المقالات

التيه – بقلم: محمد علي الحلبي

التيه في اللغة هو الحيرة والضلال،ومن ثم الضياع،ويقال:التيهاء وهي الأرض التي لايهتدى فيها،والأعرابي ومنذ القدم وعندما كان يتيه في تيهاء الصحارى كان يعود دائماً وأبداً إلى نقطة انطلاقه حتى لا يستمر في ضياعه المُنهي لحياته ووجوده،وعند هدوئه وسكينته يُعمل جل قدرته في بحثه عن الطريق نحو غايته،وفي هذه الأيام ونحن نُصاب في زمننا المعاصر بموجات متتالية من التوه وضياع المعرفة يتوجب علينا الأخذ بسنة الأعراب،والعودة إلى ماضي أمتنا العربية سيما إلى إرثها الثقافي نستمد منه العون والمعرفة والثقة،وإعمال الفكر والبصيرة لإيجاد الحلول لتلمس الخلاص والنجاح.

مقدمة أردت سوقها والأمة العربية تمرّ في خضم بحر من الأحداث تشد إليها عقول المواطنين،وأفكارهم،وحتى مشاعرهم،فالثورات العربية يعمّ ربيعها كل الأقطار العربية بلا استثناء،وبأشكال حركية جديدة  , وطبيعي أن تتحرك في مواجهتها  نوايا الأعداء للنيل من قدرات هذه الأمة الطاهرة المناضلة،وإبقائها في دوامات الاستغلال والتبعية،لذلك ازداد استعمال كلمة الإرهاب،وكالعادة لحقت بها تعابير وصف للقوى الجماهيرية بالأصولية والسلفية،وأمام الواقع الضبابي وجدت لزاماً عليّ أن أوضح حقائق فكرية اعتمدت خلال العصور القديمة للتعبير عنها وحتى ما درج منها  في العصور  الحديثة،ولإزالة اللبس الذي اعتراها،آثرت أن أقسم بحثي إلى العناوين التالية:
1-    التعريف اللغوي لهذه التعابير.
2-    التعاريف السياسية لبعضها برأي خيرة المفكرين.
3-    المراوغات السياسية التي تمارس,  وضياع للحدود الفكرية في بعض مدلولاتها.
4-    ضرورة التمييز بين الهدف والأساليب المتبعة لتحقيقه وإن تشابهت الأساليب أحياناَ.
5-    الإرهاب المعادي وجرائمه، وتعدد أوجهه

ففي إطار معاجم اللغة للتعريف جاء فيها الإرهاب:الإخافة والإفزاع،والخوف:توقع العقوبة،والراهب:واحد رهبان في الديانة المسيحية وهو الخائف من الله،ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى في الآية الكريمة”وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”سورة الأنفال،الآية60،والإخافة والتخويف ضماناً واحتساباً لدرء الخطر ومنع الاعتداء،ومجاراة لما درج العامة عليه مؤخراً،فمجمع اللغة العربية في القاهرة أقرّ استخدام كلمة الإرهاب مصطلحاً حديثاً في اللغة العربية أساسه رهب بمعنى خاف،وأوضح المجمع أن الإرهابيين وصف يُطلق على الذين يسلكون سبيل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية.

أما عن الأصولية والأصالة والأصل، فيقال:أصيل الرأي، وأصيل العقل، واستأصلت الشجرة أي ثبت أصلها، ورجل أصيل:له أصل…ثابت الرأي..عاقل،ومن حِكم وأمثال العرب قيل:”أمحل من حديث خرافة ” ،ويُضرب فيمن لا أصالة له ويكثر كذبة، والشاعر الجاهلي”جمير بن عبد العزي”من أهل البحرين توفي عام43ق.هــ ،ودفن في بصرى من أعمال حوران في سوريا يقول:
وقد كان أخوالي كريماً جوارهم        ولكن أصل العود من حيث يُنزع
من مثل هذه المعاني القيمية ينبجس تعبير السلفية كانبجاس الماء الزلال،فالسلف:القوم المتقدمون في السير،ومن تقدم من الآباء وذوي القربى الذين سبقونا في مراحل العمر والأصل،لذا سُميّ الصدر الأول من التابعين للرسول عليه الصلاة والسلام بالسلف الصالح،وكعادة التفسيرات والشروح،وتناغم المعاني اللغوية يُقال:سلف الأرض أي حوّلها للزرع وسوّاها،كذلك السلف وهو القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض غير الأجر والشكر إضافة إلى التوسع في المعاني الرائعة،فالسلف:كلمة تطلق على كل عمل صالح قدمته.
المرجع:معجم العين، ومعجم لسان العرب
وهكذا فالتعابير الثلاثة تحوي وتختزن حزمة واسعة من الجذور الباهرة المبهرة،وأضمومات عطر يفوح شذاها على الجميع على عكس استعمالها المعاصر.

وعن التعاريف برأي خيرة المفكرين،والموسوعة السياسية،وبعض القواميس العالمية فالإرهاب ضمّ بعدين الأول:الإرهاب الداخلي،وثانيهما : الإرهاب الدولي، وفيهما اللعب في السياسات،والتفنن في استخدام أساليب غير إنسانية من أجل قمع الشعوب والسيطرة عليها،واستنزاف ثرواتها.
وعن الأول جاء قاموس”أكسفورد”معرفاً الإرهاب بأنه سياسة،أو أسلوب يعدّ لإرهاب المناوئين،أو المعارضين لحكومة ما وإفزاعهم،والإرهابي هو الشخص الذي يحاول أن يدعم آراءه بالإكراه،أو التهديد،أو الترويع بينما تعددت الوصوف للإرهاب الدولي وإن تلاقى الكثير منها في جوانب عدة لمضامينها،ففي الموسوعة السياسية عُرّف : باستخدام العنف- غير القانوني- أو التهديد به وبأشكاله المختلفة،كالاغتيال،والتعذيب،والتخريب،والنسف،وغيره بغية تحقيق هدف سياسي معين،وبشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية،وعرّفه الكاتب”عبد الستار طويلة:في كتابه (أمراء الإرهاب) بأنه محاولة فرد،أو مجموعة من الأفراد أو الجماعات فرض رأي،أو فكر،أو مذهب،أو دين،أو موقف معين من قضية من القضايا بالقوة،والأساليب العنيفة على أناس،أو شعوب،أو دول بدلا ًمن اللجوء إلى الحوار والوسائل المشروعة الحضارية،وفي كتاب (الإرهاب الدولي وانعكاساته على الشرق الأوسط) قال عن الإرهاب مؤلفه “حسين شريف”:  “بأنه منهج،أو نظام تحاول من خلاله مجموعة منظمة،أو طرف معين جذب الانتباه إلى أهدافها،أو تجبر الطرف الآخر بتقديم تنازلات بواسطة الاستخدام المنظم والمقصود للعنف”  , وحسمّ المجمع الفقهي الإسلامي جوانب من عدم الدقة في التعريف ليقول بأنه العدوان الذي يمارسه أفراد،أو جماعات،أو دول بغياً على الإنسان…دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، كما أكد العلماء أن تعريف الإرهاب يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم للخطر.

المرجع:دراسة حول نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام للدكتور:عبد الرحمن المطرودي.

أما المراوغة في التعريف فالقصد منها التمويه،وإخفاء للنوايا السيئة التي تنشدها سياسات محددة بهدف تحقيق أهداف غاية في الدناءة والخسة،ولأن السياسة الأمريكية في إستراتجيتها التي طال عمرها وأمدها باقية على عدوانها للأمة العربية محاولة إبقاءها في واقع تحت الخط الأدنى لطموحها في التآمر والعدوان،والاحتلال،ودعما لعدوها إسرائيل،وتسليطها ودعمها لشن عدوانها المتنوع الأشكال تستمد العون في كل ذلك من الأنظمة العربية المعروفة بسمتها الشمولية،وإرهابها لمواطنيها ,  لذا فوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ترى أن الإرهاب استعمال غير قانوني لأعمال العنف،أو التهديد باستخدامها ضد الأشخاص والممتلكات بهدف إشاعة الرعب،وإجبار الحكومة،أو الشعب على أمر ما،وبالتالي تحقيق أهداف سياسية،أو دينية،أو إيديولوجية،والملاحظ هنا النظرة الدونية للشعوب المحتلة،وسلبها كل حقوقها فهو تعريف مطلق لا يستثني جنوداً من ذلك الاستعمال للعنف وإن كانوا جنودا يقاومون الاحتلال .
والأشد غرابة،وتمادياً في التضليل والمراوغة تعريف وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب في تقريرها الصادر في تشرين الأول- أكتوبر -2001 وفيه  “الإرهاب هو العنف المتعمد ذو الدوافع السياسية،والذي يرتكب ضد غير المقاتلين إلى جانب العسكريين غير المسلحين،أو الذين هم في غير مهماتهم وقت تعرضهم للحادثة الإرهابية،أو في الأوقات التي لا توجد فيها حالة حرب أو عداء،أما الإرهاب الدولي فهو الذي يشترك فيه مواطنون،أو يتم على أرض أكثر من دولة واحدة”،والنتيجة أن لا تعريف عالمياً للإرهاب متفق عليه ليميز بين حقوق الدفاع عن الوطن،بل الواجبات المترتبة على المقاومين أثناء احتلال بلد لأرضهم،واستباحة دمائهم،والتنكيل بهم،واستعمال المحرمات والممنوعات لقتل الكثيرين منهم  بدون أي وازع إنساني،وبين إرهاب المعتدين،والشرعية الدولية منعت وبشكل دقيق وفي ميثاق الأمم المتحدة  وحرّمت الحرب،وحرّمت استخدام القوة،واعتبرت أن كل حرب هجومية حرباً عدوانية،ولم يسمح الميثاق بالحرب إلا في حالة الدفاع المشروع عن النفس،واعتبرت المادة51منه أن للدول فردياً وجماعياً حقاً طبيعياً في الدفاع عن نفسها إذا ما تعرضت لعدوان مسلح إضافة إلى أن اتفاقيتي مؤتمر لاهاي في عامي1899-1907اعترفت بقانونية المقاومة الوطنية ضد العدوان والاحتلال،وفي اتفاقية لاهاي لعام1907جاء في مادتها الثانية”الشعب المقاوم،أو المنتفض في وجه العدو بأنه مجموعة من المواطنين من السكان في الأرض المحتلة الذين يحملون السلاح ويتقدمون لقتال العدو سواء أكان بأمر من حكومتهم،أو بدافع من وطنيتهم،وينطبق عليهم صفة المحاربين بشرط حمل السلاح علناً والتقيد بقوانين الحرب”.

إنها الشرائع السماوية والوضعية التي حددت مواصفات وأساليب الإرهاب،وإذا أخذنا بهذه المقاييس فإننا سنجد أمريكا الدولة الأولى التي تمارسه وعن سبق إصرار وتصميم يليها الاحتلال الإسرائيلي،فالوطن العربي اكتوى بنار المعاصي الأمريكية غير الإنسانية ضده،فلقد تنوعت جرائم الإرهاب الأمريكي بين الاحتلال المباشر وعمليات القتل والتشريد،وبين عمليات عسكرية مدمرة،والتآمر لتغيير قيادات وحكومات وطنية رفضت الانصياع للرغبات الأمريكية،ودعما لإسرائيل،وأكثر إلى ارتكاب جرائم بحق المجتمعات والأسر،والأفراد،وعلى سبيل العدّ لا الحصر فلقد قتل أكثر من مليون طفل عراقي بسبب قصف الطائرات الأمريكية للعراق وحصارها الذي دام أكثر من عشر سنوات،وهبط متوسط عمر العراقيين20سنة للرجال و11سنة للنساء بسبب منع الغذاء والدواء عنهم ، وفي عام1991وفي شهر شباط- فبراير- دمرت القوات الأمريكية أكثر من8437داراً سكنية،و257جسراً وسكة حديدية،و130محطة كهرباء رئيسية وفرعية،و249داراً لرياض الأطفال،و139داراً للرعاية الاجتماعية،و100مستشفى ومركزاً صحياً،و1708مدرسة ابتدائية.
وفي عدوانها عام1993واحتلالها للعراق مبررة له بوجود أسلحة دمار شامل فيه ثبت ومن خلال الوقائع والتصريحات الرسمية بعدها بفترة زمنية كذب هذا الإدعاء لكن الثمن وكما كشفت صحيفة”نيويورك تايمز”أن الطيران الأمريكي استخدم قذائف تحوي اليورانيوم ضد الشعب العربي العراقي مما قضى على حياة الكثيرين من الأطفال،وحتى في رحم أمهاتهم،فاليورانيوم يودي بحياة الأجنة إضافة إلى هجرة أكثر من أربعة ملايين عراقي إلى خارج العراق بعد الاحتلال،ولم يكتف الأمريكيون بما قاموا به من ارتكابات شنيعة ضد الإنسانية،بل تمادوا في غيّهم حتى وصلوا إلى أدنى مستويات الخسة والوضاعة،فالكاتب”أحمد منصور”وفي كتابه (جرائم أمريكا في العراق) ينقل عن جريدة “التايمز اللندنية” في عددها الصادر في27مايس2006قصة الطفلة”إيمان حسين”التي لم يكن يزيد عمرها آنذاك عن عشر سنوات،وكيف قتل الجنود الأمريكيون عائلتها أمام عينها في12نيسان-إبريل-2005حيث روت الطفلة بالتفاصيل كيف قتل الجنود عائلتها بعدما اقتحموا المنزل ولم ينج سواها وأخاها”عبد الرحمن”بعد أن نجحا في الاختفاء قائلة:”كنا خائفين للغاية،ولم نستطع أن نتحرك لمدة ساعتين،ولم يمت أفراد أسرتي على الفور فقد سمعناهم يتأوهون”وفي نهاية القصة قالت:”إني أكرههم،فقد جاؤوا ليقتلونا،ثم بعد ذلك يقولون آسفين”.
وحكاية الجندي”سبيلمان”وفيها الحقارة والدناءة والضعة،فقد قام باغتصاب الفتاة العراقية”عبير الجنابي”مع زملاء آخرين،ثم قاموا بقتلها بطريقة بشعة مع والديها وأخيها الصغير،والجندي”مايسي”وفي مقابلته مع مجلة (لوماتينيه) الفرنسية يقول:”إن ما قام به الأمريكيون في العراق لم يكن سوى جرائم حرب…لقد تلقينا تقريراً من الاستخبارات العسكرية يقول:إن كل العراقيين إرهابيون بعدها صرنا نطلق النار على كل من يتحرك،والذين قتلناهم لم يكن أحد منهم يحمل السلاح،وكنا نواصل قتل المدنيين،ونلقي بجثثهم في المستنقعات،ثم نواصل سيرنا كالمعتاد”وجاءت هذه الاعترافات أيضاً في كتاب له  صدر عام2005تحت عنوان(اقتل…اقتل…اقتل…جرائم الحرب في العراق).

وأمريكا أوغلت أكثر وأكثر في جرائمها ضد البشرية،فغطت العالم من مشرقه إلى مغربه خلال القرن الماضي،فاحتلت”الدومنيكان”في نيسان عام1916،وألقت قنبلتها النووية على “هيروشيما” اليابانية في5آب1945التي أودت بحياة78150شخصاً إضافة لعشرات المشوهين،وفي6آب ألقت القنبلة النووية الثانية على مدينة “ناغازاكي” اليابانية فحصدت73884قتيلا ً،و60,000جريحاً،وفي عام1950شنت حرباً ضد كوريا الشمالية لصالح كوريا الجنوبية،ودخلت في صيف عام 1958لبنان عسكرياً تأييداً لحكومة الرئيس”كميل شمعون”وخوفاً من امتداد الثورة العراقية إليه والتي أسقطت حلف بغداد  ومن التحاقه بركب الوحدة العربية بين سوريا ومصر وفي ذات الفترة نزلت قوات بريطانية في الأردن للغرض ذاته ,وفي مطلع ثمانينات القرن الماضي احتلت قوات أمريكية وفرنسية ثانية مطار بيروت بحجة حماية المدنيين الفلسطينيين بعد انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية وقد سبقت الاحتلال مذبحة في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين استمرت لمدة ثلاثة أيام على يد القوات اللبنانية والجيش الاسرائيلي , لكن المقاومة اللبنانية قامت بعملية ضد القوات المحتلة , ففي تشرين الأول 1983 دوى انفجار كبير في محيط المطار  نفذه استشهاديان أودى بحياة 241 قتيلا  أمريكيا و56 قتيلا فرنسيا ومئات الجرحى من الطرفين مما سرع في انسحاب القوتين الغاشمتين  ،كما قامت بحربها الشهيرة في فيتنام،ودعمت انقلاب”سوهارتو”في إندونيسيا ضد الرئيس”سوكارنو”الذي قاد بلاده نحو التحرير من اليابانيين،ومن ثم الهولنديين،وعام1983وفي شهر تشرين الأول هاجمت قواتها دولة غرينادا أصغر دول العالم وانتهكت سيادتها بوحشية كاملة،وغزت بنما عام1989بأمر من الرئيس”بوش”لاعتقال رئيسها الجنرال”نورييغا”ومحاكمته في الولايات المتحدة.
ويطول التعداد،وتتكاثر الآثار الناجمة عن إرهابها المستمر وعدوانها الدائم على الشعوب المناهضة لسياساتها في محاولات للحفاظ على ثرواتها من النهب الأمريكي،وإسرائيل ومنذ مطلع القرن الماضي كانت الأنموذج الفاضح لإرهاب الدولة،فمنذ طرحت الصهيونية شعارها وقيل قيام الكيان الإسرائيلي”شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب”رغم وجود الشعب العربي الفلسطيني فوق ترابه، يومها بدأت إرهابها في تهجير الفلسطينيين إلى بلاد الله الواسعة فأصبحوا بلا أرض لكن تمسكوا بوطنهم،وكانت المذابح في”قبية”و”دير ياسين”وكان التدمير،وتحويل بعض أماكن العبادة إلى مواخير لشرب الخمر،وممارسة العهر،ولم تترك بائقة إلا ارتكبتها،وأثناء عدوانها على لبنان عام1982ووصول قواتها إلى مشارف العاصمة”بيروت”وصلت قطع الأسطول السادس لحليفها الاستراتيجي-الولايات المتحدة الأمريكية-إلى مسافة أقل من50كيلو متراً من السواحل اللبنانية لإسناد القوات الصهيونية يوم غزت هذا البلد العربي في الخامس من حزيران،ومؤخراً ازداد التمادي في بناء المستعمرات وفي إجراءات هدم لمنازل عربية في القدس الشريف لتهجير أهلها،والسيطرة عليها بكاملها باعتبارها في رأيهم عاصمة موحدة لدولة إسرائيل.

أمام كل هذه التدخلات في المعاني وتحريفها عن أصولها راحت دولتا الإرهاب…أمريكا وإسرائيل تنعت المقاومة في لبنان،وفلسطين،والعراق بالإرهاب متجاوزة بذلك الأعراف الدولية والشرائع المتفق عليها،وبعض الساسة العرب أوغلوا في وصف المطالبين بحقوقهم بالسلفية،أو الأصولية والتعبيران في قيمهما شرف لمن يسمى بهما على عكس ما أراده هؤلاء الساسة.
وكخلاصة لبحثنا،فلقد انجلت وعُرفت التفاسير لذا كان لابد من تحديد أمين لمفهوم الإرهاب لا يتقيد بما تقصدته حكومات هو ديدنها،وبالتالي فالتمييز واجب بين الأسلوب والغاية،وعندما تكون الغاية مقاومة الاحتلال والاستقلال بكل السبل فذلك وسام شرف يزين صدور شعوبها.
ولمزيد من الحيطة والدقة،فلقد أقرّ العديد من المفكرين أن للإرهاب عناصر ثلاثة لابد من معرفتها وهي فكر الإرهاب،وإرهاب الفكر والأعمال الإرهابية،وفكر الإرهاب:هو ذلك الفكر المعتل في تصوراته وتفسيراته ومنهاج تحليله وعمله،ويتيح لمن يتبناه كل وسيلة لتحقيق مقاصده ومآربه.
أما إرهاب الفكر:فهو حالة من فرض الفكر الإرهابي إما بالخداع،أو القوة،أو بأساليب متعددة،وهذا هو الجانب التنفيذي للفكر الإرهابي،كما أن الأشد خطورة وفتكاً الإرهاب الفكري المدمر لكل شيء،والذي يعتمد على ترسيخ مفاهيم الاستبداد وقلب المفاهيم بتزويق الباطل وتصويره بصورة حق،والقمع للإبداع الفكري،وازدهار حالات النفاق والتملق لرجالات الحكم.

كانت كلمات باحثة عن المضامين،وعن الحق والدقة والسلامة،ولتأكيد ما هدفنا إليه أعود ثانية إلى نقطة البدء…إلى تراثنا الثقافي لأجد أن”دعبل الخزاعي”مؤلف كتاب(وصايا الملوك)وهو من أهل الكوفة عاش بين عامي765-860م يقول عن الاستبداد الداخلي وهو كما ذكرنا فرع من فروع الإرهاب:”واصل الملك وأساسه الرجال،وأساسها الإحسان إليها،ومن أحسن إلى الرجال أطاعته وسمعت له،ومن سمعت له الرجال دانت له البلاد ومن فيها،وما دانت البلاد ومن فيها إلا لمالكها بعد الله عزّ وجلّ،وحكم لمالكها أن يستديم له الملك فيها بالعدل والإحسان فإنه لا طاعة لمن لا عدل له،ولا ملك لمن لا إحسان له”ومن مشهور أقواله وفي إقراره بالعدالة أيام حياته يقول:”طال عمري،ولي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد أحد يفعل ذلك”.
وعن إرهاب الدول والردّ عليه يقول الشاعر العربي التونسي”أبو القاسم الشابي”1901-1934م:
لا عدل إلا أن تعادلت القوى        وتصادم الإرهاب بالإرهاب
إنها حكمة أبدية…..فهل من مذّكر ؟000000

محمد علي الحلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى