المقالات

العاجزون عن انتاج رئيس للجمهورية ، لا يبنون دولة .نبيل الزعبي

ماذا يستنتج المراقب السياسي لما يحدث في لبنان من صراعٍ داخلي مستميت من قبل الاطراف السياسية الداخلية المتناحرة حول الإتيان برئيسٍ جديد للجمهورية وفق مطابقته للشروط والمواصفات التي ترى انها تتكامل مع مشاريعها وحماية وجودها والالتزام باجنداتها السياسية ! والى ماذا يقودنا هذا الاستنتاج والقراءة الاولية للحدث اللبناني من اهمية استراتيجية لموقع الرئاسة اللبنانية خاصةً بعد التعديلات الدستورية التي أقرتها وثيقة الطائف وصارت بمثابة الدستور الجديد للجمهورية اللبنانية حيث حدّت البعض من صلاحيات الرئيس واناطتها بمجلس الوزراء مجتمعاً كممثل للمكوّنات الدينية والطائفية والمذهبية ( بالملم والسنتم وعلى القلم والدفتر ) وصار للوزير على رأس وزارته من الصلاحيات ، ما لم يتسنّ لواحدة من الرئاسات الثلاث حيازتها بعد الطائف .
هكذا نص دستور لبنان الجديد ، وهكذا اعترضت مكوّنات طائفية اساسية على انتزاع بعض الصلاحيات من الرئيس واعتبرت انها المعنية بذلك باعتبار انه لا يجوز في ظل النظام الطوائفي المذهبي اللبناني ، الاخلال بالتوازنات او إضعاف هذا الموقع او ذاك المحسوب على هذه الطائفة وذلك المذهب .
جميعهم تجاهلوا الطائف ولم يتزحزحوا قيد انملة عن عدم تطبيقه منذ اقراره حتى يومنا هذا ، متسببين بكل ما تخرج علينا بين الفينة والاخرى دعوات مستهجنة مرفوضة تدعوا الى فدرلة البلد ، منهم عن قناعاتٍ مسبقة والتزامهم بمشروعهم التقسيمي الذي لم تنفع معه حرب السنتين ٧٥/٧٦ ، وما تلاها من حروبٍ صغيرة ليجد في المناخات الراهنة من استقواء على الدولة وتغييب دورها القوي المركزي ، ما يشجعه على إظهار طروحاته على الملأ هذه الايام ، بينما من اسموا انفسهم ” الاقوياء” يناورون لتحسين ظروف تمثيلهم الطوائفي متناسين ان من يتذرع بانتزاع صلاحياته في الرئاسة ، كان له من القوة ما اوصل البلاد الى جهنّم ولم تخرج منها بعد ، فكيف لو كان بتلك الصلاحيات قبل اتفاق الطائف ! وماذا يقولون عن ” الترويكا ” وصلاحياتها مجتمعةً بعد الطائف وبدعة تحالف الاقوياء بين الرئاسات الثلاث التي قضت على الحياة الديموقراطية في البلد بعد ان غطس الجميع في لعبة المصالح وتقاسم النفوذ لسلطة احتكار التمثيل الطائفي والمذهبي وتجيير هذا التمثيل في نفس الوقت لصالح أفراد وكيانات لخصت بحضورها الوطن كاملاً ، ليتحفوننا بمصطلح “الديمقراطية التوافقية” التي لا تعني سوى الالغاء التدريجي لكل ما يتعلق بالديمقراطية ومقوماتها الأساسية التي لا تستقيم إلا بالمعارضة وحكومة الظل والمساءلة والمحاسبة .
انه ، وسواء صحَّت اشاعات الترغيب والترهيب التي تعرّض لها نوابُّ لبنانيون غداة الجلسة الانتخابية الرئاسية يوم ١٤/٦، او ثبُتت التهديدات الامنية على بعضهم بغية انتخاب مرشح معيّن للرئاسة ،
فإن الرؤية الضبابية في تحويل الهزائم الى انتصار هي الوحيدة السائدة عندما تختلط عليك القراءات وتعميك محطات التلفزة في البحث عن الحقيقة ، وتحتار اين هو الصح لدى هذا ، وكيف يفهم ذلك الغلط ، عندما
لا يخرج الخاسر مكسوراً ، ولا تكتمل البهجة لدى المنتصر وتخال ان الحَلَبَة لا تتسع سوى لاثنين ولا تحتمل خياراً ثالثاً .
فقط في لبنان ، يختارون من بين الضحايا بطلاً ، يصنعون منه طوطماً ، يتدفأون على حطبه عندما ينتخبونه خشبة ،
ويجعلون منه وليمةً عندما يكون من بِرٍِّ وتمر .
فقط في لبنان ، البلد الذي لا يحتاج فيه المواطن سوى لنصف ساعة من الوقت تنقلاً بين البحرٍ والجبل ،
لا تكفيه “ساعةً ضوئيةً “من الزمن كي يتفاهم سياسيوه على انتخاب رئيس للجمهورية مع اخوانهم “الشركاء في الوطن ” .
انها المعضلة التي لم تنفع معها حتى اليوم اثنتا عشر جلسة انتخاب ماراتونية على مدى ثمانية اشهر لانتاج رئيس جديد للجمهورية وكأن القادم المنتظر الينا ملاكاً يحمل رسالة كونية للتغيير المنشود ، وليس من طينة هذه الطبقة الحاكمة وعجينها ، فيتملكك العجب على ماذا يختلف هؤلاء والبلد قد جفّ ضرعه وارضه قد سُمّمِت بزرعهم السرطاني الذي ما عاد يصلح لنماء الحياة والسماء مكفهرّة تنتظر المطر الذي يجلي الغيوم السود عن اثير هذا الوطن .
هي الحرية المُغَيّبة في مجتمع القطيع الذي لا يتوانى عن الغاء الآخر قبل الغاء من تضمهم الحظيرة في تعطيل تفكيرهم واستلاب ارادتهم
وتكبيل ولاءَها الاعمى للحظيرة ،
فهل من عجب ان تبحث عن الحرية بعد كل ذلك وتجد نفسك مكبّلاً باسوار الحدود الوهمية المرسومة لمكوّنات طائفية حزبية وسياسية اتخذت لكل منها مسمى المجتمع ، تنتظر ” غودو” الرئيس الجديد الخارج من الاصطفافات الحزبية والسياسية والمراهنات الداخلية والخارجية ،على امل ان نُصبِح َيوماً على وطن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى