المقالات
روسيا وانتخابات الدوما : العودة للماضي التليد – بقلم علي بدوان

انتصار حزب بوتين .. ولكن
فبالرغم من تراجع حضور (حزب روسيا الموحدة) بقيادة فلاديمير بوتين وفق النتائج الأخيرة المعلنة قياساً بالانتخابات البرلمانية الماضية، إلا أن حصول الحزب المذكور على نسبة (49,3%) من الأصوات، وهو ما يمنحه (238) مقعداً في مجلس الدوما (البرلمان الروسي) يعني فيما يعنيه بأن التيار السياسي الرئيسي في البلاد قد فاز في الانتخابات ومعه برنامجه المعلن في (مواجهة ومكاسرة) الإرادة الأميركية التي تسعى (للي عنق) القيادة الروسية وتطويعها على مستوى الأزمات الدولية الراهنة ومنها ملف الأزمة الوطنية الداخلية في سورية العربية.فانتصار حزب فلاديمير بوتين (حزب روسيا الموحدة) في الانتخابات تم إسناده أيضاً بحصول الحزب الشيوعي الروسي على الكتلة الثانية في مجلس الدوما بواقع (92) مقعداً، وهو حزب يقف في صف التحالف مع حزب روسيا الموحدة بالنسبة للسياسات الخارجية ويفترق عنه بالنسبة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.
فيما حصل الحزب الديمقراطي الليبرالي على (56) مقعداً، وحزب روسيا العادلة على (64) مقعداً، علماً أن عدد مقاعد مجلس الدوما يبلغ (450) مقعداً، ينتخب أعضاؤه لمدة خمس سنوات. والأحزاب التي تحصل على سبعة في المائة على الأقل تضمن مقاعد على أساس نسبة الأصوات، الأحزاب التي تحقق نتيجة بين ستة وسبعة في المائة تحصل على مقعدين، ومقعد واحد لأولئك الذين يحصلون على ما بين خمسة وستة في المائة. وبحسب المعطيات الرسمية الروسية فان عدد الناخبين المسجلة أسماؤهم بلغ حوالي (109) ملايين شخص.
إن نتائج انتخابات الدوما الروسي، تعني بالضبط بأن الشارع الروسي قد عبر عن قناعاته السياسية والاجتماعية ومشروعه للإصلاح الاقتصادي عبر النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع التي باتت تؤشر على حقيقة حضور وقوة الأحزاب في الشارع الروسي.
ووفق تحليلات نتائج الانتخابات فإن الشعب الروسي وان انتخب قائمة حزب روسيا الموحدة بنسبة جيدة، إلا أنه قام بمعاقبتها أيضاً من خلال التراجع المحدود في عدد مقاعدها بالنسبة للانتخابات الماضية، حيث ذهبت تلك المقاعد للحزب الشيوعي الروسي، احتجاجاً على فشل النظام الرأسمالي الذي تبناه حزب روسيا الموحدة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها أكثرية الشعب الروسي، فانتقل جزء كبير ومؤثر من جمهور حزب بوتين وميدفيديف إلى صف جمهور الحزب الشيوعي الروسي. فحزب بوتين لم يأت بأي حل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب الروسي، بل العكس، فقد زاد النظام الرأسمالي من الأزمة والهوّة بين الأغنياء والفقراء من وجهة نظر بعض قطاعات الناس الذين فضلوا هذه المرة اعطاء صوتهم للحزب الشيوعي الروسي.
وعليه، فقد هبت عواصف النقد الغربي لنتائج الانتخابات البرلمانية الروسية، وفي الطعن بمصداقيتها ونزاهتها، حيث تشهد العلاقات بين روسيا والدول الغربية المعقدة أصلا بسبب ملفات دولية كبرى, مزيداً من التوتر بعد الانتقادات الأوروبية والأميركية للانتخابات التشريعية الروسية والحديث الغربي عن قيام موسكو بقمع تظاهرات المعارضة. فقد كتب السيناتور الأميركي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية الأميركية (جون ماكين) في صفحته على موقع التدوين (تويتر) متوقعاً وصول ما اسماه رياح «الربيع العربي» إلى روسيا مشيراً لحصول تزوير في الانتخابات الأخيرة لمجلس الدوما الروسي، مما دفع بغريزلوف وهو أحد قياديي حزب روسيا الموحدة للرد عليه، وبتشبيه ماكين «بالأرنب المجنون».
وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد وصفت بدورها الانتخابات الروسية بأنها ليست حرة ولا عادلة، ودعت للتحقيق في الشكاوى من وقوع انتهاكات فيها. وترافق نقدها مع مطالب (لجنة هلسنكي) الأميركية من موسكو بالتعامل مع الانتهاكات التي تخلّلت عملية الاقتراع بسرعة ومصداقية، وقد رفضت موسكو كل الانتقادات المشار إليها معتبرة إياها تأتي في سياقات سياسية لاعلاقة لها بالدفاع عن الديمقراطية وان لبست لبوسها.
أبعاد الانتقاد الغربي لانتخابات الدوما
إن الأصوات الغربية الناقدة لنتائج الانتخابات البرلمانية لمجلس الدوما الروسي، تنطلق من الفهم العميق والمغزى الكبير لتلك النتائج في هذا الوقت بالذات، حيث تخوض موسكو صراعاً ضروساً (تحت الطاولة وفوق الطاولة) مع الولايات المتحدة وبعض دول غرب أوربا، وهو صراع ارتفع منسوبه وازداد بشكل ملحوظ بعد اللعبة الدولية التي أدارتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في ملف الأزمة الليبية، بعد استغلال مجلس الأمن لتمرير القرار المتعلق بالحظر الجوي الرقم (1973) ومن ثم إعادة قولبته والانقلاب عليه بشن عمليات عسكرية واسعة لقوات الناتو على ليبيا وشطب مصالح روسيا والصين في ليبيا والاستحواذ على فاتورتين : فاتورة الحرب، وفاتورة إعادة الاعمار، وبالطبع من كيس الشعب الليبي، الذي لم تكن عيونه السوداء مدعاة للهرع الأوروبي نحو إنقاذ الشعب الليبي من كابوس النظام السابق.
إن تداعيات نتائج الانتخابات الروسية لمجلس الدوما، بدأت الآن مع هبوب رياح متوسطة قد تعيدنا إلى زمن الحرب الباردة بين القطبين المقررين على الساحة الدولية آنذاك، خصوصاً مع تفاعلات الموضوع المتعلق بنشر منظومة الدرع الصاروخية الأميركية فوق الأراضي الأوروبية، وعلى وجه الخصوص فوق أراضي بعض دول أوروبا الشرقية التي كانت قبل عقدين من الزمن في دائرة حلف فرصوفيا تحت قيادة موسكو وماعرف في حينه بمصطلح الكتلة الشرقية أو الشيوعية. فقد بدت الاحتكاكات الروسية ــ الأميركية الراهنة بشأن نشر منظومة الدرع الصاروخية الأميركية في القارة الأوروبية معقدة ومستعصية على الحلول في ظل إصرار الإدارة الأميركية الاستمرار في مشروعها العسكري المعلن فوق الأراضي الأوروبية، وهو المشروع المقدر له استنزاف الخزينة الأميركية لصالح مؤسسات التصنيع الحربي الخاصة، وأيضاً استنزاف أموال الدول التي تنوي الإدارة الأميركية نشر هذه المنظومة فوق أراضيها، بغرض إحداث تأثير نوعي في توازن القوى الإستراتيجي في العالم.
ومع هذا، وفي سياقات الرد الروسي الممكنة على أي خطوات أميركية لتعزيز الانتشار العسكري الأميركي في أوروبا، يدرك الخبراء العسكريون الروس ويعرفون جيداً أن روسيا في الوقت الحاضر وفي ظل طموحاتها لاستعادة قوتها ومكانتها على الساحة الدولية بإمكانها أيضاً كيل «الصاع بالصاع أو صاعين» لواشنطن والقيام بخطوات لافتة في نصب صواريخ حربية من نوع «اسكندر» في أراضي بيلاروسيا مثلاً، رداً على نصب رادار وصواريخ اعتراضية أميركية في الأراضي التركية وبعض دول أوروبا، كما أن الغرب وواشنطن يعرفون جيداً نوعية وجودة ودقة صواريخ «اسكندر» وهي عبارة عن صاروخ مجنح (كروز) يستطيع المناورة لمسافات طويلة، حتى أن إيقافه أو التصدي له يعتبر أمراً شبه مستحيل، وقد حققت تجارب متعددة جرت مؤخراً على إطلاقه نجاحات جيدة من حيث إصابة الأهداف المطلوب تدميرها على مسافة (500) كيلومتر وبمنتهى الدقة.
ولكن، رب قائل يقول بأن المرحلة المعاصرة لم تعد مرحلة المواجهات العسكرية، وهو كلام صحيح بدرجة عالية، وهو ما أثبتته أيضاً تجارب الولايات المتحدة الفاشلة في أفغانستان والعراق، إلا أن نشر نظام الدرع الصاروخي الأميركي على تخوم الغرب الروسي يشير إلى أن الأسلوب الحديث للمواجهة بدأ يأخذ أشكالا جديدة ومتنوعة، بدءاً من التهويل والتخويف والابتزاز العسكري والتلويح بالسلاح الاستراتيجي وتكنولوجيا التفوق العسكري، إلى أساليب الحصار السياسي مرورا باستخدام الأدوات الاقتصادية. فالمخاطر ستبقى قائمة بكل الحالات، أمام الرعب الناتج عن الإفراط في نشر العتاد الثقيل المرعب في أرجاء مختلفة من المعمورة.
لقد نجحت روسيا نسبياً في تحقيق خطوات ملموسة ونوعية في انتقالها من مرحلة التفكك والانهيار والضياع بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق عام 1990، وأصبحت في وضع حالي يختلف كلياً مقارنة بمرحلة حكم الرئيس السابق بوريس يلتسين، فلم تعد روسيا تبحث عن بضعة مليارات من الدولارات لحل أزماتها الاقتصادية، وقد لا تكون في موقع فرض إرادتها كقوة عظمى، إلا أنها عادت بالتأكيد طرفاً دولياً مؤثراً لا يمكن تجاهل مصالحه في نطاق العالم والسياسة الدولية كما تحاول واشنطن منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وولادة القطبية الأحادية.
وعلى ضوء ما أوردناه حيال العلاقات الغربية مع موسكو ونتائج انتخابات مجلس الدوما الأخيرة، فإن قيادة الكرملين معنية بتأكيد غرضين اثنين، الأول ألا تتنازل عن مركزها كدولة عظمى ومقررة في الشأن الدولي، والتي مثلها سابقاً الاتحاد السوفياتي في موازنة مع القوى الرأسمالية المنتهكة لشعوب العالم. والثني أن تعاود صعودها الاقتصادي والعسكري.
ومن هنا، يمكننا أن نتوقع خطابات حازمة من جانب موسكو حيال الغرب في الأشهر المقبلة, فموسكو في خطواتها السياسية ومجمل علاقاتها الدولية، تدرك الآن ضرورة وقف الاستقطاب الأحادي في العالم الذي استهدفها قبل غيرها، حيث سعت عملت واشنطن على تسجيل شروطها على كافة الأطراف الدولية، وتقزيم مصالحها بصرف النظر عن مصالح الآخرين. كما تعي موسكو أيضاً بأن بناء العالم متعدد الأقطاب لا يمكن أن يتم ببساطة، بدون صراعات سياسية وأكثر من سياسية في لحظات معينة، وأن مرحلة المواجهة السياسية ولو الهادئة تمثل السبيل لردع سياسات بعض الأطراف الغربية التي تمنح نفسها بالشراكة مع واشنطن حقوقاً اكبر من حجمها على الساحة الدولية.
صحيفة الوطن القطرية
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development