التحقيقات

كيف لبوتين أن يختار ترامب رئيساً لأمريكا وليس للشعب الأمريكي ذلك؟ الدكتور شادي نهرا \ المصدر: aleph-lam.com

اتسرّبت معلومات عن الخسائر الإيرانية جراء الضربة الإسرائيلية على إيران في 26 أكتوبر 2024، ففي حين ظهرت في البدء أن الضربة كانت شكلية ولم تتخطى الخطوط الحمر الإيرانية، أي ضرب المفاعلات النووية ومحطات تكرير النفط الإيراني، إلا أن الضربة آلمت إيران كثيراً، خاصة أنها تعرضت لخيانة روسية كبيرة ربما كان السبب الرئيسي بمجيء ترامب رئيساً لأمريكا!

إذ قد سبق الضربة الإيرانية مفاوضات بين أمريكا وإيران عن طريق طرف ثالث وهو روسيا، حيث لجأت أمريكا لروسيا لإقناع إيران بالموافقة على ضربة إسرائيلية محدودة كرد على الضربات الإيرانية الأخيرة رداً على اغتيال هنية والسيد حسن نصر الله، وقد بررت أمريكا ذلك بأنه كان يجب على إيران الرد على إسرائيل باغتيال شخصيات كما ضربتها إسرائيل وليس بالصواريخ، فإسرائيل لم تضرب العمق الإيراني لكي ترد عليها إيران بضرب العمق الإسرائيلي، بالرغم من إفراغ إيران الصواريخ من حمولاتها المتفجرة، لذلك عرضت أمريكا على إيران القبول بقيام إسرائيل بضربة محدودة دون الرد، و قدمت لها أربعة وعود :

أولاً: عدم الاقتراب من المفاعلات النووية والمنشآت النفطية.

ثانياً: الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة ولبنان.

ثالثاً: رفع مجموعة من العقوبات الاقتصادية وتصدير شحنات إضافية من النفط الإيراني.

رابعاً: الإفراج عن بعض المليارات المجمدة في البنوك الأوروبية.

لكن بالرغم من ذلك رفضت إيران العرض الأمريكي لأنها لا تثق بأمريكا، فقد شعرت أن هناك فخ يُنصَب لها للسماح بالطائرات الإسرائيلية الدخول إلى الأجواء الإيرانية ومن ثم ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. لذلك لجأت أمريكا إلى بوتين للتوسّط بينها وبين إيران، و قد قابل بوتين الرئيس الإيراني شخصياً وقدم له ضمانات روسية للعرض الأمريكي عارضاً عليه أن تختار إيران المواقع الأربعة المزمع ضربها ، مقابل مكاسب جمة لإيران وأيضاً لروسيا في حربها على أوكرانيا، ‎فكان رد الرئيس الإيراني أنه لا يعترض على مبدأ رد إسرائيل عل الصواريخ الإيرانية ، إنما المشكلة في عدم ثقته بأمريكا كوسيط ، لأنه يمكن أن تنصب له فخ وتقوم الطائرات الأمريكية بضرب إيران والمفاعلات النووية، لذلك عرض بوتين على الرئيس الإيراني أن تقوم إيران بإعطاء بوتين إحداثيات المواقع التي ستسمح بضربها وسوف يقوم بوتين بتفعيل الدفاعات الجوية في بحر قزوين لتشارك بصدّ أي هجوم يخرج عن الاتفاق، وضرب الطائرات الإسرائيلية في حال لم تلتزم بالاتفاق، وسوف تقوم روسيا بإعطاء إيران منصات دفاع جوي S300 إلى جانب المنظومات الموجودة لحماية المنشآت النووية والنفطية، وسوف تمدّ روسيا إيران بكل المعلومات الاستخباراتية من الأقمار الصناعية الروسية وأهمها تحركات القوات الإسرائيلية من قواعدها العسكرية وخط سير الطائرات الإسرائيلية التي ستضرب إيران و قدراتها التسليحية بمجرد انطلاقها من إسرائيل إلى حد الوصول لإيران… إزاء كل هذه الضمانات الروسية وجد الرئيس الإيراني العرض مغري جدا ووافق عليه.

‎لكن المفاجأة كانت أن روسيا لم تلتزم بوعودها، فقد سلمت إيران روسيا إحداثيات أربع مواقع عسكرية إيرانية لتقوم إسرائيل بضربها وهي منشآت يستخدمها الحرس الثوري لمراقبة الحدود العراقية، وقد سحبت إيران جنودها من هذه المواقع قبل إعطاء الإحداثيات لروسيا لتقوم إسرائيل بضربها. لكن إسرائيل لم تلتزم بالاتفاق والأخطر من ذلك أن الدفاعات الجوية الروسية لم تتحرك لحماية إيران كما وعد بوتين! أما إسرائيل فقط ضربت بدل الأربع أهداف، عشرين هدف في قلب إيران بينها مصانع لتصنيع الصواريخ البالستية التي استخدمتها إيران لضرب إسرائيل.

وحين بدأ الهجوم بَلَّغت روسيا إيران بخط سير الطائرات وعددها، وهنا أدركت إيران أن الهجوم أكبر بكثير من المتفق عليه لأنها تبلّغت أن هناك مئة طائرة في الهجوم !! ولم تُفعّل روسيا دفاعاتها الجوية في بحر قزوين كما وعدت!

كما قامت إسرائيل بضرب الدفاعات الجوية الإيرانية لكي تتمكن من ضرب أهدافها في إيران بدون أي عائق، وقد استخدمت إسرائيل المسيرات التي اطلقها عملاؤها من داخل إيران تزامناً مع الضربات الإسرائيلية، فقد أطلق هؤلاء العملاء مجموعة من المسيرات لضرب أنظمة الدفاع الجوي الإيراني إذ أنها تطير على علو منخفض أقل من مدى الرؤية الخاصة بمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية، ففي حين كانت منصات الصواريخ الإيرانية تبحث عن طائرات الـ F-35 والـ F-15 التي أبلغتها روسيا بانطلاقها، قام العملاء بإطلاق طائرات مسيرة من داخل إيران لضرب منصات الصواريخ…

لذلك فشلت منصات الصواريخ الإيرانية في اعتراض الكثير من الصواريخ الإسرائيلية، لكنها نجحت في اعتراض بعض منها خاصة تلك التي كانت تزمع استهداف موقع للرادارات الذي يؤمن مصفاة عبادان للنفط وهي أكبر مصافي النفط الإيرانية، فقد أسقطت الدفاعات الإيرانية الصواريخ الإسرائيلية، وهناك موقع آخر فشلت إسرائيل في استهدافه وهو مصنع بيترو كيماويات، واستطاعت إيران إسقاط كل الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفته إلا أن هناك مواقع لم تستطع إيران حمايتها وهو موقع بارشين حيث يتم تصنيع الصواريخ متوسطة المدى، وموقع خوجير الذي يبعد 2 كيلو متر فقط من بارشين وهو مسؤول عن إنتاج الصواريخ بعيدة المدى كما أنه يضم الخلاطات المسؤولة عن إنتاج الوقود الصلب الخاص بالصواريخ البالستية، مع العلم أن إيران تعاني من مشكلة الخلاطات إذ أنها لا تُصنَع داخل إيران بل تستوردها من الخارج وبالتالي لو نجحت إسرائيل في ضرب الخلاطات تكون قد حرمت إيران من إنتاج الصواريخ لفترة طويلة، إلا أن الدهاء الإيراني توقّع الغدر الإسرائيلي فقامت إيران، كما يزعم بعض المسؤولين، بنقل الخلاطات الحقيقية إلى مواقع سرية قبل الضربة وثبتت مكانها خلاطات وهمية لكي لا تتعرض إيران لضربة كالتي تعرضت لها في 2020 حيث تعرضت إيران لانفجار مفاعل نطنز عبر هجوم إلكتروني، كما ضربت المنشآت الأخرى من خلال مسيرات اطلقت من داخل إيران، ومن بين الأهداف التي ضربت كانت خلاطات الوقود الصلب حيث اضطرت إيران لشراء خلاطات بعد فترة طويلة. إلا أن صحيفة فاينانشال تايمز ذكرت نقلا عن معلومات مخابرات من مسؤولين أمنيين في بلدين غربيين أن سفينتي شحن إيرانيتين تحملان مكونا لوقود الصواريخ ستبحران من الصين إلى إيران في الأسابيع القليلة المقبلة.

ونقلت الصحيفة إن كمية بيركلورات الصوديوم يمكن أن تنتج 960 طنا من بيركلورات الأمونيوم، وهو ما يكفي لصنع كمية قدرها 1300 طن من الوقود، والتي يمكنها تزويد 260 صاروخا إيرانيا متوسط المدى.إلا أن بيركلورات الصوديوم يحتاج خلاطات لإنتاج الوقود الصلب ، ما يعني أنه بالفعل خدعت إيران الطائرات الإسرائيلية واستبدلت الخلاطات بخلاطات وهمية.

كما ضربت إسرائيل موقع شهروك على بعد 350 كم شرق طهران حيث يضم مكونات لإنتاج صواريخ بعيدة المدى، وبذلك ضربت إسرائيل صناعة الصواريخ البالستية ضربة موجعة، إلا أن وزير الدفاع الإيراني صَرّح أن كل مكونات الصواريخ هي تصنيع محلي ولذلك ممكن التعافي من هذه الضربة سريعا، إلا أن إسرائيل بدأت تخطط لضربة ثانية حسب تصريح نتانياهو بعدم نسيانه ضرب المفاعلات النووية ما يعني أن إسرائيل بضربتها الأولى تمهد لضرب المنشآت النووية، لذلك يرى المسؤولون العسكريون الإيرانيون ضرورة ضرب إسرائيل لمنعها من تكرار مهاجمة إيران النووية كما أن الاعتماد على روسيا لم يجدي نفعا، أما وزير الخارجية الروسية فقد أعلن عن شراكة استراتيجية شاملة بين موسكو وطهران وقد تم توقيعه فعلاً إلا أنه لا يتعدى الضجيج الإعلامي كما سنفصله لاحقاً.

الدولة العميقة الأمريكية

لا شك أن أمريكا هي من أهم الامبراطوريات على مر التاريخ ولا شك أن سياساتها وخطتها المعقدة لا يستطيع أحد فك شيفراتها إلا بعد أن يمر عليها عشرات السنين، ولا شك أن الدولة العميقة الأمريكية التي تتكون من جناحين، الجناح المالي حيث تجتمع فيه كبار الشركات الأمريكية التي تقبض على رقبة المال في أمريكا وفي العالم، حتى أن هناك شركات ك Black Rock تدير أكثر من 15 تريليون دولار من الأصول العالمية، و الجناح الآخر هو الجناح الفكري حيث يضم كبار ونخبة العباقرة والمفكرين،  واللذين بتوجيه من الجناح المالي وبتحليل المعلومات التي تصل لهم من أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تكلف الخزينة الأمريكية ٨٠٠ مليار دولار  سنوياً، يضعون خططا تمتدّ لعشرات السنين، إذ أن كل خطوة في المخطّط تحتاج سنين لتنفيذها، كمثال إنشاء داعش، أو خنق اقتصادي لبلد ما بهدف اخضاعه وخلق فجوة بين المجتمع والسلطة بهدف تحويل أكثرية شعبه إلى عملاء ضد السلطة  …

كل هذه الخطوات تحتاج سنوات وربما عشرات السنين لإنضاجها، وقد تتغير الخطة بحسب رد فعل المستهدف، كمثال روسيا ، إذ أن موقف بوتين من الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية هو من قرر الرئيس الأمريكي المقبل، لذلك لو إستمر بوتين بنهج العداء لأمريكا لذهبت الرئاسة للديمقراطي واستمرت الحرب على روسيا، وبما أن بوتين تعاون مع أمريكا في الملف الإيراني ومن المرجح في الملف الصيني كما تعاون في الملف السوري والذي كان عبارة عن تسلّم وتسليم للسلطة، إذ أنه من الواضح أنه قد تم إستبدال سوريا بليبيا حيث تم نقل الاسلحة الاستراتيجية الروسية من سورية إلى ليبيا، وكما هو متوقع إعطاء روسيا الأقاليم الأربع الأوكرانية مقابل التنازل عن سورية و الإنتقال إلى الضفة الأمريكية، وبذلك تكون روسيا قد ضربت إيران ضربة ثانية موجعة، فمن الممكن القول أن بوتين بتعاونه مع أمريكا إختار بطريقة غير مباشرة الرئيس الأمريكي، فلو بقي بوتين معانداً لأمريكا ومسانداً لإيران لإغراق أمريكا في المنطقة ، لذهبت الرئاسة للديمقراطي لتستمر الحرب على روسيا وفتح المزيد من الحروب عليها كمثال جبهة البلقان و القوقاز و غيرها.

ومن المثير للدهشة أن بايدن حتى أخر يوم من حكمه، زاد من الضغط الشديد على بوتين و روسيا، فقد أمر بإدراج كل من يتعاون مع النفط الروسي من موانئ و سفن و شركات على لائحة العقوبات الأمريكية، إضافة إلى تزويد زلينسكي بالصواريخ البعيدة المدى لضرب روسيا ، كل ذلك دليل قاطع أن هناك دولة عميقة تنسّق كل هذه القرارات، إذ أن هذه الضغوط على روسيا من قبل بايدن حتى آخر يوم من حكمه ليست عبثيّة، فبالرغم من أن ترامب سوف يلغي هذه القرارات بمجرد استلامه الحكم إلا أن ذلك يعطي زخماً كبيراً لترامب إذ أنه سوف يقبض ثمن إلغاء هذه القرارات من بوتين، لذلك قلنا أن هناك عقل واحد ينسق و يوزع الأدوار بين الرؤساء و ينتخب الرئيس بحسب سلوك المُستهدَف و يصنع شخصيات عديدة لرؤساء أمريكا يتم إختيار رئيس منها بحسب الظرف، وتجاوب أو عدم تجاوب المُستهدَف .

الحزب الديمقراطي يصنع الحرب لروسيا والحزب الجمهوري يهديها النصر

بحسب أكسيوس، حذّر ترامب بوتين من التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية إلا أن الحقيقة مغايرة لذلك تماماً، إذ أنه وبحسب أكسيوس أيضاً، فإن ترامب وبوتين اتّفقا منذ ثلاثة أشهر على الخطة التي ستدير الحرب، وكان الوسيط بينهما رئيس وزراء المجر وهو صديق شخصي لترامب وهو أيضا قريب من بوتين. أما الخطة المتفق عليها والتي كشفتها صحيفة Journal Wall Street فتقوم على أن تحصل روسيا على نسبة من أراضي أوكرانيا تتراوح بين 20% و 25% ، أي الأقاليم الأربعة، بالمقابل توقف روسيا حربها على أوكرانيا، و لن يتم ضم أوكرانيا لحلف الناتو لمدة عشرين سنة، حيث يستمر ترامب بإرسال الأسلحة والتدريب للجيش الأوكراني، وسوف يكون هناك منطقة عازلة من 100 ميل بين الجيشين الروسي والأوكراني، وتقوم دولة أوروبية بالإشراف على هذه المنطقة العازلة عبر تنفيذ دوريات، وإذا تم الاعتداء على هذه الدولة تكون قد تعرضت روسيا للناتو، ما يعني استنفار جميع أعضاء الناتو بناءاً للبند الخامس.

بالمقابل حاول زيلنسكي ترغيب ترامب بالمشاركة بالأربعة أقاليم والتي تبلغ قيمتها 12 تريليون دولار، كما لجأ للترهيب، فقد كشفت صحيفة تايمز البريطانية أن زيلنسكي هدد بأنه قد يذهب لتصنيع قنبلة نووية بدائية من البلوتونيوم التي تنتجه المحطات الوقودية، إلا أن أمريكا ليس هدفها من كل هذه الحروب المكاسب المادية ولو تخطَّت التريليونات، فهي تهدف إلى إدخال روسيا في القفص الأمريكي.

لذلك لكي تتمكن أمريكا من تغيير سياستها وموقفها من الحرب الأوكرانية بدون أن تفقد ثقة أصدقائها، كمكافأة لبوتين عبر إعطاءه الأقاليم الأربع بسبب تعاونه مع أميركا في الملف الإسرائيلي الإيراني والملف السوري وفي كلا الحالتين غدر بإيران، كما سنفصل لاحقاً بحسب الصحافة الإيرانية ، ما يعني أنه سيغدر بالصين لاحقاً، جيء بترامب صديق بوتين حيث جُهّزت شخصيته المعادية لأوكرانيا والقريب من بوتين منذ سنين لهذا الظرف، و بذلك تتملص أمريكا من التزاماتها مُتذرّعةً بخيار الشعب الأمريكي في إنتخابات ديمقراطية، إلا أن هناك ثغرة في قانون الإنتخابات الأمريكية تستطيع الدولة العميقة إختيار من تشاء لرئاسة أمريكا حتى لو خلافاً لإرادة الشعب الأمريكي كما سنفصله لاحقاً . بالمقابل ولتبقي أمريكا خيوط اللعبة بيدها، جعلت قرار إدخال ما تبقى من أوكرانيا إلى الناتو مع وقف التنفيذ لعشرين سنة، وتدجيج أوكرانيا بالسلاح ، ليبقى قرار ادخالها للناتو سيفا تهدد به أمريكا روسيا إذا ما خزلتها لاحقا في حربها مع الصين، و لتبقى روسيا قوية تهدد جيرانها الأوروبيين الذين يلجأون لأميركا لحمايتها من روسيا، لكي تبقى روسيا وأوروبا مطيعين لأمريكا، فقد قلنا منذ بداية حرب أوكرانيا وروسيا أنه من المستحيل أن تقبل أمريكا بهزيمة روسيا، فبالرغم من حظر نظام سويفت عن روسيا، إلا أن أمريكا ابقت على أكبر بنك في روسيا متصلاً بنظام سويفت، أي أنها تريد أن تضغط بدون أن تُدمّر، لأن أول المستفيدين من إنهيار روسيا هي جارتها الطامعة بثروات سيبيريا وبالعقول الروسية الا وهي الصين، أضف إلى أن أوروبا إذا ما إنهارت روسيا سوف تَتحرّر من تبعيّتها لأمريكا.

كما تسعى أمريكا لإشعال حرب الصين وتايوان وتدجيج تايوان بالسلاح لتصبح حرب استنزاف للصين مع فتح جبهات مع جيرانها وعلى رأسهم اليابان من ثم تهرع أمريكا في الوقت المناسب لإنقاذ الصين ،مع رئيس تُجَهّز شخصيّتُه لتنفيذ هكذا سيناريو و التذرّع بخيار الشعب الأمريكي ، حين تبدأ الصين بالإنهيار، لقبض ثمن تجميد الصراع دون حلّه، مثلاً إبقاء جزء من تايوان تحت حكم الصين وإبقاء القسم الأخر تحت الحماية الأميركية مدججاً بالسلاح ليكون سيفاً تهدد به أمريكا الصين في حال تمرّدت على أمريكا، فأمريكا لا تريد الصين ضعيفة إذ أنها مصنع العالم بأسعار زهيدة، كما أن الصين القوية التي تهدد جيرانها تدفع شرق اسيا وعلى رأسهم اليابان والتي لديها اطماع توسّعية تاريخياً للالتجاء لأمريكا لحمايتها من التنين الصيني، وبذلك تصبح الصين وجيرانها أسرى أمريكا.

‏أمريكا تحلّق بعيدا بمخططاتها

لا شك أن الرئيس الأميركي ينفّذ القسم من الخطة الامريكية بحذافيرها، إلا ان ما هو أعمق من ذلك هو أن شخصية الرئيس الأمريكي تصنعها الدولة العميقة وتروج لها إعلاميا لاستخدامها في مرحلة معينة تناسب الخطة و تساهم في إنجاحها، تلك الخطة التي تُرتّب على أمريكا تغيير مواقفها 180 درجة بحسب سلوك المُستهدَفين كما شرحنا سابقاً ، ولكي لا تخسر أمريكا ثقة اصدقائها وولاءاتهم ولكي لا تخسر هيبتها أمام أعدائها إزاء هذه التقلبات، لا بد من توزيع الأدوار بين رؤساء جرى تحضير شخصيتهم والترويج لهم إعلامياً، و جعلها تفوز بالانتخابات لتتذرع أمريكا بإرادة الشعب الأمريكي حين تريد أن تبدل في سياستها .

لا شك أن أعداء امريكا الثلاث روسيا ،الصين وإيران إذا ما اجتمعوا سوف يشكلون تهديدا حقيقيّا لأمريكا، من الجناح العسكري الروسي والجناح الاقتصادي – العسكري والديمغرافي الصيني والجناح الجيوبوليتكي الإيراني، ما دفع بالمفكر الأمريكي روبرت كابلن للقول أن التحالف الصيني الإيراني لا يُهزَم،‎‏ كما فصلنا في كتاب “أكثر ما يرعب أمريكا ليست الصين و لا روسيا” أهمية إيران الجيوبوليتيكية بالنسبة لطريق الحرير وقدرتها على تزويد الصين بالغاز والنفط برياً عبر باكستان وأفغانستان بعيداً عن الاساطيل الأمريكية إذا ما لجأت أمريكا لسياسة تجفيف منابع النفط للصين وغلق مضيق ملقا الذي يعتبر القصبة الهوائية للصين، أضف إلى أن روسيا أيضاً قادرة على فك حصار الطاقة عن الصين برياً، إضافة إلى أهمية محور طهران موسكو بحسب مستشار بوتين ألكسندر دوغين .

لذلك لابد من عزل الأعداء كل على انفراد، وفتح باب جهنم على كل واحد منهم في مرحلة معينة، من ثم التفاوض معه لتجميد المشاكل وليس حلها لإدخاله إلى الحظيرة الأمريكية وتحريض اصدقائه عليه والضغط والترغيب لعدم مساندته لخلق شرخ بينهم ، مقابل مكاسب قادرة أمريكا على توزيعها، مثلاً تجميد الصراع و إعطاء الأقاليم الأربع الأوكرانية لروسيا مقابل الغدر بإيران ، أو غض النظر آنيّاً عن ضم تايوان للصين مقابل عدم مساندة إيران في حربها ، إو حشر الصين لمنعها من مساعدة روسيا فعلياً في حربها مع أوكرانيا عبر تهديدها بخسارة السوق الأوروبي والأمريكي إذا ما ساندت الصين روسيا ، أو غض النظر عن النووي الإيراني و إعادة سورية لإيران! مقابل مستقبلاً الإشتراك في تجفيف منابع النفط عن الصين وخاصةً برياً… ولكي تقوم أمريكا بهذا السيناريو بدون أن تخسر ولاءات اصدقائها تقوم بالتالي:

‎لكل عدو، تختار اميركا رئيسا يكون هدفه فتح باب جهنم على العدو المستهدف، فمثلا الحزب الديمقراطي في ولاية بايدن فتح باب جهنم على روسيا، فإذا ما اقتنعت روسيا بالتعاون مع أميركا، يُؤتَى برئيس صنعته الدولة العميقة منذ زمن وصقلت شخصيته ورَوّجَت لها إعلاميا بانه قريب من روسيا ولا يحب الحروب لتأتي به رئيسا لأمريكا، أما إذا ما استمرت روسيا في العناد، يُأتَي برئيس ديمقراطي ليُبقي الحرب على روسيا و ليفتح جبهات جديدة ، القوقاز و البلقان… وبذلك تَتَملّص اميركا من التزاماتها تجاه الدول التي دَمّرت دُولها كرمى لعيونها تحت ذريعة خيار الشعب الأمريكي ، ‎‏وبما ان بوتين وخياراته قد صبت في مصلحة أمريكا من مساعدة إسرائيل على ضرب البرنامج البالستي الإيراني والغدر بإيران بالرغم من أنه حاول إعادة الثقة بتوقيع إتفاق إستراتيجي شامل بين إيران وروسيا، إلا أنه سوف يبقى حبراً على ورق … إلى التخلي عن سوريا وضرب إيران ضربة ثانية موجعة مقابل زيادة نفوذها في ليبيا والأقاليم الأربع في أوكرانيا، إزاء كل هذا التعاون الروسي الأمريكي، تم إختيار رئيس تتلاءم شخصيته مع المرحلة دون أن تهتزّ صورة أمريكا في العالم.

من الواضح أنه تم نقل روسيا إلى الضفّة الأمريكية وقد جيء بترامب لتقديم الهدايا لروسيا والإجهاز على إيران، إذاً عنوان المرحلة هي الإجهاز على إيران بالتعاون مع اصدقائها، حتى لو دفعه ذلك إلى غضّ النظر عن إحتلال الصين تايوان، إذ أن تصريحات ترامب سابقاً تؤكد أنه غير مهتم بالدفاع عن تايوان، فقد قال أن المسافة بين تايوان و أمريكا كبيرة جداً مقارنة مع المسافة بين الصين وتايوان، فما شأن أمريكا للدفاع عن تايوان، وهذا ما يزيح عن أمريكا عبء الدفاع عن تايوان ، ما سيشكّل دافعاً للصين للدخول إلى تايوان بحلول 2026 أو 2027 وبذلك تكون قد دخلت الفخ الأمريكي، إذ أن الرئيس المقبل الذي يلي ترامب سوف يكون عنوان حكمه الحرب على الصين من بعد ما ضمّت روسيا وإيران إلى ضفتها للاستفراد بالعدو الأكبر الصين …

سوف يُفتَح باب جهنم على الصين بعد أن تم تدجين روسيا وايران وتم ضرب العلاقات بينهما كما حصل بين روسيا وإيران وسوف يحصل بين الصين وإيران وحدث بين الصين وروسيا في حربها مع أوكرانيا، إذ تم حشر الصين للإختيار بين دعم روسيا أو خسارة السوق الأوروبي و الأمريكي … للاستفراد بالصين عبر تدجيج تايوان بالسلاح و فتح الجبهات مع جيرانها من اليابان إلى فيتنام، ليؤتى بعدها برئيس يهرع لإنقاذ الصين مع تجميد للصراع لئلا تتفلّت لاحقاً الصين، مثلاً إحتلال جزء من تايوان والإبقاء على الجزء الأخر مدجّجاً بالسلاح تحت الحماية الأمريكية ، مقابل الدخول إلى الحظيرة الأمريكية، و هذا الرئيس يتم التحضير له و لشخصيته التي تتناسب مع هذا الدور و يتم الترويج لها إعلامية لتنفيذ هذه السيناريوهات …

ضرب الثقة بين روسيا وإيران

نجحت أمريكا نجاحاً باهراً في ضرب الثقة بين إيران وموسكو بالرغم من توقيع تعاون وشراكة إستراتيجية بين موسكو وطهران، إلا أن الإتفاق ينص أن هناك تعاون وشراكة إستراتيجية بين إيران وروسيا وإن إيران وروسيا لن تساعد أو تدعم أي دولة تعتدي على إحدى الدولتين!! فهو لم يشر إلى دفاع إحدى الدولتين عن الأخرى في حال تعرّضت لهجوم، ما يشير إلى أن الإتفاق هو ضجيج إعلامي لا غير ربما تستخدمه روسيا لكسب المزيد من الهدايا من أميركا …

وإذا ما استطلعنا عن ما يقال في المحاضرات الجامعية والندوات السياسية في مراكز الفكر والتحليلات المنشورة في الصحف المحافظة التابعة للسلطة في إيران، فأنه ينظر بريبة لهذا الإتفاق، ويرى الكثير من المفكرين أن روسيا هي عنوان الخيانة ، فروسيا هي دولة معادية لإيران تاريخياً، ووقفت ضد الشعب الإيراني في الثورة الدستورية في 1905 ،وحرمت إيران بالقوة من أراضي كثيرة جداً : تركمنستان، داغستان، أفغانستان ، أذربيجان ، أرمينيا ، جورجيا، كلها كانت أراض ايرانية لغاية 1828 ،لما وقعت مع روسيا معاهدتين الأولى 1813 والمعاهدات الثانية معاهدة تركمان في 1828 ، حيث تنازلت إيران عن ربع مليون كم 2 بعد هزيمة عسكرية . وأخيراً إتفاقية بحر قزوين، كما دعم الروس صدام حسين ضد إيران، لذلك يقولون في إيران أن بوتين هو الوريث الشرعي لروسيا القيصرية والسوفيتية ويسير على النهج ذاته مع إيران إلى حد الآن.

فقد كانت إسرائيل تضرب إيران في سورية أسبوعياً ولم تقم روسيا بحمايتها. كما دعم بوتين ممر ذنجبير الذي يهدد مصالح إيران الإستراتيجية، كما وقف مع اردوغان في أذربيجان ضد إيران وبالتالي هو خائن، بحسب الصحف المحافظة الإيرانية. كما نشر موقع خبر أونلاين وهو موقع تابع لعلي لاريجاني المستشار الأعلى للمرشد، مقالة تقول ان إيران يجب أن تتوقع من روسيا الخيانة في أي وقت…

أما بالنسبة للشرخ بين إيران والصين، فهناك الآف المقالات والعديد من الدراسات العلمية منشورة في جامعات رسمية تشدد على ضرورة ألا تسمح إيران لنفسها بان تكون مجرد محطة في محور استراتيجي تقوده الصين، فموقعها الجيوبوليتيكي يجعلها من أهم نقاط طريق الحرير، فكيف لايران ان تسمح لنفسها بأن تكون دولة عادية في المحور الأوراسي الذي يضم الصين وروسيا.

ففي لحظة الحقيقة وجدت إيران نفسها وحيدة أمام اسرائيل التي دافع عنها دول الناتو، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا علنا ورسميا. بالمقابل عندما قامت اسرائيل بالعملية ضد إيران، فإن المحور الأوراسي لم يكلف نفسه حتى ببيان إدانة لا من الصين ولا من روسيا بالرغم من أن إيران هي عضو رئيسي في هذا المحور، وقد فوجئ الإيرانيين وصدموا من مواقف روسيا والصين.

إيران تضاهي أمريكا دهاءً وذكاءً وحنكة

تتشابه إيران وامريكا باعتمادهما بشكل كبير على مراكز الفكر إذ أن أكثرية الرؤساء في إيران هم أصحاب مراكز فكر، كذلك في أمريكا فإن سياستها تضعها مراكز الفكر، لذلك حينما استشعرت إيران بأن مرحلة ترمب هي إهداء الصين وروسيا الهدايا مقابل إخضاع إيران، قامت من تلقاء نفسها بالخضوع للأمريكي ريثما تنتهي فترة ترامب لتعود بعدها إلى سياستها التوسعية، ما يعتبر خطوة ذكية من إيران تحاول الالتفاف بها على أمريكا.

إذ أن أكثرية المسؤولين الإيرانيين يؤيدون التفاوض المباشر، وليس الغير مباشر كما حصل سابقاً، مع أمريكا وعلى رأسهم فريق الرئيس بزشكيان الذي وعد في البرنامج الانتخابي له بضرورة الانفتاح على العالم وطبعا منهم الشرق والغرب. و نائب الرئيس الأول محمد رضا عارف وهو من أكبر كبار الإصلاحيين، و نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق و مهندس الاتفاق النووي في 2015 ،فهو ينادي صباحاً مساء بأن الحل الوحيد لحل كل المشاكل الإيرانية وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية التي تؤرق الناس هو التفاوض مع أمريكا، وأيضاً وزير الخارجية عباس عراقجي وهو كبير المفاوضين في الاتفاق الأول، أما الذي يرفض التفاوض أو يتحفظ عليه بشكل أو بأخر ويضع شروط صعبة جدا، فهو الحرس الثوري و جماعة تجار العقوبات اللذين برزوا في إيران في أواخر 20 أو 30 سنة، وقد جنوا ثروات كبيرة من هذه العقوبات و السوق السوداء للنفط، فكان تجار العقوبات من المسؤولين يشترون النفط الإيراني بأبخس الأثمان من ثم يتم تهريبه إلى العراق على ظهر البغال لبيعه هناك، وكما في إيران كذلك في أمريكا فهناك طبقة من السياسيين المتقاعدين قد استفادوا جداً من هذه العقوبات، إذ أنهم كانوا يشترون النفط الإيراني حيث يتم إستبداله في عرض البحر ليباع في أمريكا، وقد كشفت صحيفة نيو يورك تايمز مستندات رسمية تشير إلى دخول سفينة نفط إيرانية إلى أمريكا في عز الحظر الأمريكي على النفطي الإيراني !!! ومن المثير للدهشة أنها تبرر دعوتها للمواجهة مع أمريكا بالقول ان امريكا دولة ظالمة وهي تمول وتعطي إسرائيل السلاح وتقتل الاطفال، أي انها تتلطى تحت شعارات إنسانية لتغطي السوق السوداء النفطي التي تستفيد منه.

لذلك سوف ترضخ إيران لأمريكا مؤقتاً لحين إنتهاء ولاية ترامب، وأبرز ما يتداول به في إيران عن التفاوض والرضوخ لأمريكا خلال حكم ترامب وتجنيب إيران كأس العقوبات وربما الضربات العسكرية هو:

تجميد البرنامج النووي وعدم تصدير المسيرات والأسلحة لكوبا وفينزويلا وروسيا، أما البرنامج البالستي فقد تضرر بشكل كبير جراء الضربة الإسرائيلية، إذ أن المسؤولين الإيرانيين يرون أنهم باتوا يمتلكون الأسرار التقنية لتصنيع القنبلة النووية كما هو الحال مع اليابان وألمانيا فهم قادرون على تصنيع قنبلة نووية في أقل من أسبوعين إذ أنهم يمتلكٌون الأسرار التقنية لكن لا يمتلكون القنبلة النووية. إلا أنه بعد فترة ترامب وحين تبدأ الحرب على الصين فمن المؤكد أن تستغل إيران هذه المرحلة لإعادة بناء امبراطوريتها، إذ أن الرئيس المقبل سوف يكون عنوان حكمه، الحرب بالوكالة على الصين، ومن أبرز مهامه منع التحالف الإيراني الصيني، فهل تلجأ أمريكا لسياسات الخطف وطلب الفدية مع إيران، إذ أنها خطفت منها سورية، فهل تعيدها مقابل تعاون إيراني أو عدم دعم إيراني للصين خاصةً تزويدها بالطاقة برياً مقابل إعادة ما خطف منها؟

ألم تساعد أمريكا مصر السادات على إعادة سيناء لمصر في حرب 1973 كما فصلنا في كتاب “أكثر ما يرعب أمريكا ليست الصين ولا روسيا” معتمدين على ثلاثة مراجع ابرزها روبرت دريفيس في كتابه ” لعبة الشيطان” ومذكرات الفريق الشاذلي وشهادة طيار روسي على قنات RT . إلا أن السادات تميز بذكاء حاد، أما إيران فطمعها يكاد يلامس الغباء، أما أبرز الأوراق التي تمتلكها إيران بوجه أمريكا فهما اثنتان لا غير:

أولهما تشكيل ضغط على إسرائيل من خلال حزب الله، حماس، والحوثي وبالتالي إغراق أمريكا في المنطقة، ما يشكل عبء عليها يمنعها من التفرغ للصين، فقد قلنا في كتاب “أمريكا وروسيا القطب الواحد، إبداع في صناعة الأعداء والأصدقاء” أن أمريكا من بعد اكتشاف تقنيات استخراج النفط الصخري وتربعها عل عرش إنتاج النفط في العالم ، وهي تبحث سبيل للانسحاب من الشرق الأوسط ، وقد قامت بتسليمه لروسيا على نار حامية ، لعدة أسباب ابرزها: أن روسيا تقف على مسافة واحدة من إيران وإسرائيل لا بل تميل لإسرائيل وبالتالي تضمن مصالح إسرائيل وقد سلمتها سورية لذلك ،و قد عرضنا وثيقة تثبت طلب أوباما من المخابرات الأمريكية دعم المخابرات الروسية في سوريا … ، وإغراق روسيا بمشاكل الشرق الأوسط مع إمكانية تفجير داعش وغيره بوجهها في حال تمردت على أمريكا، وثالثاً لتقف في وجه الصين إذ ما ارادت الصين الدخول إلى الشرق الأوسط أو لزرع الشقاق بين الصين وروسيا في تقسيم إرث أمريكا في المنطقة. ما معناه أن تسليم المنطقة لروسيا على نار حامية كان خطوة عبقرية قامت بها أمريكا على كل الصعد.

إلا أن روسيا وفي سبيل التخفيف عن حربها مع أوكرانيا قامت بضخ كمية أسلحة وتقنيات لإيران والتخطيط لطوفان الأقصى الذي كان حاجة ماسة لإيران لوقف التطبيع السعودي الإسرائيل بالرغم من نفي إيران ذلك والقول بأنها تفاجأت بالطوفان واحرجت، فقد هددت إيران السعودية قبيل التطبيع بأنها سوف تجعلها تدفع ثمنا كبيراً لذلك، وقد كشف الصحافي الاستقصائي الأمريكي الشهير Woodward، Bob في كتابه الجديد “WAR” أن الأمير محمد بن سلمان قال لبلينكن، أنا أريد دولة فلسطينية في مقابل التطبيع مع إسرائيل. فرد عليه بلينكن: يا سمو الأمير! الإسرائيليون يعتقدون أنك غير جاد في المطالبة بدولة فلسطينية، وأن ما تقوله مجرد كلام، فقل الحقيقة، هل فعلا أنت تريد دولة فلسطينية كشرط للتطبيع مع الإسرائيليين؟ فقال له التالي: أريد ليس مهما، وهو يضع يده على قلبه، يعني فكرة أريد دولة فلسطينية، هذه مسألة ليست مهمة، إلا انني أحتاجها، نعم لسببين: أولا أن 70 في المئة من شعبي أصغر مني، وهؤلاء لم يكونوا يهتمون بالقضية الفلسطينية ولا بالصراع الإسرائيلي العربي أو الفلسطيني، لكنهم بعد 7 أكتوبر بات هذا أكثر ما يشغلهم. السبب الثاني هو أن دول أخرى في العالم العربي والعالم الإسلامي تهتم بشدة بالقضية الفلسطينية، وأنا لن أخون شعبي… إلا أن ترمب ممكن أن يذهب بعيداً إذ أنه يهدد بضم الضفة إلى إسرائيل في حال رفضت السعودية التطبيع !!!

كما أن طوفان الأقصى كان حاجة صينية لإغراق أمريكا في المنطقة لئلا تتفرغ لها وتمنعها من إحتلال تايوان وتدجيجها بالسلاح، كما أنه كان حاجة ماسة لحماس لإيقاف الغطرسة الإسرائيلية اليومية وقضم الأراضي والحقوق الفلسطينية.

الا أن إيران تخطت الخطوط الحمر حين تآمرت مع الصين وروسيا على هندسة طوفان الأقصى، واستمرت جاهدةً لإغراق أمريكا في المنطقة وابتزازها. ولم تتصرف بذكاء وقناعة الرئيس السادات حين إكتفى بسيناء وذهب إلى التطبيع، فأطماع إيران كثيرة هي ولسوف نفصلها لاحقاً … إلا أن الميدان أثبت أن أمريكا تفوقت بشكل كبير على روسيا والصين وإيران استخباراتياً وتكتيكياً وتقنياً و عسكرياً، فهي خططت لهذه المعركة منذ زمن ، فهي تدرك أن من يريد اغراقها في المنطقة عن طريق مسكها باليد التي تؤلمها أي إسرائيل، إذ أن من أبرز الأسلحة التي تلجأ إليها أمريكا هو الخنق الاقتصادي للبلد مع تشجيع الطبقات الفاسدة فيه، إذ أنه إذ ما إجتمع الخنق مع الفساد سوف يكون هناك هوة ساحقة بين المجتمع والسلطة، وبذلك تتم شراء الذمم بأبخس الأثمان ويتم خيانة السلطة انتقاما من الطبقة الفاسدة المسيطرة، فما عجزت عنه إسرائيل في 2006 قد حصلت عليه بسهولة الأن بعد اعوام من الخنق والفساد دفعت بيئة الحزب والحزب وإيران وسورية إلى التخلي عن معتقداتهم ، ونجحت أمريكا بقسم ظهر محور المقاومة، وسحبت مؤقتاً هذه الورقة من إيران، إلا ن إيران لن تتعب من إعادة إحياء محور المقاومة، فسياستها الخارجية قائمة على أيديولوجيتين، الأولى محور المقاومة والثانية ايديولوجية أم القرى. وقد سوق لنظرية أم القرى الفيلسوف والباحث الإيراني محمد جواد لاريجاني، وهو أخ علي لاريجاني، المستشار الأعلى للمرشد، وكان رئيس مجلس النواب الإيراني، ملخص هذه النظرية أن أم القرى هي الكعبة ويجب أن تكون لإيران بما أنها المدافع الأول عن مصالح العالم الإسلامي. كما أن هناك مؤتمرات في إيران وخطط خمسينية للسيطرة على الخليج. حتى أن البعض يذهب للقول إلى أن الهدف العميق لإيران هو أم القرى وتستغل محور المقاومة لذلك، كما أن حرب إيران على إسرائيل ليس هدفها إزالة إسرائيل انما وسيلة للضغط على أمريكا لتسليمها المنطقة وعلى رأسها الخليج …فإصرار إيران على حل الدولة الواحدة حيث يتساوى فيها اليهودي والفلسطيني وليس حل الدولتين دليل على أن من يطلب المستحيل ليس هدفه حل للمشكلات انما بقاؤها للاستفادة منها…

هذا الطمع الإيراني دفع اميركا إلى خطف سورية من إيران وبالتالي عزل حزب الله، أما الحوثي فبحسب Reuters تستمر في دعمه عن طريق عمان، فل تكون سياسة أمريكا مع إيران الخطف من ثم طلب الفدية مقابل عزل الصين مستقبلا مع الرئيس القادم بعد ترامب، إذ أن إيران تمتلك ورقة ثانية لابتزاز أمريكا وهي قدرتها على تزويد الصين بالنفط والغاز برياً عن طريق باكستان وأفغانستان، بعيداً عن اساطيل أمريكا إذا ما لجأت أمريكا لسياسات تجفيف منابع النفط وغلق مضيق ملقا الذي يعتبر القصبة الهوائية للصين.

صحيح أن إيران سوف ترضخ لأمريكا إلا أن إيران لن تستكين قبل إنعاش محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله فهي تعمل على إستبدال تهريب السلاح برياً عبر سورية بضخ كمية كبيرة من الأموال المهربة جواً لشراء السلاح، كما أنها بدأت بدعم الاكراد في سوريا وقد كشف الأتراك عن صفقة ما بين إيران وما بين قوات سوريا الديمقراطية. فقد ذهب فد من قوات سوريا الديمقراطية للعراق وقابل وفد من إيران وتم الإتفاق على صفقة لتوريد ١٥٠٠ طائرة شاهد الإيرانية الانتحارية إلى قوات سوريا الديمقراطية وتزويدهم بمنظومة الدفاع الجوي التي زودت إيران بها الحوثيين ونجحوا من خلالها بإسقاط ال إم كيو 9 الأمريكية بطريقة فعالة.

وبذلك تفتح نافذة وورقة تتفاوض بها مع الأتراك ومن خلالها مع الشرع، إذ أن قوات سوريا الديمقراطية والعراقيين والإيرانيين قد يتغلبوا على الرصد التركي من خلال تفكيك الطائرات المسيرة الإيرانية وادخالها سورية من ثم تجميعها وقد يتم استخدامها لضرب تركية ما يسبب مشاكل جمة لأردوغان يدفعه للتفاوض مع إيران أضف إلى قرب إيران من الأخوان المسلمين.

إيران أم الإسلام السياسي

لا شك أن إيران هي أم الإسلام السياسي، لذلك إنتقال سورية إلى حالة تموضع ما بين الإسلام السياسي والسلفية العلمية والسلفية الحركية، قادمة من خلفية سلفية جهادية لا يعني إنتهاء دور إيران على المدى الطويل في سوريا ، ففي حين أن تركية كان لها اليد الطولى في إنهيار النظام السوري إلا أن صحيفة “The Economist” اشارت إلى إنزعاج تركي كبير من تصريحات من عناصر و أعضاء في هيئة تحرير الشام بأن تركية عرضت تحويل أموال دعم الجيش السوري الحر إلى وزارة الدفاع السورية و تدريب و تسليح الجيش السوري إلا أنهم يفضلون عرضاً أكثر إغراءً من دولة شرق أوسطية ، على الأرجح السعودية. فإلى جانب محاولتها فتح نافذة تفاوض مع تركية في الملف السوري عبر ابتزازها عن طريق دعم قسد، فإن لإيران باع طويل مع الإخوان المسلمين، فقد زار إيران زعيم الإخوان في 2012 وأثنى على إيران قائلاً انها النموذج للدولة الإسلامية ، كما نذكر محاولة نقل النموذج الإيراني لمصر أيام الرئيس مرسي، كما أن جميع كتب سيد قطب وحسن البنا تُرجمت وتدرّس في قمّ ، كما أن أفكار الخميني عن الحكومة الإسلامية لإقامة الدولة مكتوبة فى الدستور و هي مستمدة من كتبه ، ” الحكومة الإسلامية”، و “تحرير الوسيلة “، والتي استمدها من نظريات علماء مصريين مثلا ، الشيخ رشيد رضا، و الإمام محمد عبدو الذين ألهموا حسن البنا مؤسس الإخوان ،كما أن حسن البنا قال أنه لا فرق بين ألسنة والشيعة فكلاهما ينطقان بالشهادتين.

لماذا لا تغير أمريكا النظام الإيراني

لا شك أن أمريكا قادرة على تغيير أي نظام في العالم، إلا أن أمريكا تستفيد من أعدائها بقدر ما تستفيد من أصدقائها وتحافظ على كليهما. فقد ذكرنا في كتاب “أمريكا وروسيا القطب الواحد، إبداع في صناعة الأعداء والأصدقاء” أن هناك تنسيق أميركي روسي على دعم القطب الشيعي من قبل روسيا والقطب السني من قبل أمريكا، بدون أن تكون الغلبة لأحد، لابتزاز السني من قبل أمريكا والشيعي من قبل روسيا وكانت أبرز نتائجه اتفاقية بحر قزوين حيث تنازلت إيران عن معظم ثرواتها لروسيا في بحر قزوين كما تنازل الخليج لأمريكا عن الكثير خوفاً من إيران التي تدعمها روسيا …

إلا أن إكتشاف تقنيات النفط الصخري وسحب سوق النفط وتحديد أسعار النفط من أوبك وبروز كمية نفط كبيرة في غيانا قرب فنزويلا، وازدهار النفط الصخري الأمريكي ممكن أن يدفع أمريكا إلى التخلي عن هذه الاستراتيجية لعدم حاجة امريكا للخليج من بعد ذلك، لكن يجب عليها فقط تأمين أمن إسرائيل عبر التطبيع السعودي الإسرائيلي والذي أصبح حاجة ملحة لأمريكا لكي تتمكن من الانسحاب من المنطقة، مع الإبقاء على الأسطول الخامس القادر على قطع إمدادات النفط للصين من الشرق الأوسط، لذلك سوف يضع ترامب التطبيع السعودي الإسرائيلي على سلم اولوياته، لكن ما هو مجهول كيف ستعطل إيران هذا التطبيع، بعد أن هندسة طوفان الأقصى في المرحلة الأولى لضرب التطبيع؟

فلدى أمريكا خيارين، تغير النظام الإيراني أو تستمر أمريكا بسياسة الضغط على إيران دون تغيير النظام الإيراني، إذ أنها تمتلك أوراق كثيرة بوجهها إضافة إلى الحصار الاقتصادي والعقوبات الأمريكية على إيران هناك الخنق الاقتصادي على لبنان لتأليب بيئة الحزب عليه وبالتالي الضغط على الحزب الذي يعتبر درة التاج الإيراني، وثانياً و هو الأخطر طالبان، فقد قلنا سابقاً أن أمريكا فعلتها و سلحت طالبان بأحدث الأسلحة الأميركية و أصبحت طالبان من أبرز من ينفذ السياسات الأمريكية.

فقد بدأت طالبان في بناء سد على نهر هلمند، وأبدت ايران امتعاضا شديداً من هذا القرار، لدرجة ان بعض المسؤولين الايرانيين قالوا في وسائل الاعلام اننا سوف نبدأ في شراء الماء من طالبان من افغانستان ونحن ايران التي كانت تحكم أفغانستان في أغلب العصور التاريخية.

هل فعلا الشعب الأمريكي هو من ينتخب رئيس أمريكا؟

تنقسم أمريكا إلى خمسين ولاية، كل ولاية تختار ممثليها في المجمع الانتخابي حيث هناك خمسمية وثمانية وثلاثين ناخب، فكل حزب يختار مجموعة من الناخبين، الذين في حال فوزهم ينضموا للمجمع الانتخابي لينتخبوا بعدها الرئيس. إلا أنه من الممكن أن يخون ممثلي الأحزاب في المجمع الانتخابي حزبهم وينتخبوا رئيس مغاير لاختيارات الحزب تحت تأثير إغراءات مالية ضخمة حتى لو وصلت لمليارات الدولارات تبقى زهيدة مقابل اختيار رئيس أمريكا!! فمثلاً يمكن أن يختار التصويت الشعبي ترامب ولا يفوز بالرئاسة، إذ أنه لحظة التصويت يخون بعض ممثلي الحزب الجمهوري حزبهم.

وهذا ما حدث فعلاً في الإنتخابات التي فاز فيها ترامب على هيلاري كلينتون، إذ أن هيلاري فازت بأكثرية الممثلين في المجمع الإنتخابي، أي فازت بأكثرية التصويت الشعبي، إلا أن المجمع عاد وإنتخب ترامب، إذ أن ناخبيها صوتوا لترامب !!! كذلك جورج بوش الإبن خسر بالتصويت الشعبي سنة 2000 لكن ربح الرئاسة بسبب خيانة المجمع الانتخابي لمنافسه.

وهو ما يعتبر نظام معيب جدا يتم من خلاله انتخاب رئيس أمريكا، فلماذا هذه الفذلكات؟ إذ أنه يمكن احتساب الأصوات لكل ولاية وإعلان النتيجة فوراً، لماذا يجتمع المجمع الانتخابي لينتخب الرئيس! لا يمكن تفسير ذلك سوى أن هذه الثغرات مقصودة، إذ من خلالها تدخل الدولة العميقة لتغير نتيجة الانتخابات إذا ما إختار الشعب عكس ما ينجح الخطة العميقة، كاختيار الشعب لرئيس لا تتناسب شخصيته وتوجهاته مع الخطة كما شرحنا سابقاً …

لا شك أن الدولة العميقة تحاول إقناع الشعب الأمريكي بهذا المرشح أو ذاك عن طريق فتح ملفات قضائية لهذا وغلقها لذاك بمساعدة الإعلام وتسليط الضوء على الملف الأسود لهذا والملف الأبيض لذاك، لكن إذا لم تنجح الدولة العميقة بإقناع الشعب لا بد من أن تلجأ إلى المجمع الإنتخابي والضغط لإنتخاب رئيس خارج إرادة الشعب …

إلا أنه إذا ما فكرنا ملياً نجد أن هذه الطريقة هي الأمثل، إذ أنه كيف لمن تستطيع إقناعه أو تشتريه بأبخس الأثمان أن تتركه عرضة لمن تسوله نفسه شراء الزمم لضرب مصلحة الوطن، ومن أعلم بمصلحة الوطن أكثر من هذه العقول العبقرية التي تستقي معلوماتها من أجهزة المخابرات لتجد لك خطة تبقي الوطن سيداً مزدهراً.

إذ أنه بإسم الديمقراطية تستبيح عقول المواطنين لمخططات أجنبية وأوهام لا تستطيع عقول العامة أدراك خطورتها على المدى البعيد، لذلك هناك مسؤولية كبيرة على رجال الأعمال والمفكرين لإقناع الشعب بضرورة انتخاب الرئيس الصحيح والسير بما يؤمن مصالح البلد على المدى البعيد وقطع الطريق أمام إغراءات العدو الذي يتربص شراً بالبلد مع منافع آنية تغري البسطاء، لذلك يجتمع في أمريكا اصحاب الفكر و الشركات الكبرى لصياغة الخطة واختيار خير من ينفذها وتتناسب وشخصيته ومعتقداته التي رسخها في عقول العالم الإعلام الأمريكي لتستطيع أمريكا تغيير سياساتها دون أن تفقد ثقة العالم بها إذ أنها تتذرع بالديمقراطية وخيار الشعب الأمريكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى