موقف الفلسفة تجاه السياسة والديموقراطية \ أسامة إسماعيل

منذ زمن بعيد كانت ولاتزال الفلسفة تكره وتعارض الديموقراطية الإنتخابية العددية والسياسة الآنية والإنتخابات والتظاهرات الشعبية والحروب، وعبر عن ذلك عدد من الفلاسفة الاغريق والمسلمين في العصور السابقة والفلاسفة الغربيون في العصور اللاحقة حتى العصر الحديث.فالفيلسوف اليوناني أفلوطين كان يبعد جميع تلاميذه عن السياسة، ورأى سقراط أن الفكر يخدم الحياة بينما الحياة تخدم السياسة، وكان الفيلسوف العربي أبو بركات البغدادي يؤثر الإبتعاد عن السياسة لأن في مخالطتها نقضا”لفكرة الفيلسوف بالذات.
حجة الفلسفة في كرهها ومعارضتها الديموقراطية الإنتخابية العددية هي أنها تضع الحكم والقرار بأيدي العامة وتخضع العقل للعاطفة والغريزة، وهي مصاحبة للصخب والضجيج وتأثير الديماغوجيين، وهي تحول دون الإستقرار الدائم والعدالة، وتجعل السياسة الآنية الإنتخابية الشغل الشاغل للناس رغم ان السياسة اختصاص وعلم،فالناس في النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي يختارون ويقررون ويرتؤون ماليس ضمن اختصاصهم وعلمهم وخبرتهم، مايؤثر سلبا”في السياسة العامة والإدارة والإقتصاد والمرافق العامة، إذ أن معظم الناس في النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي يتخذون قراراتهم ويختارون الأشخاص والآراء على أساس الإنتماءات العائلية والعشائرية والطائفية والحزبية والمعتقدات والعواطف الجماعية ومصالحهم المادية لا على أساس الفلسفة العقلية وعلوم السياسة والإدارة والإقتصاد، مايؤثر سلبا”في مبادئ التنمية والعدالة والحرية والإستقلال والانتظام العام. وتتضاعف هذه المشكلة في عصر التكنولوجيا والإتصال والإعلام حيث تدار معظم وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي بطريقة تخدم الديموقراطية الإنتخابية العددية واشغال الناس بالسياسة الآنية والإنتخابية والأزمات والحروب بدلا”من أن تدعم الفكرة التي تقول إن السياسة هي علم واختصاص النخبة. يقول سقراط:” إن أساس الديموقراطية وهو أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، أساس خاطئ لأن الشعب ليس متخصصا” في السياسة. “وكان فلاسفة التنوير في فرنسا يفضلون ديكتاتورية العقل على ديموقراطية الجهلة! ويقول نيتشه:” الرجل الممتاز لايخضع لحكم الجماهير “، ويقول جون ستيوارت ميل والمفكر الفرنسي دي توكفيل :”بعض الشرور تصحب الديموقراطية التمثيلية والإنتخاب، وأحد هذه الشرور هو أن تختار الأكثرية السخفاء للحكم، ذلك أن الجماهير قد تمقت ذوي الشخصية المستقلة أو المبدعة أو الفذة وتنبذهم لأنها لاتفهمهم”.
نقد التمثيل الطائفي والحزبي
الديموقراطية الإنتخابية العددية ذات التمثيل الطائفي والحزبي ترسخ حالة القطيع الجماعي،فتتضاءل قيمة الفرد النخبوي الحر المستقل وتغيب العدالة، وتجعل الإهتمام محصورا” بتمثيل المذاهب والطوائف عبر أشخاص وأحزاب لايمثلون في الحقيقة جميع الأفراد المولودين على هذا المذهب أو ذاك بل يمثلون التابعين لهم فحسب، الذين يستفيدون من المناصب و الوظائف وفرص العمل ذات الراتب أو الدخل الجيد، التي تحجب عن النخبوي المستقل ذي الكفاءة والجدارة!!!
فأين هي العدالة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والمعنوية في التمثيل المذهبي والطائفي الحزبي؟ ومتى كانت الإنتخابات العددية الشعبية ذات التمثيل الطائفي والحزبي تؤدي الى حكم النخبة المستقلة والحكم الرشيد والعادل والصالح؟
يقول أفلاطون :”إن المعرفة تقوم بدور ضاغط على المستنير وانها بهذا الشكل تضعه في مواجهة الكثرة الجاهلة في حالة غياب العدالة”. فمادام الجهلة والسطحيون َوالفاسدون والوقحون والطائفيون والمزعجون التابعون يسرحون ويمرحون ويستفيدون من المناصب والوظائف والرواتب والمداخيل المرتفعة والمتوسطة التي يوفرها لهم السياسيون والأحزاب الطائفية والإيديولوجية الشعبوية المرتبطة بالخارج، ومادامت الديموقراطية الإنتخابية العدديةالطائفية الحزبية والسياسة الآنية المرتبطة باللعبة الدولية الإقليمية ومادام المجتمع والتربية هكذا دون دور فاعل وتغييري ومؤثر لوسائل الإعلام والتواصل في مواجهة هذا الواقع، فلن يتغير الوضع العام للأفضل ولن يتحسن وستستمر المحاصصة الطائفية الحزبية و”الواسطات” و”المحسوبية” والمحاباة. فالمسألة ليست مسألة إستبدال أشخاص بأشخاص آخرين ولاتعديل نصوص دستورية وقوانين بل المسألة كما قال أفلاطون أيضا”هي احداث إصلاح عميق يصل إلى حد التغيير الجذري.
أسامة إسماعيل
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development