المقالات

القتل والإغتيال …من وسائل الإحتلال – كتب الإعلامي د. باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت

  

       *إن صفحات التاريخ البيضاء ، يكتب عليها بحبرٍ من ذهب ،  أما صفحات التاريخ السوداء ، فتكون الكتابة عليها بمدادٍ أحمرٍ ، من دمِ الأطفال والنساء والعجزة المنكوبين ، أو بالدمع الأسود الذي يسيل من  عيون الثكالى والأرامل والمفجوعين ، أو بعرق جبينٍ أصفر ، يتدحرج على الوجوه السافرة والكالحة ، الغارقة بالعمالة والخيانة والذل المهين ،  أو بحبرٍ رماديٍ تجنيه أيدي المنافقين ، المذبذبين بين هؤلاء وهؤلاء المتلَوِّنين، وهم يعلمون علم اليقين ، أنهم إلى الدَرْك الأسفل من الجحيم ،  وأنهم إلى مزبلة التاريخ في المسير ، ليلقوا نصيبهم وحتفهم بسوء المصير ...*
       إن المجازر التي ترتكب بحق الأبرياء ، وأحداث القتل والتفجير والإغتيالات بحق الأحرار ، من قبل قوات الإحتلال المباشر ، أو بالواسطة ، حيث ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه حالياً ، أكبر شاهدٍ عليها ، وبخاصَّة للذين يقولون كلمة الحق أمام سلطان جائر ، والذين يتصدون لأتباع الباطل ليزهقونهم ، والذين يجاهرون بالعدالة ليمنعوا الأخطاء ، من أن تمعن بالجسد  طعناً بخاصرته ، أو غدراً من الخلف ، والذين يتصدون لمن يستبيح ما يحلو لمصلحته شخصياً ، على حساب المصلحة العامة ، أو الذين يمتشقون السيف ويشهرونه بوجه كل المنافسين لأهداف نبيلة فقط لتنفيذ قاعدتهم : (أنا أو لا أحد ) وضمن مبدأ شذاذ الآفاق الذي يعتمد :*( الغاية تبرر الوسيلة)* ...
       *هذا ما حصل في لبنان ، إثر أحداث السنوات العجاف ، التي مرَّت به وبشعبه على مدى سنواتٍ وسنواتٍ من جحيم النار والبارود ، والتي قضت على مئآت الآلاف ، ممن لا ناقة ولا جمل لهم  بالغايات السوداء ، ولهؤلاء الطباخين الذين يطبخون السموم للشعوب ، ومنهم الشعب اللبناني ، الذي عانى الأمرَّين من فظاعةٍ ، لا يمكن أن تمحى من ذاكرة التاريخ الأسود لهم ، في هذا الوطن الجريح ، الملطخ بأيادي الشر وفساد النفوس الدنيئة ، التي تتحكم بإنحراف ، وتهيمن على حساب الأشراف ، مما تستبيح نواياها بإسراف ، وتتعدى على كل الأنظمة والقوانين والأعراف ، وتؤدي بالوطن والمواطنين إلى الإنجراف ،  ليسيروا بهم إلى المقصلة كالخراف ، ولا بد لهم من القصاص بهم ، أو النفي والإنصراف ...*
          وهذا ما يحصل مع فلسطين وشعبها ، منذ أكثر من مائة سنة قضوها بالقتل والتدمير والتشريد ، فقط لسماجةٍ ومزاجيةٍ وعدوانيةٍ ، بمن يحملون في نفوسهم ، زوراً وبهتاناً وغلظة ، بأنهم شعب الله المختار ، وبأنهم فوق القانون الدولي والإقليمي والمحلي ، ليستبيحوا أرض فلسطين ، بإدعاءآتٍ شيطانيةٍ ، لإثارة الفتن والحقد والحسد ، وإفتراءآتٍ إبليسيةٍ ، على أنها أرض الميعاد ، لدولة مرهونةٍ للتاريخ الأسود ، وموصوفةٍ بالتخريب والإجرام والتشتيت ...
      *لذا جاء عبر الأزمان من يشتت جمعهم ، ويستبيح أعراضهم ، ويحرق أجسادهم ، لكثرة إجرامهم وإغوائهم وإمعانهم بالفساد والإفساد ، بكل البلاد وعلى كل العباد ...*
       ومن الدلائل على إجرامهم وإمعانهم بالقتل والإبادة ، هي بالتغيير للواقع الجيوسياسي ، وأيضاً الديموغرافي ، كما يحصل فيما يسمونه :*( بالشرق الأوسط الجديد)* ، والذي يخطُّطون له خارطة الطريق  ، ليكون على مزاجياتهم في التسلط والهيمنة ، عبر التقسيم والشرذمة للأراضي والشعوب ، لتحقيق ما يصبون إليه من حكم العالم ، وذلك من خلال إقامة دولتهم التي أطلقوا على حددوها بشعاراتهم :*( أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل) ...*
        *لذا شرعوا بعد تمكنهم من آحتلال وإغتصاب أرض فلسطين ، وسلب قرار الإعتراف بها دولياً سنة/ ١٩٤٨ ، عبر الأمم المتحدة ، والتي أنشئت خصيصاً لتنفيذ خطوات تحقيق غايتهم بالسيطرة على العالم ، بدءاً  بتقسيم أرض فلسطين وإعلان كيانهم المصطنع ، وإعتماد مقعدٍ له في هيئة الأمم ، وأيضاً في إقرار مبدأ الفيتو ، الذي وُضِع خصيصاً للدفاع عن تجاوزاتهم للقانون الدولي ، ولتغطية أفعالهم وإرتكاباتهم للفتن والحروب والإعتداءآت على الآخرين ، وإستباحة كل مقومات الشعوب وأراضيهم ، وإستخدام كل الأساليب التي تبيح تحقيق غايتهم المنشودة ...*
      هذا الإستغلال ، ترافق مع توسيع الإحتلال ، وفق سياسة الخطوة خطوة ، في بناء المستوطنات وقضم الأراضي ، مع التهجير لأصحابها الأصليين ، وتشريدهم داخل وخارج فلسطين ، وتمادى هذا الكيان بتوسع إحتلاله ، ليطال أراضي الدول المحيطة : في سيناء  والضفتين الغربية والشرقية والجولان وأيضاً في جنوب لبنان ...
       *لقد جاء ذلك من خلال عدة حروبٍ ، قامت بها إدارة هذا الكيان ، على مدى أكثر من مائة سنة من الإستغلال والإحتلال ، المترافقين مع الإعتلال بالخيانة والعمالة لمن يسير بدربهم ، ويربط مصيره بالحكم ، عبر مصيرهم بالتحكم ،لذا حكموا عليهم بالتطبيع ، فدان لهم أتباعهم وخرَّ لهم الجميع ...*
        جاءت عملية طوفان الأقصى ، بسريَّةٍ تامةٍ وتخطيطٍ مغاير ٍ، و ذلك من خارج نطاق ودرب السلطات والأنظمة ، لتغيُِر قواعد اللعبة ، ولتقلب كل الموازين المعهودة ، وتفضح المستور من إشاعات *(الجيش الذي لا يقهر)* ، والتي غرسوها بنفوس الشعوب المقهورة ، بفضل الهدايا التي تقدم للكيان على أطباقٍ من ذهب ، لقاء البقاء في عرائن السلطة والمال ، فجاءت هذه العملية البطولية لتكشف كل الوجوه ، وتزيل كل الأقنعة عنها ... 
        *فكشَّرت إدارة الكيان عن أنيابها ، مستعينةً بكل المتعاونين معها ، غرباً وعرباً ، لسد هذه الفجوة الفاضحة ، وهذه الهزيمة الواضحة ، لتشن حرباً ضروساً على الشعب الفلسطيني ، في القطاع المحرر والضفة المحتلة سواء ، وضمن مخطط الإبادة الجماعية ، والذي بات مكشوفاً للرأي العام العالمي ، حيث إنقلب السحر على الساحر ، وهبّت شعوب العالم لنصرة أهل فلسطين عامةً ،  وأبناء غزة خاصةً ، لما ترى بأم العين ما بدأه الكيان  منذ نشأته ، بالإبادة الجماعية لهذا الشعب المسكين ...*
      وما الهيجان الأخير لإدارته بالقتل والتدمير  ، وما يجري أخيراً من تهجيرٍ وتشريدٍ ، بدءاً من شمال القطاع إلى وسطه ، ثم إلى جنوبه وإنتهاء برفح وحدوده ، لإتمام المجازر الكبرى بالأبرياء والعزَّل من الأطفال والشيوخ والنساء ...
    *ليتزامن ذلك بتأكيد الجنون بالعظمة والتسلط على العالم ، بعد أن إنتكس هذا الجيش الذي تم قهره ، من قبل ثلة من المقاومين الذين إنتفضوا أمام السلطان الجائر ، ليقولوا كلمتهم له : يا ظالم نريد أرضنا وحقنا بالعيش الكريم ،  وإرحل أنت وزبانيتك إلى عيشكم بالأراضي التي جئتم منها بتحريضٍ من شياطين الإنس والجن ، فأكملوا جنونكم معهم ، فالقصاص قد ظهر بالمحكمة الدولية ، ومن الشعوب العالمية ، وقبلها من رب البرية ، على كل ظالم ومتجبر بالأعمال الإجرامية ، ولا بد أن النصر آت ، لمن آمن بالحق والعدالة بالحياة...*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى