المقالات

حاكمية مصرف لبنان : هل يُصلِح الوكيل ما افسده الاصيل على مدى ثلاثين عاماً .نبيل الزعبي

في احدى لقاءاته المتلفزة ايام حكومة الرئيس حسان دياب ، سُئِل وزير ماليته عن تفكيره في الوظيفة المناسبة التي يتمناها بعد خروجه من الوزارة ، فأجاب : حاكم مصرف لبنان او واحداً من نوابه .
لم يكن الوزير لينطق عن الهوى عندما افرغ ما لديه من امنيات لو لم يكن يدرك تماماً الامتيازات الكبيرة المخصصة لحاكم مصرف لبنان ونوابه ، غير ان ما خانه ، ان يطرح ما يتمناه على الهواء ليكشف للرأي العام ،ان لا امتيازات الوزير ولا المدير العام ولا حتى ما يعود للرئاسات الثلاث من نفوذٍ مالي ، يكفي لسد عطش الطامحين الى هذا الموقع الذي اثبتت السنوات الثلاثين الماضية ، والاربع الاخيرة منها بشكل خاص ، انه الحاكم بامره بكل ما للكلمة من معنى ويكاد يوازي لوحده من صلاحيات على الصعيد المالي والنقدي ، ما تطمح اليه المنظومة السياسية البارحة واليوم وغداً ، على مختلف الصُعُد الاخرى في البلد .
ثمة من يرى مظلوميةً ما تحيط بالحاكم المنتهية ولايته ، وهي فصل ارتكاباته عن ارتكابات المنظومة التي اعطته ثقتها اللامحدودة على مدى ثلاثين عاماً وبتوقيع اربعة رؤساء جمهورية سابقين ، يقابلهم خمسة رؤساء حكومات سابقين ووزراء مالية وغيرهم ، كلهم تآخوا معه كل مدة ذلك الزمن ولم يفكروا حتى في ضخ دماء جديدة لمصرف لبنان امام وحدانية هذا الحاكم وفرادته في الحاكمية في الوقت الذي كان العالم يجنح بتشريعاته الى تقليص سنوات الحكم الرئاسية وعدم تجاوزها الولايتين حتى لرئيس الدولة الذي يخلف نفسه ، على غرار ما يحصل في فرنسا والولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر .
لقد كان من الامور المستغربة التي كشفتها جدلية استلام نائب الحاكم والنواب الثلاثة الآخرين لمسؤولياتهم ، هو ان هؤلاء الذين رمى التحاصص الطائفي والمذهبي عليهم تلك النِعَم التي ما كان لوزير سابق للمالية سوى ان يتمناها له ، ما كانوا اكثر من شهود زور على مدى السنوات الثلاث الماضية دون ان يكون لهم اي تأثير يذكر على صعيد معارضة سياسة الحاكم ، بدليل ذلك الارتباك الذي دفعهم الى اصدار التصاريح المتناقضة قبيل انتهاء الولاية وكأنهم يستجدون من يدفع عنهم كرة النار التي ما اعتادوا على حملها منذ كانت وظيفتهم ” شَرَفِية” لا اكثر ، ارضاءً للمرجعيات التي ينتمون اليها الى درجة ان احدى هذه المرجعيات الكبرى خشيت ان ينعكس فشل النائب الاول في مهمته على الطائفة بمجملها ليخرج مطالباً اياه بالاعتذار مجاهراً بذلك على الملأ وبطريقة : يا دار ما دخلك شر !.
أما وان النائب صار حاكماً بالوكالة ،
وأما ان ما صرح به منذ تسلمه المسؤولية في مؤتمره الصحافي او امام المجلس الوزاري لحكومة تصريف الاعمال ، يشكل رؤيته لما ينتظره من مسؤوليات ،
فإن السؤال الاهم : هل يبقى عند مواقفه بوقف دعم الحكومة مالياً وهي التي تحتاج الى مئتي مليون دولار شهرياً على مدى اربعة اشهر حيث صرّح بذلك على طريقة : ولكن !!
دون ان يفسر كم ستكون هذه ال( لكن) مطاطية في حال ضغطت عليه المرجعيات ليعود عن موقفه تحت ذريعة التشريعات في المجلس النيابي حيث لم يبق َسوى اموال المودعين لدى مصرف لبنان للقضاء عليها ، وذلك هو الهدف الاستراتيجي الذي لم ولن تجد المنظومة الحاكمة سبيلاً لبقائها بدونه .
هي اموال المودعين التي حرص الحاكم الاصيل في ايامه الاخيرة على ابقاء جرح المودعين مفتوحاً عندما كرر معزوفة ان اموال هؤلاء موجودة في المصارف في حين تنفي الاخيرة ذلك وترد التهمة بالتهمة في اوسع عملية تضليل لاصحاب الحقوق حول مصير جنى اعمارهم ، الامر الذي يتطلب اجوبة شافية من الحاكم الوكيل والنواب الثلاثة ، تحدد مصير ودائع الناس وتلك اولى خطوات استعادة الثقة قبل ان تزداد الخشية اليوم ان لا تكون الحاكمية الجديدة اكثر من نسخة مكررة لمن سبقها وهذا ما ستجيب عنه الايام المقبلة علينا واية سياسة مالية سيتم اعتمادها ومدى استقلاليتها عن المنظومة التي لم تخفِ يوماً تبنيها لمن يتولى منصب الحاكمية اليوم .
ان ما يحتاجه الحاكم الوكيل هو الثقة ، ولا شيئ قبلها ، هي الثقة المطلوب استعادتها وبها معيار استعادة البلد لعافيته بعد السنوات الاربع الاخيرة ، وبدون ذلك لا امل يرتجى ولا اية كوّة ستُفتَح في النفق الطويل .
الى ذلك ، يُنهي رياض سلامة ولايته على ايقاع الطبول والمزامير في باحة مبنى مصرف لبنان ، هازئاً بكل ما ناله من عبارات نهبٍ وتخوين وتعجز الهيئة الاتهامية عن تحديد مكان سكنه لاستجوابه وكأنه تحولَ شبحاً لا يُرى ولا يُسمَع ، ولسان حاله يردد مع اولئك الذين وفروا له هذا الخروج البطولي :
لا تدعوا الايام تفاجؤكم ، فغداً ستترحمون على ايامي وستشهدون صراع المنظومة التي حمتني مع نفسها بغية تناتش مواقع الحاكم الجديد ونوابه الاربعة وستجدون من طبّلوا وزمروا لي ، في خانة حِسبة هؤلاء الجدد ك “عِدّة “
شغل لا يمكن الاستغناء عنها ، سواء لناحية المنظومة التي تحرص على ان يكون زبائنيتها في الواجهة يسيَّرون اعمالها ، ام اولئك اللاهثين وراء المواقع متمنين ما تمناه يوماً وزير المالية السابق في حكومة الرئيس حسان دياب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى