التحقيقات

الفرد المميز هو من يصنع تاريخه وليس الاخرين \ أسامة إسماعيل

مسار حياة الآخرين ليس هو الذي يحدد مسار حياة الفرد، وكذلك مسار التاريخ السياسي والديني والإجتماعي ليس هو مايحدد مسار تاريخ الفرد ومايمر به من أحوال شخصية. ولكن، كلا المسارين يؤثران في حياة الفرد وقراراته ومساره العملي. فلا أحد يستطيع أن يقرر عن الفرد ماذا وكيف ومتى يفكر و يريد ويشعر ويرغب ويتكلم ويكتب ويعمل؟ وإن بداية سنة ونهايتها هي مسألة علمية فلكية تمثل اكتمال دورة الأرض حول الشمس في ٣٦٥ يوما"، وهي تمثل أيضا" حركة جمادات لاتاريخ حياة انسان وحركته.
إن تاريخ حياة الإنسان أو الفرد يبدأ بولادته مرورا"بأحواله المختلفة ولكن هذه الولادة لاتقتصر على الجسد بل هنالك ولادته بالفكر والنفس والإرادة عبر التحرر والإستقلال والتغير والحصول على حقوقه والمحافظة عليها وعلى كرامته، حتى الموت الذي ينهي حياة الجسد لايستطيع أن ينهي الولادة المتجددة بالفكر والنفس والإرادة. فالتفكير والإتجاه والرأي والتعبير والرغبة والعمل والمال والزواج وإنجاب الأولاد هي أمور شخصية أو فردية تتعلق بعقل الفرد وإرادته. فهو الذي يحدد ويقرر ماذا وكيف يفكر ويرى ويتكلم ويكتب ويعمل وهل يتزوج وينجب أولادا"أم لا ومتى؟ وليس المجتمع والسلطة المذهبية والسياسية والنافذين، ولاحركة الجمادات مثل النجوم والكواكب ودوران الأرض حول الشمس ولاالكائنات الأسطورية والخرافية والغيبيات.
  التاريخ لايخضع للجبرية 
إذا كانت بداية تاريخ الفرد الحقيقي لاتقف عند يوم ولادته بالجسد بل تتجدد عبر ولادته بالفكر والنفس والإرادة والحرية والإستقلال والتغير والحصول على حقوقه والمحافظة عليها في مواجهة أعدائه ومنافسيه ومزعجيه والظروف والأوضاع السيئة والصعبة والواقع المفروض فكيف ببداية سنة ونهاية سنة هي نتيجة حركة جمادات. فالإحتفال بنهاية سنة وبداية سنة عبر عادات  وصخب وضجيج وتبذير ومظاهر سطحية، لايلتقي مع المفهوم الحقيقي للتاريخ والزمن وحركة الحياة والذات الفردية والفكر والنفس والإرادة وصراع الفرد لأجل حريته واستقلاله وكرامته وحقوقه وراحته والتغيير كما أن المناسبات المذهبية والطائفية والحزبية وعاداتها وطقوسها ومظاهرها وضجيجها وضغوطها لاتلتقي مع هذه الحركة، كما أن محاولة فرض أنماط تفكير وتعبير وسلوك ومعتقدات ومفاهيم جامدة ومسبقة وخاطئة على الفرد حول الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والعمل والمال والزواج والفن، تتعارض مع الولادة المتجددة والتاريخ الحقيقي للفرد الذي "يصنعه" بعقله وإرادته وحريته واستقلاله وإبداعه وتمايزه، وليس كل فرد يستطيع القيام بهذا الأمر، إذ أن أغلب الناس يعيشون وفق المعتقدات والمفاهيم وأنماط التفكير والتعبير والسلوك، التي تفرضها الجماعة والسلطات والأحزاب والنافذون والأثرياء، فلايحققون الولادة المتجددة التي لاتنتهي بموت الجسد أو الجسم، ولا"يصنعون" تاريخهم الفردي الحقيقي. 
إذا كان التاريخ والمستقبل غير خاضعين للجبرية fatalism بل لسلسلة متواصلة، من العلة والمعلول، فلايمكن الإعتماد على تنبؤات غيبية وحدسية وعرافة لمعرفة ماسيحدث للفرد والمجتمع في المستقبل. وإن معظم وسائل الإعلام والتواصل لاتقوم بالارشاد والتثقيف حول هذه المسألة بل إنها تسوق الأحداث السياسية والأمنية والإقتصادية كأنها قضاء وقدر، ولا مفر من تفاديها أو تداركها، وكأن الفرد رقم أو عدد فحسب، لايملك القدرة والإرادة والإختيار لتغيير واقعه والمعتقدات والمفاهيم وأنماط التفكير والتعبير والسلوك والقوالب الجامدة والجاهزة التي يفرضها عليه الآخرون بحكم المذهب الديني أو الإيديولوجي الذي ولد عليه والنظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي والعادات الموروثة، فإن لم يخضع لها فلاوظيفة  ولاعمل ولادخل مالي جيد ولازواج ولامكانة!؟ 
يقول أرسطو :"الزمان ليس حركة. فالحركة تتم في الزمان كما أن مرور الزمان رهين بحدوث الحركة." 
           أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى