المقالات

تفجير الرابع من آب : التعتيم على ابشع جريمة معاصرة في تاريخ لبنان \.نبيل الزعبي.

لم يخطئ رئيس جمهورية لبنان السابق ميشال عون عندما تنبأ بوقوع بلده لبنان في جهنم ولم يزل يعاني جحيمها ، غير ان النباهة فاتت هذا الرئيس لحظة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب للعام ٢٠٢٠ عندما اعلن ان التحقيقات لن تستغرق اكثر من خمسة ايام لاجلاء الحقيقة وكشف المتسبّبين دون ان يدري ان هذه الايام الخمسة امتدت الى ثلاثة سنين حتى اليوم ليخرج يوم انتهاء ولايته ناعياً القضاء اللبناني ومتلبسّاً بموقف المهزوم الذي لم يترك ذريعة او لوماً إلا ويلقيه على الآخرين وهو الذي يدرك انه كان صاحب أسوأ العهود في لبنان ، ولم يكن من مساوئ الصدف ان يترافق عهده بكل البلاوي والانهيارات التي يحتاج البلد الى زمن وربما ازمان وعقود للخروج منها .
ولعل من اولى المبررات التي كرّسها ميشال عون لكل فاشل يتبوأ المسؤولية العامة في لبنان بعد هذا العهد المشؤوم ان تتعلم الحاشية كيف تُلَمِّع صورة ممثلها لتُخرِجُه بمظهر البطل ، وتُلبِس فاسدها قناع النزاهة والفاشل فيها بمسمى القوي الذي لا يُشَقِّ له غبار .
انها تراجيديا المرحلة المرة التي رسمت عهد الرئيس ميشال عون وليعذرنا الاتباع المخلصين اننا تجنبنا التحامل قدر الامكان ، فقط لاننا صدقنا الرئيس عندما رمى بمسؤولية افشال عهده على الآخرين ، وتلك حقيقة لا يمكن القفز عليها ، غير ان صاحب الاحد عشر وزيراً في اكثر من حكومة ، والسبعة وعشرين نائباً في البرلمان ، كان عليه ان يسحب تلك الذرائع ولا يكتفي بمظهر المظلوم وهو القادر حينها على سحب البساط من تحت ارجل الجميع فيترك اللعبة ويواجه شعبه ” العظيم” بالحقائق ، لا ان بتشبّث بالسلطة ويزيد في مواقفه السلبية من تداعيات الالتفاف على جريمة المرفأ يوم رفض استقبال ذوي الشهداء الذين ماطلت الرئاسة في طلب لقائهم معه لثمانية اشهر ثم جاءهم الرفض بعد الاطلاع على اسئلتهم التي كانوا ينوون توجيهها للرئيس وفيها من الاصرار على الاجابات المقنعة من اعلى موقع في البلد .
عُقبَ ذلك خاطب وفد ذوي شهداء المرفأ ، رئيس الجمهورية على الملأ بعد ان تعذر لقاءهم به ، بالقول :
“أنت كرئيس جمهورية ، المسؤول الأول عن الأجهزة الأمنية والقضائية الفاشلين في هذا البلد، ومُجبر على أن تقول لنا من الذي قتل إخوتنا. إذا لم تكن على قدر المسؤولية، تفضل قل لنا إلى من نذهب؟”.( موقع grand Lebanon ١٦/٤/٢٠٢١)، ليُستَكٌمَل ذلك بموقف أهالي وأشقاء شهداء فوج إطفاء بيروت في الانفجار الذين خاطبوا الرئيس بالدعوة الى “تحمل المسؤولية الموكلة إليكم التي لم تتحملوها قبل 4 آب ‏المشؤوم، وذلك بتأسيس وتشريع محكمة خاصة تعنى بملف تفجير المرفأ، ونطلب التواصل مع ‏رئيس مجلس القضاء الأعلى ومطالبته بمؤتمر أسبوعي يسرد من خلاله مستجدات التحقيق ‏للشعب اللبناني الذي يحكم بإسمهم لحين صدور القرار الظني ،‎
كما نطالب تواصل فخامة الرئيس مع الدول العظمى التي تمتلك صور الأقمار الإصطناعية لتسليمها ‏للقضاء” ( موقع المدن ١٦/٤/٢٠٢١) .
تلك هي المطالب المُغَيّبَة في قضية تفجير مرفأ بيروت ولم تزل هاجس الامهات الثكالى والابناء اليتامى والاهل المكلومين والعائلات التي شُرِّدَت وما نتج من تدمير لعقارات وابنية تهدّمت وتشمل نصف بيروت بدون مبالغةٍ او مجاز في التعبير .
من هنا وبمرور الذكرى الثالثة على تفجير مرفأ بيروت ، لا بد من توجيه التحية للاهالي الصامدين الصابرين المصممين على ابقاء قضية ابنائهم وذويهم حيةً في ضمير كل لبناني ليجعلوا من الرابع من كل شهر من العام تجديداً لذكرى من رحلوا في الرابع من آب ، هؤلاء الذين لم يحط من عزيمتهم تواطؤ السلطة الحاكمة نحو الانهاء التدريجي لقضيتهم ، سواء بالتدخل السافر في القضاء المولج بقضية التفجير وتعطيل مفاعيله ، او في الالتفاف على حركتهم واحتواء بعض افرادها لتمييعها وحرفها عن بوصلتها الاساسية وهدفها الاوحد المتمثل في كشف الحقائق كاملةً واخضاع جميع المتهمين ومهما علا شأنهم للتحقيق امام العدالة ، وفاءً لدماء من رحلوا واستعادةً لثقة اللبنانيين بقضاءٍ حر مستقل ينتزع لهم حقوقهم ممن تسبب بمعاناتهم قبل ان ينتظروا ذلك من المحافل الدولية، سيّما وان” محكمة العدل العليا البريطانية حكمت في شهر فبراير (شباط) الماضي لصالح ثلاث عائلات فقدت أقارب لها ضحية انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس (آب) عام 2020 في دعوى مدنية قدمت من أربع ضحايا (واحدة منهم لا تزال على قيد الحياة ومصابة بضرر دائم) ضد شركة “سافارو” المحدودة (Savaro) لتجارة المواد الكيماوية المسجلة في المملكة المتحدة. واعتُبر القرار القضائي الأول الذي سمى أحد الأطراف المسؤولين عن الجريمة، وهي شركة “سافارو”، مما شكل واقعة ثابتة قضائياً، وفتح الباب لملاحقة متورطين آخرين في القضية، خصوصاً أن المحاكمة كانت كشفت عن مستندات ووقائع، مما يمهد لإجراءات أخرى في لبنان والخارج ” .(موقع اندبندنت عربية ٢٣/٦/٢٠٢٣).
اخيراً ، ومع مرور الذكرى الثالثة لكارثة تفجير المرفأ ، وعلى طريقة : ليتكِ لم تزنِ ولم تتصدقِ ، طلعت علينا حكومة تصريف الاعمال في مناسبة الرابع من آب لهذا العام ، باعلان الحداد الوطني والتعطيل الرسمي في الوقت الذي لم تزل التحقيقات في المرفأ مدفونة تحت تراب العدالة المنسية في لبنان ، ويا ليت من اصدر الاعلان ، ان يكون قد ارفقه بنذرٍ ولو قليل من الحقيقة ، فهذا يبرِّد في القلوب بقدر ما يحترم العقول ويؤكد ان القضاء العادل هو سيد الاحكام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى