المقالات

التمويل الطارئ -د. قصي الحسين

بماذا يشي إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن نيته لإنشاء آلية ل “التمويل الطارئ” بلبنان؟
بادرت الرئاسة الفرنسية، منذ ظهور أزمة الحكم في لبنان، عشية الذكرى المئوية لتأسيس الكيان، للقول للبنانيين، أن لبنان وضع على سكة الأخطار التي تهدد الأوطان، إذا ما إستمر في السير فيها.
حاولت باريس، أن تمد يد المساعدة، عبر التلويح ب”11 مليار دولار” من المساعدات، إذا ما إستطاع، تجاوز هذا القطوع السياسي المفصلي، للسير في مشروع الدعوة لسيدر دولي.
إنتظرت فرنسا عاما بأكمله، من أواخر صيف2019، وحتى أواخر صيف2020، دون أن تشعر بأي تقدم في مشروع إنتاج حكومة، يرضى عنها المجتمع الدولي.
غير أن حساب الحقل لم يأت على حساب البيدر.
كانت حكومة حسان دياب، دليلا قويا، على سير “قوى الممانعة” في الرد على العناد و التصعيد، بالكيد والتصعيد.
إستمرت حكومة حسان دياب بولادتها القيصرية، المرفوضة والمحاصرة، عربيا ودوليا، حتى عشية إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب العام2020. أقدم الرئيس حسان دياب على تقديم إستقالته. فأستقالت حكومته بالضرورة، لإستقالة رئيسها.
كانت باريس، تنظر إلى لبنان بعين الشفقة. كانوا يقولون: Pouvre Libon ، في سرهم والعلانية. كانت على كل شفة ولسان، عند الفرنسيين، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم “أم الصبي”.
كانت برهة إنفجار مرفأ بيروت، مؤشرا لضرب الكيان. هب الرئيس ماكرون إلى بيروت. جال على حوض المرفأ، وعاين الكارثة التي ضربت لبنان بأم عينيه. ثم أسرع إلى قصر الصنوبر، ودعا جميع القوى اللبنانية إلى مائدة الصنوبر. وقال بأسبوعين، لتشكيل حكومة من الإختصاصيين المستقلين، للمسارعة بلم الجروح والضحايا والأشلاء والخسائر عن الأرض.
كانت الأسابيع تمضي ولا شيء يتغير في المواقف، ولا في النيات. فعاد ماكرون بعد شهور، ليجد الأمور لا زالت في مكانها. وأنها، على العكس من ذلك، زادت عقدا وزادت تعقيدا.
فأخذت باريس تكثف من زيارات مبعوثيها. وأخذت بالتوازي مع ذلك تلوح بالتشدد مع المعرقلين، وأنها في صدد الإعلان عن “لائحة إسمية” في الطريق إلى لبنان، تشملها العقوبات.
وأخذ المشهد اللبناني المأساوي، يزداد سوءا. ويزداد إسودادا. وقد نهبت البنوك أموال الناس وأرزاقهم. ووقفت الدولة إزاء هذة الجريمة تتفرج على فصول الجريمة وتحمي المجرمين، حتى من حقهم في إقامة الدعاوى لإسترداد أموالهم.
وتهاوت الليرة اللبنانية، وخسر اللبنانيون ما يوازي التسعين بالمائة، من أجورهم ومن رواتبهم.
ثم تتالت المشاهد المخزية: السلع المدعومة، والسلع غير المدعومة. والتهافت لشراء السلع المدعومة.
وبدأ الأمن الإقتصادي يتهاوى. فلا دواء في الصيدليات. ولا سلع في المولات. ولا بنزين في الشركات.
كانت أم المعارك أمام محطات الوقود، وأمام أبولب الصيدليات وأمام أبواب المستشفيات والمختبرات الإستشفائية، وأمام المخابز والأفران.
وكان إلى ذلك، يعلو الصراخ في المجالس، وترتفع الجدران. وكانت السجالات السياسية ترجف الأبدان.
كان سر لبنان، بيد الرئيس ماكرون، وهو يرى الحصارات تفرض عليه من كل الجهات. وأن التهديات بفرط الكيان، هي أكثر من جدية. وأن باب جهنم، قد فتح للبنانيين على مصراعيه. وأن الحرب على الأبواب، بعد الإصغاء لتلاوة التقارير التي تتحدث عن وصول السلاح إلى مخازنه، وأنه ينتظر ساعة الصفر لتوزيعه، والنزول به إلى الشوارع، بعدما يبلغ السيل الزبى، ويشتد وحش الجوع شراسة في البلاد.
يخشى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن يقع لبنان في الفخ المنصوب له، لإصطياده ك”أرنب بري”. وهو يرى إلى التحولات الإقليمية. وإلى ضياع أشطار الإقليم، بين مخالب الصقور وفراخها، في عواصم القرار.
دعوة الرئيس ماكرون، لإنشاء آلية ل ” تمويل طارئ” للبنان، تأتي في هذا الإطار، لتحصين لبنان عن الوقوع على الأرض، بعدما إشتد الحصار عليه.
فلبنان بالنسبة لفرنسا، خرج من حشاها. وهي ضنينة به على الموت. خصوصا بعدما رأت، كيف ترتفع الحصون فيه، وكيف إستحال الناس إلى بيادق، بأيدي قوى الداخل والخارج.
الرئيس ماكرون، يعرف كقائف وكقائد سياسي، أن العواصف تتجمع فوق سماء لبنان. وأن الغيوم السوداء، تعمه من أقصاه إلى أقصاه. وأنه، وقد بادر منذ أكثر من سنتين، لتصويب المسار اللبناني، ولم تفلح جهوده، فإن عليه أن ينتقل إلى “Plan B”، للدفاع عن لبنان، وعدم رؤيته يتهاوى أمام عينه. وأنه ، “إذا كان لا يستطيع دفع منيته، فليبادره، بما ملكت يده”.
حقا، “عند جهينة الخبر اليقين”. فلبنان كما يرى الرئيس ماكرون، إنما هو الآن في أصعب وضع، وفي أحرج وقت. إنه، أمام صقور العواصم، “لحم على وضم”.
ولانه يعرف السر وأخفى، يخاف على لبنان من الزوال، لأنه ككيان، إرث ديغولي بإمتياز. وتأتي مبادرته الأخيرة، بعد المبادرات العديدة التي قامت بها باريس تجاه لبنان، لتأجيل سقوطه المدوي، بعد سقوط عاصمته في برهة مرفأ بيروت، قبل نحو عام، أو أقل بقليل.
فهل ينجح الرئيس ماكرون، بعدما ذوقه اللبنانيون طعم الفشل. وهل تنجح خطواته، ل “تدويل التمويل” الطارئ، الذي يريد منه تأجيل التدويل، كقضية. هل يستطيع تأجيل تدويل لبنان.!

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى