المقالات

العمل بالوحدة للساحات … أم أمل بالساحات للوحدة … \ *كتب الإعلامي د. باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت

  * 
     *العمل الثوري يشجع دوماً على التحرر والتغيير ، خاصة للشعوب المضطهدة من قبل المحتلين لأراضيها ، أو المستبدين بكرامتها ، أو السالبين لحقوقها ، أو الظالمين لنفوس أبنائها ، وجميعها تصبُّ في دربٍ واحدٍ ، يأخذ طابع المقاومة لكل من يتصف بالهيمنة والتسلط على الشعوب المقهورة ، بفعل إستخدام القوة لإسكات صوت العدل والحق والحقيقة ، التي لاتناسب من يتربع على مراكز القوى ، ليقود وفق الأهواء والمزاجيات ، التي تندرج في درب سلوك المصالح الشخصية ، أو الفئوية ، أو الطائفية والمذهبية ، التي ترى بعينٍ واحدةٍ تصبُّ في مبدأ وقانون الغاب ، وتسير على رِجلٍ واحدَةٍ تتجه نحو الهاوية ...*
        إنّ حركات التحرر في العالم أجمع ، والتي نشأت من أجل تطبيق شعارات الحرية والتغيير ، وإلى إيصال الحقوق للشعب ، والحكم بالعدالة والمساواة ، وإحقاق الحقوق للجميع ضمن التوازن الجيوسياسي ، من دون تمييزٍ وتحسسٍ ، ومصالح أنانيُةٍ وفئويُةٍ وحزبيّةٍ ، قد لاقت تشجيعاً قوياً ، ودعماً متدفقاً بكل القوى والوسائل والإمكانيات ، لما لكرامة الإنسان من أهمية كبرى في العيش بكرامة وأمان وإطمئنان ، وتأمين كافة مستلزمات الحياة الحُرّة الكريمة ، سيما وأن حقوق الإنسان هي الواجبة بالتطبيق في كل العقود الإجتماعية  ، وأيضاً في كل الرسالات السماوية ، بل في كل الأنظمة والدساتير والقوانين ، التي تحدِّد لكل ذي حقٍ حقّه ، أكان ذلك في الحقوق والواجبات ، من الدول نحو الشعوب ، وأيضاً من الشعوب نحو الدول ، للتتناغم في دائرة التواصل نحو إستكمال الدورة الحياتية ، التي تسعد الإنسان في إنسانيته ، وتستديم السلطات في حكمها العادل ، تحت شعار *(العدل أساس الملك )* ...
       *التاريخ يشهد للعديد من حركات التحرر ، في أكثر من بلدٍ ، أو مناطق متنازع عليها ، أو مقاطعاتٍ تتنازع فيما بينها ، وجميعها تتجمع تحت  عنوان واحد : (السلطة والمال) ، والتجارب العديدة التي قامت بالثورات الشعبية ، غير الإنقلابات العسكرية المبرمجة ، فقد وجدنا أن أكثرها من التي نجحت وسيطرت على الحكم والسلطة ، قد آلت إلى التناحر وتصفية القيادات والمناصرين ، لتنحاز إلى المصالح الشخصية للحكام الجدد ، الذين باعوا دماء المناضلين أو المجاهدين الذين ضحُّوا بدمائهم وأنفسهم للحفاظ على كرامتهم ، وعلى تحرير بلادهم من المستبدين والظالمين ، ليُستَبدَلوا بأظلمَ منهم ، أو على الأقل : بمن يشابههم في الهيمنة على مقومات البلاد ، وعلى مكاسب السلطة والمال ، على مبدأ :( التاريخ يعيد نفسه ) ...*
       الوطن العربي يخوض شعاراتِ حركات التحرر ومنظمات التحرير ، أو المقاومات المتعددة منذ عشرات السنين ، والتي تأخذ دور التغيير والوصول إلى مطالب الشعوب عن طريق إثارة حقوق الإنسان والحريات العامة ، وتحقيق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد ، بالإضافة إلى الدعوات المتعددة  من هنا وهناك ، لأجل تنفيذ الوحدة العربية ، تجاه المحتل الغاصب لأرض فلسطين وطرد اليهود منها وتحريرها من البحر إلى النهر ، أي لكامل أرض فلسطين ، والتي إعتُبرَت أنها القضية المركزية للعرب أجمعين ...
      *وإذ بالسنين والعهود والأيام ، تدور وتجري عكس التيار بما لا تشتهي سفن المنظمات والمقاومات ، التي تتجه نحو زيادة التشرذم والإنشقاقات ، والتعددية في النظريات والعناوين والشعارات ، والتي زادت بالطين بِلَّة ، حتى قَسَت القلوب ، وإبتعدت عن التلاحم والتضامن والوحدة أكثر فأكثر ...*
        بعدما تعددت الخيانات وطغت على حكام البلاد العربية ، الذين إرتضوا بقاعدة *(كل حزب بما لديهم فرحون)* ، بل بقاعدة *(أنا أو لا أحد )*  خاصةً للبلاد التي أنشئت على صيغة العشائر والعائلات الوراثية ، وحتى الحزبية والعسكرية ، مع تأليه القائد الملهم وتلميع صورته ، حتى لا يُرَدُّ له طلب ولا قرار ولا مزاج ...
        *لقد إزداد الصراع فيما بين الأخوة الذين تنطعوا بالدعوة للوحدة العربية ، والتحرر من  الحكام والأحكام ، لتستغل الثورات التي حملت شعار : (الربيع العربي) فباتت هذه الثورات لقمةً سائغةً في يد الأعداء الذين ساقوهم إلى الصراعات الداخلية والإقتتال بين الأخوة ، بأبشع مظاهر القتل والتدمير والتشريد ، وأذلِّ مشاهد الإنحطاط والبلاء والهوان ، لتصبح شغلهم الشاغل مع نسيان القضية المركزية والدعوة للوحدة العربية لمواجهة العدو الأوحد ، الذي بقي يتفرج على شرذمتهم وإقتتالهم بكل سعادة وسرور لما يحقق غايتهم على أيدي أبناء العم الأوفياء ...*
        باتت مع المستجدات ، قضية مواجهة الكيان الصهيوني ، موضوعَةٌ على الرّفِّ العربي ، سيما وأن العديد من الحكام والدول ذهبت بالخط المعاكس بما يسمى : *(صفقة العصر )* التي تقوم على أسس التطبيع ، وإقامة العلاقات الطبيعية والإقتصادية والإلكترونية ، التي تساهم في زيادة المعلوماتية للعدو الصهيوني حيث يوعدهم *(كالعادة )*  بالسلام والأمان لهم ولعروشهم ، من عدوٍ جديد قد أوهمهم به ، عبر حروب مصطنعة بغزوات وصراعات وإنتشار بإتجاه إحتلال عواصم الدول العربية ، فكانت حجَّةً للإلتفات على العدو المصطنع الجديد ، ونسيان العداوة مع الغاصب المحتل في القضية الفلسطينية المركزية...
     *جرى كل ذلك من بعد قيام الثورة الإيرانية والتمَدُّد بها تحت شعار تحرير القدس الشريف ودحر الكيان اليهودي فبدأوا بالزحف من خلال فيلق القدس ، نحو العراق والقضاء على نظامه المعارض لهم ، ثم على سوريا بحجة الدفاع عن نظامه المتعاون معهم ، والتمدد نحو لبنان للهيمنة على نظامه ليكون معهم ، كما حدث لليمن وتقسيم نظامه لتكون فيه حصةٌ لهم ، وكاد الأمر أن يشمل هذا التمدد والإنتشار ، معظم دول الخليج العربي من خلال التهديد الخارجي العسكري ، أو الداخلي من خلال الأتباع والأنصار لهذه الحركة التحررية من الأنظمة الحاكمة ، وإستبدالها بأنظمة ناقمة ...*
  مع هذا التحرك ، فقد تعدَّدت ساحات المواجهة ، وتشعَّبت أساليب الصراع ،  فباتت الجبهة الواحدة المفتوحة مع العدو الصهيوني ، مفتوحة إلى جبهات متنوعة ومتعددة الغايات ، فمنها سياسية للوصول إلى السلطة ، ومنها  إقتصادية للوصول إلى آبار النفط والغاز ، ومنها دينية للفتن الطائفية والمذهبية ، ومنها فئوية لمصالح حزبية وعشائرية وعائلية ، ومنها تحررية لجلاء المحتل عن الأرض المغتصبة عنوةً وخيانةً لأهلها ، ومنها للهيمنة على المنطقة ككل لأجل الحكم السلطوي الإستبدادي ، الطامع بالبلاد ومقوماتها ، لإخضاع الأرض التي تدين لهم بالطاعة والخنوع ، لأنهم الشعب المختار الذي يحق له الحياة فقط ...
      *من هنا صدرت الدعوة لوحدة الساحات ، حتى تكون على صعيدٍ واحدٍ ،  للسير بإتجاه تحقيق الغاية المطلوبة ، وهذه الغاية تندرج في قواعد الإشتباك ، التي تحدد مدى التبادل في خطوات السير نحو الغاية ، لأن القاعدة في سيناريو المواجهة تعتمد على : (من إستعجل الشيء قبل أوانه ، عوقب بحرمانه )...*
         حتى لا تحترق الطبخة المعدّة لوليمة تقسيم المنطقة ، ولجميع آكليها ومتوزعي غنائمها من الإرث التاريخي لها ، ووجوب تحديد خطوط التماس ، والتي ستصبح ضمن خارطة الطريق ، وترسيم حدودها البحرية والبرية ، فلا بد من إعتماد الخطة المبرمجة لها ، وفق القواعد والمواثيق والمباحثات الدولية ، التي ترسم الخطوط وتحدد المواقع وتزع الأدوار والساحات والمسرحيات عليها ...
       *فجأة ، ومن دون مقدمات ، ظهرت عملية طوفان الأقصى ، وفيها ما فيها من مفاجآت عسكرية وإستخباراتية ، وخسائر فادحة بالقتلى والأسرى والتدمير ، والغنائم الهامة جداً في الأجهزة والمعلومات والخطط ، حيث لم تكن بالحسبان لجميع الفرقاء من ساحات الصراع ، إذ تفرّدت ساحة التحرر من المحتل الغاصب ، الذي يُمعن بالقتل والتدمير والتشريد والإبادة على مدى أكثر من مائة عام ، ليزداد حقداً بالقتل والتهديم والأرض المحروقة والمسحوقة من كافة حقوق الإنسان وقواعد الإشتباك والقوانين الدولية والإنسانية ...*
      ومن هنا يدخل أصحاب وحدة الساحات ، لأجل أن تكون هذه الساحة المستباحة ضمن وحدة الساحات ، والسير على قواعد الإشتباك ، وتنظيم الصراع وفق خارطة الطريق حتى يعلم كل فريق حدوده ، ولا يتعداها حتى لا تتداخل خطوطها  وخربطة أصولها بعدما وصلت أمورها إلى نهايتها وتسوية غاياتها ...
       *فالمطلوب  لها العمل بوحدة الساحات لتمرير الخارطة على ماهي ، وليس الأمل بالساحات لتحقيق الوحدة  ، والعودة بالقضية الفلسطينية إلى أصلها ،  لتكون هي المركزية بجلاء المحتل الغاصب وإزالة هذا الكابوس عن صدر هذه الأمة ...*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى