المقالات

حماس وإسرائيل والموارد البترولية في المتوسط أيضا وأيضا \ مازن عبّود \ المصدر جريدة النهار

يخلص الاقتصادي العريق عاطف قبرصي من جامعة ماكماستر في دراسته “الإبادة الجماعية تتعلق أيضًا بالنفط والقنوات وطرق التجارة” (2024) الى انه “ليس من المستغرب تسعى إسرائيل لجعل غزة مكانًا غير صالح للسكن أو العيش، فثمة عوامل تلعب ادوارًا في حرب غزة الا وهي النفط والغاز في شرق المتوسط، وشق قناة بن غوريون وإطلاق الطريق التجاري الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر إسرائيل والذي تأمل الولايات المتحدة في أن يحل محل طريق الحرير الصيني”. واعتبر بانّ هذه المشاريع الاقتصادية الضخمة الحرجة تعدّ أسبابا جوهرية محتملة للمذابح التي تدور في القطاع والتي يقول بانها تهدف الى إفراغه وجعله غير قابل للسكن، مستندا في ذلك الى تصريحات أعضاء في الحكومة الإسرائيلية.
مما لا شكّ فيه بانّ التسابق الجيوسياسي يرسم خرائطا جديدة. والسعي الى امتلاك الموارد وتقويض نمو الصين يقف وراء الكثير من الحروب التي يتوجب فهمها أيضا من منظار مختلف ابعد من الأسباب المباشرة. وذلك واضح من خلال طرق الرد على الفعل بإبادة جماعية وافراغ للأراضي.
نورييل روبيني (PS.2023) يعتبر بانّ التخلي عن العولمة سمة المرحلة حيث تتحوّل الدول من التجارة الحرة إلى التجارة الآمنة، ومن الاندماج الاقتصادي إلى الفصل و”تقليل المخاطر” والإنتاج في الداخل والإنتاج القريب و”الإنتاج مع الأصدقاء” وذلك على حساب الكفاءة والمرونة. يتكلم عن “كساد جيوسياسي” بسبب تصاعد التنافس بين الغرب والقوى المعادية. وهذا ما يعزز ما تقدم به البروفسور قبرصي حول غزة. حوض شرق المتوسط يحوي ودائع ضخمة من الغاز والنفط تلزم لأوروبا في ظل الحرب الأوكرانية-الروسية. وهو بحسب الدراسة من أهم مصادر الغاز في العالم التي لا تخضع للحدود السياسية.
استخدام الموارد البترولية بشكل فعّال يتطلب فصل استخدام الحقول المشتركة عن حقوق الملكية التي للدول. يتوجب إيجاد من ينوب عن الأطراف وتحديد حقوق الملكية قبل الاستغلال. ومن هنا ضرورة الاتفاق على صيغة تقاسم عادلة تضمن تكاليف تبادل منخفضة. يمتلك الفلسطينيون حصصا في جميع الاحتياطيات المشتركة في هذا الحوض. وهم لا يمتلكون دولة تحظى بالشرعية والوجود الكاملين واللازمين لإنفاذ الحقوق. ثمة مخزونات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي قبالة قطاع غزة.
ايمانويل كانت في “السلام الدائم” بأن السلام الدائم يأتي إلى العالم، إما بالبصيرة الإنسانية أو بالصراعات والكوارث. أخشى انّ البصيرة الإنسانية هي معطلة في هذا الجزء من العالم مما افسح المجال امام الصراعات على الموارد. وهذا يشكل خطرا داهما على السلم. نحن امام منعطف خطير من تاريخ المنطقة. ثمة حاجة الى القيام بما تكلم عنه هنري كيسنجر في اطروحته (1957، عالم مستعاد)”للقيام برحلة على طريق لم يسبق لأحد أن سلكه”. مما يتطلب “شخصية وشجاعة. شخصية لأن الاختيار لن يكون واضحًا. وشجاعة لأن الطريق ستكون وحيدة في البداية”. ثمة حاجة الى الدبلوماسية والى “الدبلوماسي الذي يلهم شعبه للمضي في هكذا مسعى”. الا انّ المشكلة كما قال تكمن في ما اعتبره “ذاكرة الامة التي هي اختبار لحقيقة سياساتها”. الماضي غير المشجع مع اسرائيل والانظمة يفسر تعلق اهل الجنوب بالدين والحزب وتعلق الحزب بالسلاح. ثمة حاجة الى تخطي التاريخ وخلق مناخات جديدة في المنطقة. ثمة ضرورة للبصيرة والدبلوماسية والقيادة كي لا يأتي السلام بالإلغاء وحروب الابادة والكلفة الباهظة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى