الظهر كل للآخر، ومشاريع إغفال وجود أي مؤسسة أو جهة فلسطينية رسمية وطنية في قطاع غزة، وإغفال ممثل الفلسطينيين الذي قاوم نزق كل العرب المتأمركين والتقدميين الا هبل سياسي، وقصر نظر، وعبث بالدماء، يظن به أصحابه أن مسيرة أكثر من 55 عامًا يمكنهم القضاء عليها، ويظهروا لأنفسهم أنهم المنتصرين على أو ضد فلسطينيتهم! على شعبهم وتاريخه ومستقبله، بترك الأوراق يلعبها ويتداولها بخفة هذا البلد العربي أو ذاك غير العربي؟ وما أيهم بالأحرص على شعبنا من أنفسنا مطلقًا.
ليقف جميع القادة اليوم من كافة الألوان (وما أجدرهم ان يتوقفوا عن رفع الرايات ويكتفوا بعلم فلسطين فقط) تحية احترام وإجلال وتقدير لهذا الشعب الجبار في داخل فلسطين، في غزة الإباء والبطولة والثبات، وفي الضفة البطلة والقدس عاصمة العالم، ولشعبنا البطل الصابر المكابر في الخارج والشتات واحدًا واحدًا.
وليلقي القادة أجمعين التحية صباح مساء ويقبلوا رؤوس أبناء شعبهم ويبكوا طويلًا عما فعلوه بهذا الشعب بتفرقهم وخفة تخطيطهم وسوء تقديرهم، وبتخبطهم وبامتناعهم عن المراجعة والاغترار بالذنب. فلولا هذا الشعب الذي يتحملهم لما كان لأي شخص من هؤلاء “القادة” من كافة الألوان أن يحتل مقعده، ولولا هذا الشعب الصابر المرابط المصابر لما كان لأي منهم من صوت في منتدى الأمم.
آن الأوان لعدم التبعثر بين أحضان هذا المحور أو ذاك، وإلقاء الشكوك والافتراضات والأكاذيب السمجة جانبًا. إنه أوان البكاء تكفيرًا عن ذنوبهم الكثيرة بحق هذا الشعب، ثم وضع اليد باليد وبدون هذه اليدين الممتدتين فليس لكم إلا الذوبان، أو التواري أوالتلاشي القريب، فالشعب فقط هو الأكبر منكم أجمعين كما كان يردد الخالد ياسر عرفات، مهما كانت العباءة التي تتسترون بها واسعة أو دافئة!
آن الاوان لتبديد انتصار “نتنياهو” وفاشييه في “مكانه”، وبالغرب الاستعماري المتوحش على شعبنا بما يراهُ هو كذلك، أي بالقتل وتدمير الأرض والخراب والتهجير والإبادة والتطهير العرقي، فيتعالى كل فريق من كل الألوان عن مسلماته الغبية، ويمد يده للآخر، فأنتم كلكم بلا استثناء لستم “الأمل والمنى والدنيا والأحلام”، ولستم القيمة لا “فتح” ولا “حماس” ولا “الشعبية” ولا “الجهاد”….، بكل بساطة أنتم لاشيء بلا هذا الشعب العظيم الذي إما يقبلكم على كل خطاياكم بعد “التوبة النصوح”، أو يقيلكم ويلفظكم.
*اليوم 51 من العدوان على فلسطين من بوابة غزة، والضفة الواقع بتاريخ 26/11/2023م

بكر أبوبكر
https://t.me/fatahacad

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى