التحقيقات

التغيير الحقيقي تصنعه النخبة المستقلة \ أسامة إسماعيل

إذا كان هنالك نظام سيء وحكم سيء في بلد ما، فالتغيير الحقيقي لايكون من سيء إلى أسوأ، بل يكون التغيير بتولي النخبة المستقلة وتسلمها زمام الأمور في هذا البلد، لاالأشخاص الذين يأتون على ظهر عامة الناس والشوارعيين والشعبويين والفوضويين، وعلى أيدي دول خارجية تريد مصالحها ونفوذها قبل مصلحة هذا البلد ويحظون بترحيب من قبل كيان محتل.
إن مايحدث على أرض الواقع في المنطقة العربية المحيطة بالكيان الصهيوني، من صعود حكام وسقوط حكام ليس نابعا”من إرادة محلية كاملة بل من لعبة دولية توحي لأشخاص وأحزاب وتنظيمات ومجموعات بأن يتحركوا وينفذوا مخططاتها بالإعتماد على القطيع الجماعي والشعبي ألذي يميل مع كل ريح، ففي البداية يصفق ويهتف لمن يقوم بانقلاب ويحكم أو يصل إلى الحكم عبر انتخابات شعبية عددية أو مايسمى “ثورة شعبية” وبعد فترة من الزمن ينقلب هذا القطيع بأكثريته على هذا الحاكم أو “الزعيم” ويهتف ضده ويطالب بإسقاطه أو اقالته. هذه هي حال المنطقة العربية المجاورة للكيان الإسرائيلي حيث النخبة المستقلة مستبعدة ومهمشة، وتسود حالة القطيع الجماعي والشعبي ألذي يشجعه النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي ووسائل إعلام وتواصل تابعة وحزبية وشعبوية وسطحية تسوق وتروج هذه الحالة بشكل مدفوع أو مجانا”. والمستغرب أن من يقود القطيع ومن يدعمه من الخارج ومن يسير في القطيع، ووسائل الإعلام والتواصل التي تسوق لهم، يصورون الديموقراطية الإنتخابية بأنها مرادفة للحرية والحكم الرشيد والصالح فيما هي مرادفة لحكم العامة و ديكتاتورية الأكثرية وغياب قيمة النخبوي الحر المستقل لمصلحة “القطيع الجماعي والشعبي ألذي قد يأخذ طابعا”مذهبيا” أو طائفيا” أو حزبيا”أو عرقيا”، و مابني على تملق الجمهور أو القطيع واستدرار عواطفه واسترضائه لأجل الإنتخابات والتأييد والزعامة والإستمرار في الحكم والإستفادة من منافعه يفتح الباب أمام الفساد المالي والإداري والإجتماعي والهدر و” المحسوبية “و” الواسطة” والإثراء غير المشروع، كما يفتح الباب أمام الأزمات والإضطرابات والتدخلات الخارجية. ومابني على حكم الأكثرية ومشكلة الأكثريات مقابل الأقليات الطائفية والعرقية يؤدي إلى إستبداد وتعصب وفوضى وحالات عدم استقرار في غياب وسائل إعلام مستقلة ونخبوية وعقلانية. فبعض المؤسسات الإعلامية تميل مع القطيع الجماعي والشعبي تبعا”للأجواء العامة والعواطف ومصالحها، وتقوم بالتسويق للأحداث والدعاية للأطراف المشاركة فيها رغم نتائجها السيئة كماتفسح المجال لمستثمري هذه الأحداث ومستغليها الإنتهازيين والمراوغين لتقديم أنفسهم أمام الجمهور في الإتجاه الذي يخدم غاياتهم ومصالحهم، وتنقل الضجيج Noise المثار حول هذه الأحداث، والتشويش Parasite والتشويه والتضليل Deformation والتضخيم والمبالغة، وذلك كله يوجد غشاوة تمنع الذهن والتفكير من تحقيق رؤية شاملة وعميقة وسليمة حول مايحدث ومن وراءه وأسبابه الحقيقية وإلى ماذا سيؤول؟
إن التغيير الذي يأتي من دول خارجية وبعضها ذات تاريخ إستعماري في بلد ما على أيدي أطراف داخلية مرتبطة بها تتوسل العنف وحالة القطيع الجماعي والشعبي والعواطف والإيديولوجيا، وعلى تحميل الطرف الحاكم وحده المسؤولية عن المشكلات والجرائم كلها وتبرئة الداعمين الخارجيين لحركة التغيير هذه وأداتها الداخلية، وتحييد الكيان المحتل، ليس تغييرا”حقيقيا” يؤدي إلى الحرية الحقيقية والإستقلال والسيادة والعدالة والإستقرار والتنمية بل إن التغيير الحقيقي هو الذي تصنعه النخبة المستقلة التي تتوسل المنطق العقلي والعلم والثقافة والرؤية الشاملة والعميقة والصحيحة لفهم الواقع السيء ونقده ومعالجته وتغييره.
أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى