المقالات

ماذا فعلت السياسة بالدين وكيف ولماذا؟ \ أسامة إسماعيل

          
    إن ما جعل الدين مذاهب وفرقا"وأحزابا" هو السياسة الدنيوية، فعندما استخدم الأباطرة والملوك والسلاطين والحكام ثم الأحزاب الدين أداة بأيديهم لأجل السيطرة والسلطة والزعامة والتوسع والثروة، إبتعد الدين عن الإيمان الحقيقي والعقل والإرادة الفرديين وأضيفت معتقدات ونظريات ومناسبات وطقوس وعادات تقدّس أشخاصاً وتعلن الولاء لهم على أساس خيالي وعاطفي ومصلحي.
      منذ العصر البيزنطي حتى القرون الوسطى كان الملوك والحكام يعتبرون ممثلي الله أو المسيح أو ظل الله على الأرض، ومن شأن ذلك إعطاء المسيح صفة الألوهية ومافوق البشر رغم أن المسيح في الأناجيل يقول :"مملكتي ليست من هذا العالم". وأثٌر موضوع الخلافة والإمامة في الدين الإسلامي ونشأت مذاهب وفرق تعطي الأئمة وبعض الخلفاء صفات العصمة والقداسة ووجوب الولاء والطاعة لهم ووصفت بعض "رجال الدين" المتأخرين "بنوابهم. فالسياسة الدنيوية أخذت مأخذا" كبيرا"من الدين حتى أصبح الإهتمام منصباً على تقديس أشخاص بشريين وإعلان الولاء لهم عبر مناسبات وطقوس وعادات أكثر مما هو على الإيمان بوجود الله وتوحيده وبالعالم الآخر والأخلاق والحرية والكرامة والعدالة والراحة النفسية،وكذلك أصبح الإهتمام بالجماعة أكثر بكثير من الإهتمام بالفرد لأن الجماعة هي الأساس الذي ترتكز عليه السلطات والحكام والسياسيون والأحزاب لترسيخ سلطتهم وسيطرتهم ونفوذهم وتحقيق مصالحهم، فيما التركيز على قيمة الفرد وحريته واستقلاله يعني إفساح المجال واسعاً أمام عقله وإرادته للتفكير والإجتهاد والشك والنقد والإعتراض على المعتقدات والمناسبات والطقوس والعادات التي يفرضونها ويلزمون الجماعة بها، مما يضعف الولاء والتبعية لهم، وكذلك، التركيز على قيمة الفرد يجعله يضع العاطفة والغريزة ومصلحته المادية في النطاق الفردي والشخصي، فيما السلطات والسياسيون والأحزاب والتابعون لهم يجعلون العاطفة والغريزة والمصلحة المادية مسألة جماعية طائفية وعشائرية وحزبية وشعبية. وعلى هذا الأساس بنيت المعتقدات والمناسبات والطقوس والعادات والشعارات والأناشيد التي تقدّس أشخاصاً وتعظمهم وتقدّم الولاء لهم وتمنحهم صفات ما فوق صفات البشر والطبيعة كما أنها بنيت على بعض النصوص الجامدة وتأويلاتها وعلى المغالاة والتخيلات وربطها بالفلسفة رغم أن الفلسفة الفردية العقلانية ضد هذه المعتقدات والمناسبات والطقوس والعادات والمظاهر والشعارات.
    هذه الشوائب تعبر عن غلو وابتعاد عن جوهر الدين والعقل والإرادة الفرديين، وتؤدي إلى اندفاع البعض إلى الإلحاد من جهة وإلى ظواهر تطرف وعنف باسم الدين من جهة أخرى. وبدلا"من أن يبذل الجهد المضني والوقت الطويل لإثبات وجود الله والعالم الآخر فليبذل الجهد والوقت لإزالة هذه الشوائب والتحريفات التي ألحقت بالدين وجعلته مذاهب وطوائف وفرقا" وأحزابا"بسبب السياسة الدنيوية. وقد استغل الإستعمار هذه الشوائب والإختلالات لتشجيع ظواهر التطرف والعنف باسم الدين من جهة والدعوة إلى الإلحاد وظواهر التفلت من جهة أخرى، وترسيخ التخلف الإجتماعي والإقتصادي واللاستقرار الأمني في العالم الذي كان مستعمَرا". وهذه الشوائب والإختلالات تستغل من قبل السلطات و" الزعماء "والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية التي أوجدها أو سبب َوجودها الإستعمار واللعبة الدولية الإقليمية في ما بعد لأجل السلطة والنفوذ ومصالحهم وكسب الشعبية والعدد ويساعدهم في ذلك النظام الديموقراطي العددي الطائفي الحزبي مع التذكير بأن المثقف النخبوي العقلاني لايتبع هؤلاء "الزعماء" والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية، وكذلك، يستغلون هذه الشوائب والإختلالات لأجل تبرير الظلم والتفاوت الإقتصادي والإجتماعي لمصلحة التابعين لهم وغير المثقفين النخبويين المستقلين، والسطحيين والوقحين والمزعجين والإنتهازيين!!!
                أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى