الصحافة من أكثر المهن التي يجب أن تكون نخبوية حرة مستقلة \ أسامة إسماعيل
الصحافة هي من أكثر المهن التي يجب أن تكون نخبوية حرة مستقلة عقلانية، ولكن الواقع يختلف عن هذه الحقيقة، حيث أن الكثرة من وسائل الإعلام والتواصل أصبحت تقوم بدور شعراء المديح والهجاء لأجل التمويل والدعم، وبدل أن تقوم بدور التثقيف والإرشاد والنقد والإسهام في التغيير للأفضل تقوم بتسويق السياسة الآنية والإنتخابات والدعاية لسياسيين وأحزاب ودول خارجية في مقابل ذم السياسيين والأحزاب والدول التي تعتبر خصوما"لتلك الجهة.
الإعلام والصحافة اختصاص ومهنة ذات كيان خاص مستقل مثل الإختصاصات والمهن الأخرى، فلايصح العمل فيهما الا للمتخصص والملم بهما، وليس الصحافي أو الإعلامي مجبرا"على تقديم الولاء والإتباع لسلطة مذهبية أو أشخاص أو حزب أو دولة خارجية كي يحصل على المال والإحترام والشهرة، كما أن المحامي والطبيب والمهندس والمحاسب والصيدلي غير مجبر على تقديم الولاء والتبعية لجهة معينة. ولكن الواقع السيء والسائب يحرم المتخصص بالإعلام والصحافة النخبوي الحر المستقل الجدير العمل في هذه المهنة والإرتزاق منها، ويمنح غير المتخصص بها غير النخبوي وغير الجدير، التابع لجهة معينة أو المتملق والمداح لها، العمل والدخل المالي المرتفع والشهرة، وكذلك يمنحه الدعم والغطاء...
إن هذا الواقع أدى إلى انحدار مستوى الكثير من وسائل الإعلام المحلية والإقليمية فأصبح الشكل والمحتوى والأسلوب فيها إخباريا”يجتر الأخبار والأحداث اليومية والآنية التي تنتشر عبر وسائل الإعلام والتواصل الأخرى، والتعليقات والتحليلات لها، فتضيق مساحة الرؤية الفلسفية الشاملة والناقدة لقضايا الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والفن، وتتقلص مساحة الرأي النخبوي الحر المستقل العقلاني. ويحل محلهما التسويق للسياسيين والأحزاب والإنتخابات والأزمات ومسرحيات الصراع، والحالة الشعبوية والعاطفية والمادية التي تجعل الجاهل والسطحي والسخيف والفاسد و”الشبيح” يدعي معرفة كل شيء وأنه سياسي ومتدين واقتصادي.
غياب الإرشاد حول قضايا ومفاهيم
معظم وسائل الإعلام والتواصل المحلية لاتقوم بالارشاد والتثقيف والنقد حول موضوعات الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والفن. فمثلا”، هنالك مبالغة كبيرة في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، مبالغة في الوقت والكلام والآمال كأحد فصول مسرحيات السياسيين والأحزاب والدول الخارجية لأجل السلطة والنفوذ ومصالحهم، وكان يمكن انتخاب رئيس الجمهورية منذ سنتين دون هذه المبالغة، وإن انتخاب رئيس الجمهورية لن يحول لبنان إلى جنة كما أن انتخاب السيء أو الأسوأ لن يحول لبنان إلى جهنم، فرئاسة الجمهورية هي منصب ضمن النظام البرلماني اللبناني، وليس وحده من يحكم، وهنالك شروط لصلاحياته في الدستور مثل إصدار المراسيم، و المفاوضات وتوقيع المعاهدات مع الدول الخارجية وحل مجلس النواب والإمتناع عن توقيع مراسيم واصدارها وتأليف الحكومة والإشراف على القوى المسلحة، ويجب أن تقوم وسائل الإعلام بالتمييز بين النظام السياسي والقانون الدستوري الذي يشرع هذا النظام ويرسخه. فالنظام السياسي يتعدى النصوص الدستورية إلى العرف والتقاليد والأداء والسلوك السياسي. فالدستور اللبناني الذي وضع في عهد الإنتداب الفرنسي لاينص على طائفية الرئاسات الثلاث ولكن العرف وزع هذه هذه المناصب على مذاهب وطوائف معينة. فالنظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي هو أوسع من الدستور الذي يشرعه. فهو يهتم بتمثيل الطوائف والأحزاب في السلطة والإدارة العامة عبر الإنتخابات النيابية على أساس المذهب والطائفة ولايهتم بحكم النخبة والشروط والصفات التي تؤهل الشخص لتولي الحكم والإدارة العامة، حتى أنه لاتوجد في الدستور شروط ومؤهلات محددة للمرشح والناخب! وهذا الأمر ينطبق أيضا”على التعيين والتوظيف في الإدارات العامة حيث تؤدي التبعية للسياسيين والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية و” الواسطات”و” المحسوبية “دورا” كبيرا”في هذا المجال دون الإهتمام بالكفاءة والمؤهلات والصفات الحسنة. والنتيجة هي هذا الواقع السيء!
معظم وسائل الإعلام والتواصل المحلية بالارشاد والتثقيف حول مفاهيم المعارضة والإستقلال والسيادة بل تقوم بتسويق المفاهيم والخاطئة والملتبسة أي المعارضة التي تقول: قم لأقعد مكانك، فإذا وصلت إلى السلطة قامت بما كانت تتهم به الموالاة السابقة. فالمعارض الحقيقي هو المستقل والسيادي والناقد والتغييري الحقيقي الذي لايتحالف مع سياسيين وأحزاب طائفية وإيديولوجية شعبوية مرتبطة بالخارج لأجل الفوز بالإنتخابات والوصول إلى السلطة والشهرة والثروة، وهذا المفهوم الملتبس والمزيف للمعارضة والإستقلال والسيادة تشجعه الديموقراطية الإنتخابية العددية الطائفية الحزبية ووسائل الإعلام التابعة التي خرجت من رحم هذه الديموقراطية.
أسامة إسماعيل
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development