الأخبار اللبنانية

المرتضى حاضر في جامعة المدينة تحت عنوان “طرابلس عاصمة السياحة الثقافية”

نظمت جامعة المدينة في طرابلس، محاضرة، بعنوان “طرابلس عاصمة السياحة الثقافية”، برعاية وحضور
وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، وكان في استقباله رئيس مجلس أمناء الجامعة رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي، رئيس جامعة المدينة الدكتور ادغار رزق، النائب العام الاستئنافي في الشمال القاضي زياد الشعراني، رئيس بلدية طرابلس المهندس احمد قمرالدين وعدد من الشخصيات والفعاليات في المدينة وحشد من الإعلاميين.

كرامي
افتتحت الندوة، بالنشيدين الوطني اللبناني ونشيد جامعة المدينة، ثم كلمة ترحيبية بالوزيرالمرتضى، والحضور والمشاركين، ثم كانت كلمة رئيس أمناء جامعة المدينة النائب كرامي، قال فيها: “نستقبل اليوم معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى في طرابلس التي نعرف مدى افتتانه بها وبتراثها العريق، وفي جامعة المدينة، مؤسسة رشيد كرامي للتعليم العالي، مدركين ايضاً المكانة المميزة التي يحتلها شهيدنا الكبير رشيد كرامي في وجدان معاليه. اما جامعة المدينة التي تعتز بهذه الزيارة الكريمة، فإن القييمين عليها يدركون ايضاً ان الوزير مرتضى يعرف اهمية الدور الذي تلعبه هذه الجامعة في طرابلس والشمال عموماً سواء عبر حرصها على اتاحة الفرصة امام مئات الطلبة للالتحاق بكليات متنوعة التخصصات تتبّع اعلى المعايير العلمية المتصلة بجودة التعليم، وتؤمن افضل الممكن على مستوى كلفة هذا التعليم عبر الكثير من التقديمات والمنح والاقساط المتهاودة بالمقارنة مع ارقى الجامعات اللبنانية”.
أضاف: “معالي الاخ والصديق الوزير محمد وسام المرتضى، ان اعلان عاصمة للسياحة الثقافية في لبنان هو اقلّ ما تستحقه هذه المدينة، التي نستظل مجدها الضاربة جذوره في تاريخ الانسانية، ونغرف من تراثها لنصنع الغد المضيء الذي تحققه الارادة وتجوهره الاحلام. هذه المدينة المستلقية على شاطئ البحر الابيض المتوسط شاهدةٌ على التاريخ والجغرافيا، وعلى المكان والزمان، منذ آلاف السنين”.
وتابع: “طرابلس هي المدينة الفينيقية التي كانت قبل آلاف السنين تلك المدينة البحرية الجامعة التي أقيم فيها أول واكبر مجمّع سياسي تمثيلي للمدن الفينيقية في ما يشبه اول برلمان في التاريخ. وطرابلس ايضاً هي المدينة الصليبية التي شكّلت خلال عهد الافرنجة في المنطقة محور الحدث السياسي والعسكري، والحصن الذي انشأ فيه الصليبيون قلعة سان جيل التاريخية التي لا تزال الى اليون من ابرز المعالم الاثرية الصليبية في الشرق. وطرابلس يا معالي الوزير هي ايضاً المدينة المملوكية التي كانت مركز نيابة السلطنة، وسُمِيَّت بالقاهرة الصغرى، وهي التي تضم اليوم ثاني اكبر مدينة مملوكية مأهولة بعد القاهرة، حيث تتوزّع في الاسواق والاحياء المملوكية عشرات المدارس والمساجدة والمدارس والخانات والحمامات، والتي تعُتبر كنزاً اثرياً حقيقياً على كل المستويات الجمالية والعمرانية والتاريخية. وطرابلس هي ايضاً المدينة العثمانية حيث كانت الحاضرة البحرية الناشطة في اعمال التجارة والصناعة والناهضة الى ادوار قيادية جعلتها واحدة من اهم مدن الساحل الشامي في الدولة العثمانية، وتركت لنا تلك الحقبة العثمانية عشرات الشواهد الاثرية التي لا تزال حتى اليوم مقصِداً لكثير من الزوار وتحفةً من تحف التراث المعماري”.
وقال: “طرابلس ايها الحضور الكريم. طرابلس يا معالي الوزير الدولة المؤسسة للبنان الكبير التي ارتضت ان تنفصل عن شمالها المفتوح على العالم العربي الوسيع وذهبت الى جنوبها اللبناني الذي لم يعرف قيمتها ولم يحافظ عليها، ومنحها لقب العاصمة الثانية للبنان كترضية شكلية لهذه المدينة التي كانت في القرن العشرين المدينة الاكبر والاساسية في لبنان الكبير والمرفأ الاكبر والاساسي في الدولة الناشئة، والتي تحسد فيها النسيج الاستثنائي للعيش الواحد بين الطوائف، كما تجسّدت فيها الهوية القومية التي جعلتها تحمل لواء العروبة ولواء فلسطين المحتلة. طرابلس هذه دفعت الاثمان الباهظة بسبب الحرمان والاهمال اللذين شكلا سياسة رسمية للدولة اللبنانية تجاهها، ثم اتى زمن الافقار والتجويع والتصحير لكي يتم تحويلها الى خزان بشري فقير يتم التلاعب به تارة في صندوق الانتخابات وطوراً في الحروب الدامية التي يفرضها صندوق البريد”.

وأضاف: “لكل ذلك وانطلاقاً من كل هذا التاريخ المضيء، اقول لك يا معالي الوزير اننا نظلم طرابلس ونظلم لبنان ايضاً حين لا تأخذ هذه المدينة موقعها ومكانتها اللذين تستحقهما، ونحن نعوّل عليك وانت صاحب المبادرات المميزة والمحبّ لطرابلس والعارف بقيمتها، ان تعيد لها وللبنان ولو جزءاً بسيطاً من حقها على المستوى الثقافي والسياحي باعتبارها المتحف الحيّ الذي يتربّع على ثلاثة آلاف سنة من الحضارات المتعاقبة”.

وختم: “اكتفي بهذه الاضاءة السريعة ذات الطابع التاريخيّ تاركاً للاخوة المشاركين في هذه الندوة، الدكتورة راوية مجذوب والمهندس وسيم الناغي، ان يتحدثا عن باقي الشواهد ذات الطابع الثقافي والاثري والمعماري ولاسيما معرض رشيد كرامي الدولي، تحفة اوسكار نيماير المعمارية التي حوّلتها الدولة اللبنانية الى بؤرة مهملة.
مجدداً، ارحّب بمعالي وزير الثقافة في جامعة المدينة وفي الفيحاء التي يحبّها آملاً ان يمضي معتا يوماً طرابلسياً جميلاً وان تتواصل اللقاءات”.

تلاه، كلمة رئيسة مركز الدراسات العليا المتخصصة في ترميم الآثار في الجامعة اللبنانية السابقة الدكتورة راوية مجذوب ، بالإضافة لكلمة ألقاها المهندس الأستاذ وسيم الناغي الرئيس السابق لاتحاد المهندسين المعماريين في حوض البحر المتوسط.

بدوره، ألقى راعي الندوة الوزير القاضي محمد وسام المرتضى كلمة بدأها بجملة للشاعر أحمد شوقي:
“كلّما جئتُكِ راجعْتُ الصِّبا فأَبَتْ أيّامُه أن ترجِعا”. وقال: “لكنَّ الذين يأتون إلى طرابلس في أيِّ مرحلةٍ من مراحل حياتِهم، ثمَّ يغادرونها كما حدث معي شخصيًّا، فإنَّ المدينةَ مهما ابتعدوا عنها لا تُفارقُهم أبدًا، بل تبسُطُ محبتَها على أعمارهم وتسكنُ في عيونهم وفي الذكريات. جئتُها منذ أكثر من ربع قرن قاضيًا ينظرُ في أمور ناسِها، فأصبحت هي الحاكمة التي تملي على الحنين أحكامَ مودتِها باسم شعبِها الأصيل، وتُدوِّن على محاضر المشاعر والأحاسيس، إجراءاتِها الفيحاءَ بحبرٍ من عطرِ الليمون الذي كان في زمنٍ ما، زمانَها كلَّه وظَلَّ ربيعِ دنياها. لذلك، وبسبب العلاقات النخبوية التي منحتها، وتمنحها لمن يجيءُ إليها، يصحُّ فيَّ وفيها قول القائل: طرابلسَ، هل غادرَتْني كي أعودَ لها؟”

وأضاف: “قبل أن أتحدَّث كوزيرٍ للثقافة في الجمهورية اللبنانية، تتملَّكُني رغبةٌ في أن أجلسَ الآن ثانيةً في مجلس القضاء، وأُدْخِلَ التاريخَ إلى غرفة التحقيق، لأستنطقَه كمدعًى عليه بتهمة إهمالِ طرابلس، فأسألَه أسئلةً ثلاثةً لا غير:
​هل كان لوطننا أن تكتملَ نشأةُ كيانِه الأولى منذ أكثرَ من مائة عام، لولا أن قبلت طرابلس بزعامةِ دولة الرئيس عبد الحميد كرامي أن تنضمَّ إلى لبنانَ الكبير؟ وهل كان للحرب الأهلية أن ينتهي ضِرامُها لو لم يُزْهرْ دم الرئيس الشهيد رشيد كرامي برتقالًا وزيتونًا ونخيلًا، وسلامًا أرادوا إطفاءَه عندما فجّروا السماء بطائرته، فباغتَهم من الأرضِ تراثُه المتجذِّرُ في الوطنيةِ السَّمحةِ ولقاءِ المودةِ بين الوجوه والقلوب؟ وهل كان لاتفاق الطائف أن يمشي خُطاهُ الأولى لو لم يمسكْ بيده دولةُ الرئيس عمر كرامي، حتى توطَّدَ مبتداه، فسلمه إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الظروف التي تعلمون؟
​وبعد انتهاء هذا التحقيق، لن تُثبِتَ الأدلةُ والاستجوابات أمامي وأمامَكم سوى نتيجةٍ واحدةٍ تقول: “كبيرٌ فضلُ طرابلس على لبنان الكبير، ولها عليه ألفُ دينٍ ودين، ولقد حان وقت تسديدِه، إنماءً على جميع المستويات بعدما تأخّر كثيرًا كثيرًا”.

وتابع: “في رحابِ هذه الجامعةِ العريقة، القابعةِ في جيرةِ الزيتونِ والبحر، نلتقي تحت عنوان: “طرابلس عاصمة للسياحة الثقافية”. والحقيقة أن طرابلسَ منذ تكوُّنِها في رحِم الجغرافيا، كانت عاصمةً للتلاقي: بين الداخل والشطوط، بين الجبال والسهول، بين البحارة والفلاحين، بين أصحاب الفكرِ وأرباب الصنائع. لكنَّ المؤسفَ جدًّا أنَّ واقعَ المدينةِ الراهن بات عبئًا على تاريخِها العريق. فالمرافقُ الحيويةُ التي بإمكانِها أن تنعشَ اقتصادَ الوطنِ كلِّه، هي منذ عقودٍ طويلة معطلةٌ تعطيلًا شبه كامل. والتراثُ المملوكيُّ التي تختزنُ المدينةُ القديمةُ بدائعَ من آثاره متروكٌ لمصائرِ الإهمالِ والتخريبِ والنسيان. والنسيجُ الاجتماعي المتنوعُ الذي كانت تتميز به طرابلس، تفتقت عُراه وتفكَّكَتْ أزرارُه إلا القليل. لكنَّ العاصمةَ الثانيةَ ما زالت، على سواعدِ أبنائها وأعناقِ رؤاهم، تتطلعُ إلى غدِها الذي لا يقوم إلا بعد تخطيطٍ علميٍّ شامل، يتناولُ كل ناحيةٍ من نواحي الحياة الطرابلسية، في العمران والاقتصاد والاجتماع والتاريخ؛ وهذا واجبٌ ملقًى على عاتقِ الدولةِ ومؤسساتِها الرسميةِ المركزيةِ والمحلية، لكنَّه لا يمنعُ أهل المدينةِ من القيام به، أو ببعضِه، بعدما أثبتت المبادراتُ الفردية هنا وهناك، أنَّها أفعلُ وأسرعُ وأنجع من مبادرات القطاع العام”.
وقال: “ولأنّ المقامَ الجميل أيّها الأحبّةُ لا يكون للشكوى فقط، ولأنَّ من واجب كلِّ مسؤول في مجالِ مسؤوليته أن يتحلّى بالابتكارِ والإيجابيةِ بمعرِضِ وجوده في واجهة النشاط الإنمائي العام، فإنني أنقلُ إليكم إيجابياتٍ كثيرةً، منها أنَّنا سنحتفل العامَ المقبل بطرابلس عاصمةً للثقافة العربية، وقد باشرنا إجراءات التحضيرِ لهذه الفعالية، بتشكيل لجنةٍ مركزية تتولّى ما يلزم من خطواتٍ على الأرض لإنجاح ذلك الحدث الثقافي المرتقَب، الذي سينعكسُ بروّاده ونشاطاته إيجابًا على واقع طرابلس من جميع النواحي بلا شك، لكونِ الثقافةِ حاضنةً لكلِّ خلجاتِ الحياة، بَدءًا من السياحة مرورًا بأسواق البيع والشراء، وصولًا إلى تجليّات الفكرِ المحض”.
وأردف: “ومن الإيجابيات أيضًا ما علمتم من قرارٍ إدراج معرض الرئيس الشهيد رشيد كرامي على لائحة التراث العالمي لدى منظمة الأونيسكو. ولقد كان لنا في خلالِ الأسبوع الفائت اجتماعُ عملٍ مع المكتب الإقليمي لهذه المنظّمة في بيروت، بحضور مسؤولةٍ رفيعة المستوى قدمت خصيصاً من باريس، من أجل بحث أطرِ التمويل المطلوب لترميم مباني المعرض المهددة بالخطر، ولسوف نزفُّ قريبًا إلى اللبنانيين بعامةٍ، والطرابلسيين بخاصةٍ، أنباءً جيدةً في هذا الموضوع”.
وختم: “يبقى أن ثروةَ طرابلس الحقيقية هي أنتم. فكلما تشبثتم أكثر بوحدتكم الوطنية، وانتميتم إلى تاريخكم الضاربِ في الحضارة الإنسانية، ومضيتم قدُمًا في دروبِ العلم والثقافة، ولا سيما ما تمليه مقتضيات الحداثة من علوم، تكونون العنوان الأبهى للبنان، كما كانت مدينتُكم في غابر العصور ملتقًى وساحةَ حوارٍ وواحةَ سلام. الشكر كل الشكر لمعالي الأخ والصديق فيصل كرامي ولجامعة المدينة إدارةً وأساتذةً وطلابَ علم. الشكر لطرابلس لأنَّها احتملت من الوطن كلَّ هذا النسيان”.

وفي الختام، قدّم كرامي درعاً تكريمية باسم جامعة المدينة لراعي الندوة الوزير المرتضى، شاكراً اياه على المبادرات القيمة التي يقوم بها من أجل عودة طرابلس الى الريادة على الصعيد السياحي والثقافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى