المقالات

المناورات الإسرائيليّة والمواجهات الفلسطينية بقلم: غادا فؤاد السمّان – نقلا عن موقع لبنان الآن

المناورات الإسرائيليّة والمواجهات الفلسطينية
بقلم: غادا فؤاد السمّان ، الجمعة 5 حزيران 2009
نقلا عن موقع لبنان الآن
في الوقت الذي تستعرُ فيه أواصر الخطابات الانتخابية السارية والضارية في لبنان وتشتعل المناطق بالملصقات والشعارات وما يترافق معها من شغب وأذيّة بفعل تسلّط أزلام فريق على مرشحي فريقٍ آخر، وفي ظلّ شيوع النمطيّة الخطابيّة الرائجة لكل فريق على حِدَهْ لا يَعْدَم بلاغة التحدّي، وبيان المواجهة، وسحر التنافس، وأدرينالين الشعبية الحاشدة على أكمل لهاث، لليّ زند الديمقراطية من جهة ونصرة الحديد على الحدود، وعلى الحوار، وعلى الحالة الأمنية من جهة أخرى، وما يترتب عليها من توجّهات، تكاد تطال من هيبة الرئاسة شخصيا، بينما الحال على ما هو عليه وعلى ما يبدو وما يريب.. تواصل إسرائيل استعراض القوّة وإعلان جهوزيّتها التّامة على مرأى من العالم، ومرمى من سلاح “حزب الله”، أملا في تصعيد الاستفزاز، وبالتالي توريط المقاومة في خوض الحرب المفتوحة التي وُعِدَتْ بها إسرائيل ذات خطاب من قِبَل السيد حسن نصر الله.
ولعلّ هذه المناورات نظريا تشكّل هاجس حَذَر إن لم نقل هاجس رعب لدول الجوار، وفي مقدّمها لبنان، وطالما أنّ لبنان موجود فالواقع يؤكد انحسار الاستهداف واقتصاره على لبنان فعليا وعمليا بصفته الدرع الواقي لسوريا المطمئنّة بتجيير نصيبها من التهديد والمواجهة إلى جعبة وجبهة “حزب الله”، ولكن هذا الحزب على الرغم من كلّ التشكيلات العسكرية الهائلة، والإمكانات الباهظة التي أشار إليها السيد نصر الله في خطابه الأخير عن ثقته التّامة بقدرة جيش “حزب الله” الدفاع عن عشرة أوطان بحجم لبنان وأكثر، والغريب أنّ شبكات التجسس الإسرائيلية الأربعة وثلاثون تتغلغل في العمق اللبناني تغلغلا خطيرا لم يحدّ من انتشاره ولم يكتشفه ويعلن عن استفحاله على معظم الأراضي والمناطق اللبنانية سوى الجيش اللبناني والقوى الأمنية في الأساس، مع أننا كنّا نأمل كلّ الأمل أن يشن سلاح 7 أيار بحقّ بوجه العملاء وشبكات التجسس بدل علمية الترهيب التي لحقت ببيروت وأهلها ومؤسسات ومكاتب المستقبل الإعلامية!.
ومن الطبيعي في ظل المناورات الإسرائيلية والرسائل الطائشة أن تكون فلسطين معنية بامتياز، ولكن فلسطين بحنكةِ فصائلها ورجاحة مُدركاتهم السياسية وبعد النظر المصيري الذي تضعه في الحسبان في كل خطوة، اختصرت بدورها عناء إسرائيل وكانت السبّاقة بإعلان وتنفيذ المناورة الداخلية التي أسفرت عن عدد من القتلى والجرحى، ولكن هذه المرّة برصاص قاتل وذخيرة فتّاكة كالمعتاد، لتؤكد جميع الفصائل الفلسطينية ليس للعالم أجمع، وليس لإسرائيل فحسب، بل لنفسها ولنا جميعا، أنّ السلم الأهلي ضرب من ضروب المستحيل، وأنّ السلم الإسرائيلي وهمٌ لا يليق بأحقيّة المواطن الفلسطيني بالحياة. بل إنّ الفلسطيني مجرّد كبش محرقة مرهون أبداً برسم الموت. ولكن بفارق بسيط وهو أن الموت برصاص الأخ هو موت أكثر قليلا من الموت المشهود برصاص العدو، فهل من المجدي أن نذكّر الفصائل الفلسطينية المُتناحرة بخزيّها المُتراكم بحقّ أبناء الوطن المنكوب نكبات مزدوجة على الدوام؟.
الخوف كل الخوف على لبنان أن يتابع المبادرة الفلسطينية ويوفّر على إسرائيل هدر المزيد من عتادها الجبّار، إذ ثمّة سلاح في لبنان يمكن أن ينوب عن كافة الرغبات والأطماع الإسرائيلية ويمكن عند الضرورة أن يعكس اتّجاهه عن صدر العدو ليسدد مباشرة إلى صدر الشريك في الوطن، إن لم نعتبره الشريك في النبض والشريك في الدم والشريك في المصير والشريك في الدين والشريك في العروبة.
أسوأ ما في الأمر أنني واحدة ممن صدّقوا وآمنوا وأيّدوا وساهموا في تكريس مفهوم الاعتداد بالعناد والمفاخرة بالمواقف التي لا تقبل القسمة على اثنين، بل هي حكر على زعيم برأس أكبر ولسان أطول وإصبع واخز حتى الصميم، أدركت بفضل مثابرته ومكابدتنا وما يعانيه المواطن الأعزل أن أعي أخيرا كيف لهذا الزعيم وذاك المناضل بوسعه أن يزعزع كامل الطمأنينة في أعماق الجميع بدلا من ترسيخها وتفعيلها وتوثيقها السديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى