التحقيقات

دور حالة القطيع في مايحدث من أزمات وحروب وتخلف \ أسامة إسماعيل


         بالعقل والإرادة الفرديين يقرر الإنسان ويختار مايريد و َمايرفض ومايرغب ومايكره ومايفعل ومايمتنع عن فعله، وهل يضع نفسه في قطيع أم لا؟ ولعل معظم أسباب مشكلات العالم ومصائبه وحروبه هي وضع الإنسان نفسه في قطيع. فالصهيونية لم تنشأ ولم تنمُ ولم تقوَ ولم تحتل فلسطين ولم تشن الحروب ولم ترتكب المجازر لولا الأفراد الذين وضعوا أنفسهم في القطيع وراءها وألغوا العقل وإلارادة الفرديين لديهم، وسيرتهم الإيديولوجيا والمعتقدات والأساطير والعواطف و الغرائز والمصالح الجماعية. وفي المقابل، قامت ردة الفعل تجاه الإحتلال الإسرائيلي على أساس القطيع فلا نقد ولااعتراض على أي عمل عسكري لايردع إسرائيل ولايحرر ماومن تحتله وتأسره بشكل حاسم وسريع وبأقل الأضرار والخسائر، بل الإيديولوجيا والمعتقدات الجماعية والغيبيات والعواطف الحماسية والشعارات والأشعار هي التي تسود. فلولا تغييب العقل وإلارادة الفرديين وسيطرة حالة القطيع لماحدثت الإحتلالات العسكرية والحروب. فالعقل والإرادة الفرديان يمنعان حدوث هذه الإحتلالات والحروب والدمار الشامل وارتكاب المجازر بوساطة الأسلحة الفتاكة، ولكنهما لايمنعان الصراع الفردي ضد المنافسة من قبل الآخرين والإزعاج والتعدي وقلة الإحترام والظلم والفوضى والتعصب والتحزب والإستبداد والتدخل في شؤون الفرد الشخصية والفكرية والمهنية. 
   حالة القطيع تنشأ عندما توضع العاطفة والغريزة والمصلحة المادية في النطاق الجماعي والشعبي، وبهذه الحالة لايتمايز الإنسان عن الحيوان الإجتماعي إلابالصورة والشكل، والكثير من البشر يسيرون في القطيع الإجتماعي بسبب آلية التفكير لديهم وطريقته التي لاتفصل بين العقل والعواطف والغرائز والحاجات المادية، فيما النخبوي الحر المستقل يتمايز عنهم بأنه يصَع العاطفة والغريزة والمصلحة المادية في النطاق الفردي والشخصي تحت إشراف عقله وإرادته وتوجيههما فيمتنع عن السير في القطيع الإجتماعي الطائفي أو العشائري أو الحزبي أو الشعبي. ولكن حالة القطيع هي السائدة، وأكثر الناس يسيرون في القطيع الإجتماعي، والسبب هو  الإيديولوجيا والمعتقدات والعواطف والمصالح المادية وتأثير وسائل الضغط والدعاية والإعلام والتواصل. يقول باسكال:"الناس يعتقدون بتأثير العاطفة لابتأثير الدليل والبرهان"،ويقول غوستاف لوبون:"لاتأثير للعقل في المعتقدات الراسخة"، و" لاتتقدم الحضارات بالجموع التي هي لعب تسيرها العواطف"و"صفوة الناس القليلة هي وحدها ذات آراء شخصية "، واعتمد الرواقيون على الإرادة كخط دفاع يومي عن الإستقلال الداخلي.وإن الإعتماد على العقل والإرادة الفرديين لايعني الإلحاد. فرفض السير في القطيع الإجتماعي والأساطير وتقديس أشخاص بشريين والولاء لهم لايعني الإلحاد بل إن بعض المعتقدات الدينية المذهبية تتفق مع بعض الإيديولوجيات الإلحادية من حيث الإستخفاف بالعقل والإرادة الفرديين وإعلاء شأن اللاوعي والعاطفة الذين يجعلان الإنسان لايستطيع التحرر من السلوك اللاإرادي وحالة القطيع الإجتماعي، ويؤديان إلى غياب الشخصية المتفردة والمتمايزة.وأدى وضع العقل والإرادة والعاطفة والغريزة والمصلحة المادية في النطاق الجماعي والشعبي وعدم الفصل بينها إلى نشوء معتقدات وآراء وأنظمة وعادات ومناسبات وطقوس وحركات وكيانات ذات طابع قومي أو عرقي أو ديني مذهبي أو حزبي أو عشائري أو شعبي، كما أدى المزج بين اللاوعي والخيال والعاطفة إلى نشوء أساطير وتحريفات الدين وتشويهاته وشوائبه والغلو والسياسة الضيقة التي تعتمد "الغاية تبرر الوسيلة" وتؤدي هذه السياسة الضيقة المقرونة باقتصاد غير خاضع لضوابط كافية وعادلة إلى تفاوت إقتصادي وظلم ومنافسة غير مشروعة وإثراء أشخاص على حساب آخرين وأزمات مالية ونقدية واقتصادية كالأزمة الحالية في لبنان. ويترافق ذلك كله مع أداء إعلامي سيء يشجع المعتقدات والآراء والظواهر اللاعقلانية والسطحية والتحريفات والشوائب والسياسة الضيقة والإقتصاد السيء. واعتمدت الحركة الصهيونية على حالة القطيع والتبريرات اللاعقلانية والأساطير وتحريفات الدين وتشويهاته و"الغاية تبرر الوسيلة" لاحتلال فلسطين وشن حروبها وارتكاب المجازر كما يحدث في الحرب الإسرائيلية على غزة. وإن النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي يشجع حالة القطيع و تغييب العقل والإرادة الفرديين وتحريفات الدين وشوائبه والغلو وإقصاء النخبوي الحر المستقل الناقد ويعزز شأن السطحي والتابع والمتملق والمزعج والوقح والشعبوي والمتعصب والفاسد. فكيف الحال إذا اقترن ذلك مع سياسة إقتصادية سيئة وغير عادلة وأداء إعلامي وتواصلي سيء؟ مع التذكير بأن الكيان الإسرائيلي أو الصهيوني يعتمد النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الحزبي.
      إن تغييب العقل والإرادة الفرديين وتسيير الفرد من قبل معتقدات وآراء لاعقلانية وعواطف و غرائز ومصالح وكيانات جماعية فئوية يؤديان إلى حالة القطيع الإجتماعي الذي ينمي السطحية والعددية الشعبية وينتج الجمود من جهة والضجيج العقيم والمزعج من جهة أخرى، والإستبداد والتعصب من جهة والسلوك الفوضوي وغير المنضبط من جهة أخرى، والقشور والمظاهرالسطحية، ويشجع التدخل في شؤون الفرد، وخاصة النخبوي الحر المستقل الناقد، الشخصية والفكرية والمهنية لأجل إزعاجه والإضرار به وبمصلحته وتشويه سمعته. فهذه الحالة التي تشمل الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والفن لاتهتم بالسلوك الجيد والمنضبط والحرية والإستقلال والعدالة والكرامة الفردية والهدوء والنشاط المنتج والمبدع والتنمية الشاملة والمتوازنة والفن الراقي بل تهتم بالمظاهر والقشور والأمور السطحية والزعامة والسلطة والسيطرة والنفوذ َوجمع الثروة لأشخاص وفئات معينة على حساب آخرين. لذلك، هذا الواقع السيء والظالم والضاغط والمزعج والمؤذي والإستفزازي إقتصاديا"ونفسيا واجتماعياً، الذي يحارب النخبوي الحر المستقل الناقد، ويحاول إقصاءه وتهميشه وحرمانه مع تراجع الدور النخبوي والتغييري والإرشادي والتثقيفي والناقد لمعظم وسائل الإعلام والتواصل، ولذلك، الأزمات والحروب وآخرها الحرب الإسرائيلية على غزة.
                     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى