التحقيقات

الحل بإصلاح الديموقراطية والإقتصاد الرأسمالي \ أسامة إسماعيل

 مشكلة الكثيرين في لبنان هي ادعاؤهم معرفة كل شيء والنفاذ إلى من وما داخل الجدران والرؤوس والنفوس، و خلوهم من لوثة الفساد والطائفية والتحزب والسلوك العنيف و المزعج والمؤذي والإستفزازي. وإن تمتعهم بالوظائف والمناصب وفرص العمل ذات الرواتب والمداخيل المتوسطة والمرتفعة بسبب تبعيتهم لمن يسمون "زعماء" والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية و"المحسوبية" والتملق والإنتهازية تجعلهم يزعمون أنهم يعرفون كل شيء في الإقتصاد والسياسة والدين والإعلام وأنهم ناجحون ومتفوقون وأذكياء رغم مستواهم الهابط وعدم وصولهم إلى المرحلة التعليمية المتوسطة، ورغم أنهم لايقرؤون ولايكتبون ولايبحثون. وإن السبب الأساسي لهذه الظاهرة هو الديموقراطية الإنتخابية العددية الطائفية الحزبية والإقتصاد الرأسمالي غير الخاضع لضوابط كافية. فالإقتصاد هو علم إدارة واردات محدودة لأجل إشباع حاجات غير محدودة، فليس كل من امتلك مالاً كثيراً عالم اقتصاد، وليس كل مايقوم به المسؤولون من إجراءات ومايطرحونه من اقتراحات حلول يتوافق مع المعايير الصحيحة لعلم الإقتصاد الذي يهدف إلى العدالة والتوازن والتنمية وتحسين الأوضاع.
الديموقراطية الإنتخابية العددية الطائفية الحزبية والإقتصاد الرأسمالي غير الخاضع لضوابط كافية يجعلان الكثيرين قادرين على تولي المناصب والوظائف برواتب ومداخيل متوسطة ومرتفعة وتحقيق الثراء على ظهر الأكفاء والجديرين المستقلين، ويجعلان الكثيرين يتصدرون شاشات التلفزة بصفة مقدمي برامج ومحللين ومعلقين رغم عدم تخصصهم بالإعلام والموضوعات والمجالات التي يتحدثون عنها كالسياسة والإقتصاد والفلك والدين. وإن الديموقراطية الإنتخابية العددية الطائفية الحزبية لاتحترم العقل والإرادة الفرديين والنخبوي الحر المستقل، وتضع المصلحة المادية والعاطفة والغريزة في النطاق الجماعي الذي يخدم غايات فئات معينة ومصالحها، وكل مسرحيات الصراع السياسي والإنتخابي والأزمات المفتعلة في هذا البلد تقوم على هذا الأساس. وفي هذا الأمر تشترك مع الحركة الصهيونية التي كانت ترفع شعار تجميع اليهود في العالم في وطن قومي على أرض فلسطين. وكلمة "تجميع" تعني غياب قيمة الفرد وخصوصيته والعقل والإرادة الفرديين.تعاملت مع "اليهود"في العالم كقطيع أو جماعة واحدة وكأنهم جميعهم مع المشروع السياسي والإجتماعي والإقتصادي الذي يخدم الفئة التي تقف وراءه. وبعد احتلال فلسطين وإنشاء الكيان الإسرائيلي أو الصهيوني  تم تبني الديموقراطية الإنتخابية العددية الحزبية والإقتصاد الرأسمالي من قبل هذا الكيان، وأخلي المكان لمايسمى "العقل الجمعي" والعواطف والغرائز والمصالح الجماعية حيث لاقيمة للعقل والإرادة الفرديين والحرية والإستقلال الحقيقيين، ولا يعتد بفرد متحرر مستقل ورأيه، وبصحافة وإعلام مستقلين يرفضان سياسة الإحتلال وحروبه العدوانية، وهذا الأمر يتطابق مع ما جاء في كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، من توعد بحرمان الفرد من حريته الحقيقية ومميزاته وإبطال كل تأثير للصحافة المستقلة، وإن كان هذا الكتاب مشكوكا"في أمره.
إن الإقتصاد الرأسمالي غير الخاضع لضوابط كافية تتعلق بتوزيع الثروة وحركة الرساميل والتنافس والتوظيف والأسعار، والذي يهمل القطاعات الإنتاجية والمؤسسات الصغيرة، ويؤدي إلى إثراء أفراد ومجموعات على ظهر آخرين، والتسبب بأزمات مالية ونقدية واقتصادية كالأزمة الحالية في لبنان، وعدم استقرار سعر الصرف، وتوظيف أفراد غير أكفاء وغير نزيهين وغير مستقلين في الإدارات ومؤسسات القطاعين العام والخاص على ظهر الأفراد الأكفاء والنزيهين والمستقلين. وقد افتعلت الأزمة المالية النقدية الإقتصادية الحالية في لبنان لأجل غايات فئات سياسية وحزبية واجتماعية واقتصادية معينة ومصالحها، حيث تهمش مصلحة النخبوي الحر المستقل الناقد، وتخدم مصالح الأثرياء و"زعماء الطوائف" والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية وبعض المجموعات الشعبوية. والسبب الحقيقي لهذه الأزمة هو غياب الضوابط الكافية للإقتصاد الرأسمالي حتى أن الإصلاحات واقتراحات الحلول التي بدأ الحديث عنها منذ سنة 2019 وبعضها بطلب من صندوق النقد الدولي مثل إعادة هيكلة المصارف وجدولة الدين العام ودولرة الإقتصاد وتحرير سعر الصرف أدى إلى نتائج عكسية بدلاً من أن تكون حلا"لأنها لم تترافق مع ضوابط وإجراءات كافية بل ترافقت مع تحويلات مالية كبيرة بالعملة الصعبة من المصارف إلى الخارج وظهور مشكلة نقص السيولة والمدخرات والإحتياطات بالعملة الصعبة في مصرف لبنان والمصارف، ما أدى إلى ضغوط كبيرة على الإقتصاد العام والعملة المحلية والدخل المحدود والمنخفض، وكذلك أدى إلى التضخم النقدي وزيادته، ورفع أسعار تعرفات الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة. وهذه الأزمة المفتعلة تخدم مصالح فئات اقتصادية واجتماعية وسياسية معينة وتضر ذا الدخل المحدود والمنخفض وخاصة النخبوي الحر المستقل الناقد. وقد تؤدي بعض الحلول المطروحة إلى زيادة السيولة بالعملة الصعبة في المصرف المركزي والمصارف، ولكن هذه النتيجة ناقصة إن لم تترافق مع ضوابط وإجراءات تمنع تهريب الودائع بالعملة الصعبة إلى الخارج، والهدر، والمحسوبية، والإعتماد على الإستدانة، وإن لم تترافق مع زيادة المدخرات النقدية التي تزيد قدرة الدولة والجهاز المصرفي على تيسير اعتمادات القطاعين العام والخاص ودعم الإستثمار في القطاعات الإنتاجية لتفادي استمرار الدوامة ذاتها أي الإعتماد على الإقتراض والإيرادات الضريبية لأجل الإعتمادات والإستثمار وسد العجز.
   الحل ليس بانتخاب رئيس الجمهورية وإعادة هيكلة المصارف وجدولة الدين العام بل في إصلاح الديموقراطية والإقتصاد الرأسمالي وإبعاد المذاهب الدينية بتحريفاتها وتشويهاتها وشوائبها عن السياسة الآنية ومسرحيات الصراع السياسي والإنتخابي لأجل أشخاص وأحزاب وشعبويين ودول خارجية في سعيهم إلى السلطة والمناصب والحصص والنفوذ والثروات ومصالحهم والتابعين لهم.
            أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى